سلسلة الأحاديث الصحيحة ــ المجلد الأول
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 141
عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام , فأتيناه بتمر وسمن فقال : " ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 219 :
( عن # أنس بن مالك # ) :
قال : ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً , فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا , وأقامني عن يمينه , - فيما يحسب ثابت - قال : فصلى بنا تطوعاً على بساط , فلما قضى صلاته , قالت أم سليم : إن لي خويصة : خويدمك أنس , ادع الله له , فما ترك يومئذ خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا دعا لي به ثم قال : اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه , قال أنس : فأخبرتني ابنتي أني قد رزقت من صلبي بضعاً وتسعين , وما أصبح في الأنصار رجل أكثر مني مالاً , ثم قال أنس : يا ثابت , ما أملك صفراء ولا بيضاء إلا خاتمي ! " .
قلت : وهذا سند صحيح على شرط مسلم , وقد أخرجه أبو داود ( 608 ) حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا حماد به , دون قوله " فلما قضى صلاته .... " ثم أخرجه أحمد ( 3 / 193 - 194 ) ومسلم ( 2 / 128 ) وأبو عوانة ( 2 / 77 ) والطيالسي ( 2027 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به . دون قوله " فأخبرتني ابنتي ... " وزاد : " قال : فقال : قوموا فلأصل بكم في غير وقت صلاة " .
طريق ثالثة : قال أحمد ( 3 / 108 ) : حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس به بتمامه , إلا أنه لم يذكر الإقامة عن يمينه وزاد . " ثم دعا لأم سليم ولأهلها " . وقال : قال : " وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دفن من صلبه إلى مقدم الحجاج نيفاً على عشرين ومائة " .
قلت : وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين , وشرحه السفاريني في " نفثات صدر المكمد " ( 2 / 34 طبع المكتب الإسلامي ) . وقد أخرجه البخاري ( 1 / 494 ) من طريقين آخرين عن حميد به , صرح في أحدهما بسماع حميد من أنس .
من فوائد الحديث وفقهه :
في هذا الحديث فوائد جمة أذكر بعضها باختصار إلا ما لابد فيه من الإطالة للبيان :
1 - أن الدعاء بكثرة المال والولد مشروع . وقد ترجم البخاري للحديث " باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة " .
2 - وأن المال والولد نعمة وخير إذا أطيع الله تبارك وتعالي فيهما .
3 - تحقق استجابة الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم في أنس , حتى صار أكثر الأنصار مالاً وولداً .
4 - أن للصائم المتطوع إذا زار قوماً , وقدموا له طعاما أن لا يفطر , ولكن يدعو لهم بخير , ومن أبواب البخاري في الحديث : " باب من زار قوماً ولم يفطر عندهم " .
5 - أن الرجل إذا أئتم بالرجل وقف عن يمين الإمام , والظاهر أنه يقف محاذياً له لا يتقدم عليه ولا يتأخر , لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي , لاسيما وأن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أفراد الصحابة قد تكرر , فإن في الباب عن ابن عباس في الصحيحين وعن جابر في مسلم وقد خرجت حديثيهما في " إرواء الغليل " ( 533 ) , وقد ترجم البخاري لحديث ابن عباس بقوله : " باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء , إذا كانا اثنين " .
قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 160 ) : " قوله : سواء " أي لا يتقدم ولا يتأخر , وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه عن ابن عباس فلفظ : " فقمت إلى جنبه " وظاهرة المساواة . وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه ? قال : إلى شقه الأيمن , قلت : أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر ? قال : نعم قلت : أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة ? قال : نعم .
وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : دخلت على عمر ابن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح , فقمت وراءه , فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه " .
قلت : وهذا الأثر في " الموطأ " ( 1 / 154 / 32 ) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه , فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة , فالقول باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلاً , كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل في ذلك لبعضها - مع أنه مما لا دليل عليه في السنة , فهو مخالف لظواهر هذه الأحاديث , وأثر عمر هذا , وقول عطاء المذكور , وهو الإمام التابعي الجليل ابن أبي رباح , وما كان من الأقوال كذلك فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها , معتقدا أنهم مأجورون عليها , لأنهم اجتهدوا قاصدين إلى الحق , وعليه هو أن يتبع ما ثبت في السنة , فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .