ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر ، الصديقة بنت الصديق ،
في شوال قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهي بنت ست سنين ،
وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى وهي بنت تسع سنين ،
وقد عرضها عليه الملك قبل نكاحها في سرقة من حرير ،
ففي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. « أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة من حرير ،
فيقول: هذه امرأتك .
فأكشف فإذا هي أنت . فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه »
ومن خصائصها : أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ،
كما ثبت عنه ذلك في البخاري ومسلم ، وقد « سئل: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة " قيل: فمن الرجال؟ قال: " أبوها »
ومن خصائصها أيضا:
أنه لم يتزوج امرأة بكرا غيرها ، وقد جاء في البخاري « عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله ، أرأيت لو نزلت واديا فيه شجرة قد أكل منها ، وشجرة لم يؤكل منها ،
ففي أيها كنت ترتع بعيرك ،قال: " في التي لم يرتع فيها » . تعني أنه لم يتزوج بكرا غيرها .
ومن خصائصها: أنه كان ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها دون غيرها .
ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يا أم سلمة ! لا تؤذيني في عائشة ، فإني والله ما نزل علي الوحي
وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها » ومن خصائصها: أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك ،
وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة ،
وشهد لها بأنها من الطيبات ، ووعدها المغفرة والرزق الكريم ،
وكانت رضي الله عنها تتواضع وتقول: " ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم
الله في بوحي يتلى . . . " ومن خصائصها: أنها كانت أفقه نسائه صلى الله عليه وسلم وأعلمهن ،
بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
ومن خصائصها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها ، وفي يومها ،
وبين سحرها ونحرها ، ودفن في بيتها وقد مات عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة ،
وتوفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع ، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه ،
سنة ثمان وخمسين من الهجرة . واختلف أهل العلم هل هي أفضل أو خديجة على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: هي أفضل .
وقال بعضهم: خديجة أفضل . وتوقف آخرون .
قال السيوطي في ألفيته في علم الحديث: وأفضل الأزواج بالتحقيق
... خديجة مع ابنة الصديق وفيهما ثالثها الوقف وفي ... عائشة وابنته الخلف قفي
يليهما حفصة فالبواقي ... وآخر الصحاب باتفاق قال ابن القيم رحمه الله: " وسألت شيخنا ابن تيمية فقال: اختص كل واحدة منهما بخاصة ،
فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام ،
وكانت تسلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتثبته وتسكنه ،
وتبذل دونه مالها فأدركت غرة الإسلام ، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله ،
وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة ، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها .
وعائشة -رضي الله عنها - تأثيرها في آخر الإسلام ،
فلها من التفقه في الدين ، وتبليغه إلى الأمة ،
وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها ،
هذا معنى كلامه "
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنها - وعن أبيها ،
في السنة الثالثة من الهجرة ، وكانت قبله عند خنيس ابن حذافة ،
وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وممن شهد بدرا ،
وقد توفيت عام سبع أو ثمان وعشرين من الهجرة .
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر ،
وتوفيت عنده -صلى الله عليه وسلم- بعد ضمه لها بشهرين ،
وكانت تسمى أم المساكين لكثرة إطعامها للمساكين -رضي الله عنها- .
ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية
وقيل هي آخر نسائه موتا ، وقد توفيت سنة اثنتين وستين للهجرة ،
ودفنت في البقيع ، وقد تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الرابعة من الهجرة .
ومن خصائصها: أن جبرائيل دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي عنده ،
فرأته في صورة دحية الكلبي .
ففي صحيح مسلم « عن أبي عثمان قال: " نبئت أن جبرائيل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أم سلمة ،
قال: فجعل يتحدث ثم قام ، فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة من هذا؟ » الحديث .
ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة ،
وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ،
وكانت قبل عند مولاه زيد ابن حارثة ،
فطلقها فزوجها الله إياه من فوق سبع سماوات ،
وأنزل عليه: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } فقام فدخل عليها بلا استئذان ،
وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتقول: " زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات " .
وهذا من خصائصها .
توفيت بالمدينة سنة عشرين ، ودفنت في البقيع .
وهي أول نسائه لحوقا به بعد موته -عليه الصلاة والسلام- .
« فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا"
قالت: فكانت أطولنا يدا زينب ، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق » .
وتزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية ، وكانت سبيت في غزوة بني
المصطلق ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابها ، وتزوجها سنة ست من الهجرة ، وتوفيت سنة ست وخمسين .
ومن فضائلها: أن المسلمين أعتقوا بسببها مائة أهل بيت من الرقيق ،
وقالوا: أصهار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (16) . وكان هذا من بركاتها على قومها .
ثم تزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية ،
وقيل: اسمها هند ، تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة ،
وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار ، وسيقت إليه من هناك ،
وماتت في أيام أخيها معاوية بن أبي سفيان .
وتزوج في السنة السابعة صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير
من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام ،
فهي ابنة نبي وعمها نبي وزوجها نبي ،
وكانت من أجمل نساء العالمين ،
وكانت قد صارت له من الصفي أمة فأعتقها وجعل عتقها صداقها .
وهذا من خصائصها -رضي الله عنها - .
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية ،
وهي آخر من تزوج بها ، تزوجها بسرف ، وبنى بها بسرف ،
تزوجها في السنة السابعة من الهجرة بعد عمرة القضاء ،
وماتت بسرف سنة ثلاث وستين من الهجرة في أيام معاوية - رضي الله عنه -
قال الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة النبوية
:زوجاته اللاتي بهن قد دخل ... ثنتا أو إحدى عشرة خلف نقل خديجة الأولى تليها سودة ...
ثم تلي عائشة الصديقة وقيل قبل سودة فحفصة ... فزينب والدها خزيمة فبعدها هند أي أم سلمة ...
فابنة جحش زينب المكرمة تلي ابنة الحارث أي جويرية ... فبعدها ريحانة المسبية وقيل بل ملك يمين فقط ...
لم يتزوجها وذاك أضبط بنت أبي سفيان وهي رملة ... أم حبيبة تلي صفية من بعدها فبعدها ميمونة ...
حلا وكانت كاسمها ميمونة وابن المثنى معمر قد أدخلا ... في جملة اللاتي بهن دخلا بنت شريح واسمها فاطمة ...
عرفها بأنها الواهبة ولم أجد من جمع الصحابة ... ذكرها ولا بأسد الغابة وعلها التي استعاذت منه ...
وهي ابنة الضحاك بانت منه وغير من بنى بها أو وهبت ... إلى النبي نفسها أو خطبت
ولم يقع تزويجها فالعدة ... نحو الثلاثين بخلف أثبتوا (17) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة ،
وأهل العلم بسيرته وأحواله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرفون هذا ، بل ينكرونه ،
والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها ،
وكذلك الكلبية ، وكذلك التي رأى بكشحها بياضا فلم يدخل بها ، والتي وهبت نفسها له فزوجها
غيره على سور من القرآن ، هذا هو المحفوظ ، والله أعلم " (1 .
الأولاد زينة الحياة الدنيا، سواء كانوا بنين أو بنات وقد رزق النبي [ بثلاث بنين ، وأربع بنات ] ،
وهم على التوالي : القاسم و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة و عبدالله و إبراهيم
وولدوا كلهم من زوجته خديجة إلا إبراهيم فأمه مارية القبطية وقد مات أولاده قبله ،
إلا فاطمة ماتت بعده بستة أشهر ، وكانت قد أنجبت من زوجها علي أحفاداً للنبي هم :
الحسن و الحسين رضي الله عن الجميع وقد تجلى تعامله مع أولاده وأحفاده بالعديد من المظاهر الإنسانية الكريمة الرحيمة ومن ذلك ما يلي :
1- فرحه بولادتهم وحبه لهم ورحمته لهم وممازحته إياهم :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أولاد المسلمين عامة وأولاده وأحفاده خاصة ويفرح لولادتهم ،
وإذا ولد له مولود أذن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ليكون أول ما يطرق سمعه في الدنيا تمجيد الله وتعظيمه ،
ويحنكه بشيء حلو كالتمر ويسميه باسم حلو جميل ، ويذبح عنه عقيقة ، ويختن الصبي ، ويحلق رأسه
:: وكان أرحم الناس بالصغار ، يمسح رؤوسهم ، ويقبلهم ، ويداعبهم ، ويطيب خواطرهم ويحملهم بين يديه وينفق عليهم ،
ويسوي بينهم في العطية وكان يقبل ابنه إبراهيم ويشمه وحمل حفيدته أمامة بنت زينب وهو يصلي رحمة بها وكفا لبكائها ،
وحينما عجب الأقرع بن حابس من تقبيله لحفيده الحسن بن علي وأن له عشرة من الأولاد ما قبل واحدا منهم أجابه قائل اً:
من لايرحم لا يرحم وروي عنه أنه كان يمازح الحسن أو الحسين ، ويأخذ بكفيه ويجعله يرقى بقدميه على صدره ،
ثم يقبله وكان يخاف على أولاده وأحفاده ، ويرقيهم بالمعوذات ، ويقول للحسن والحسين :
( أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) 2- تعليمه لهم واهتمامه بتربيتهم وتنشئتهم على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور :
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تعليم أولاده وأحفاده وتربيتهم وإرشادهم إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور ،
وقد روى عنه أنه قال : ( أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ) وروي عنه أنه صافح وبايع أطفالا صغاراً من أقربائه ،
منهم الحسن والحسين
وليست هذه بيعة تكليف ، وإنما يراد بها تعويد الأولاد على تحمل المسؤولية ،
والتأسي بالكبار .
:: وحينما أراد حفيده الحسن وهو صغير ، أن يأكل تمرة من الصدقة، نهاه عن ذلك
تنشئة له على معالي الأمور ومكارمها .. 3- تدريبهم على أنواع النشاطات البدنية والرياضية :
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم القدوة بتدريب أولاده وأقربائه على أنواع من النشاطات البدنية لتقوى أجسامهم ،
وتصلب أعوادهم ، ويذهب عنهم الخمول والكسل ،
ويتعودون على النشاط والعمل الجماعي ، فكان يُركب الحسن والحسين على ظهره ،
ويقول: ( نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما )
وكان يقول : من كان له صبي فليتصاب له وكان يصف عبدالله ، وعبيد الله، وكثيراً بني عمه العباسي ،
ثم يقول: من سبق إلى فله كذا وكذا فيتسابقون فيقع بعضهم على صدره وبعضهم على ظهره ،
فيلتزمهم ويقبلهم وفي هذا ونحوه ما لا يخفى من التعويد على العمل الجماعي ، فضلا عما فيه من
إضفاء جو الحماس والفرح والمنافسة الشريفة بين الأولاد . 4- تربيته الأولاد على السلوك والعادات الصحية السليمة : اهتم الإسلام بصحة الإنسان عامة ،
ودعا الآباء والأمهات إلى رعاية أولادهم وإرشادهم إلى السلوك الحسن وما يحفظ سلامة أجسادهم وصحتهم ،
وفي هذا الصدد دعا إلى تقليم الأظافر واستعمال السواك ، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده ، والشرب قاعدا ،
والامتناع عن التنفس في الإناء ، والبعد عن الشراهة والتخمة ، وتجنب السهر فهو لا فائدة فيه ،
كما دعا إلى النوم على الشق الأيمن ، والاستيقاظ مبكراً ،
ومما يروى في هذا أنه استرضع لابنه إبراهيم امرأة لأن أمه مارية كانت قليلة اللبن ،
ودخل على ابنته فاطمة وهي نائمة فأيقظها وقال : ( قومي فاشهدي أضحيتك )
وحينما رأى على ابن عمه الفضل بن عباس - وكان صغيراً- خرزة أو تميمة وضعت لتحمية - بزعمهم - من العين ،
قطعها لأنها من أفعال الجاهلية ،
وأرشدهم إلى الرقية بأدعية الكتاب والسنة ..