--------------------------------------------------------------------------------
أشارت الساعة إلى تمام الثانيه و النصف بعد الظهر وهو وقت خروج الموظفين من أعمالهم، استقليت سيارتي متجهاً إلى المنزل وفي طريقي تذكرت بان أهل بيتي قد أعدو قائمة مشتريات للمنزل يجب أن أنفذها جميعا ً
بنداًً بندا و إلا فإنه لن تتحقق لي الراحه ولا الاستمتاع بالجلوس في المنزل.
مررت في طريقي بأحد الأسواق المركزيه وبعد أن انتهيت من شراء ما تم تدوينه في هذه القائمة الطويلة دون نسيان أي شيء، وعند خروجي من باب هذا السوق رمقت عيني امرأة طاعنه في السن تجلس بجانب الباب فما أن رأتني حتى مدت يدها تطلب من مال الله الذي أغدقه علي وعلى كثير من أمثالي. وقفت وبدأت يدي تتقدم وتتأخر، فتارة تخرج الريال و تارة أخرى تعيده في مكانه، ثم تشجعت يدي وشجعتها ثم بدأت جميع أعضائي تشاركنا التشجيع عسى أن تدفع يدي ذلك الريال وفعلاً تقدمت يدي ودفعت ذلك المبلغ الزهيد عندها ارتفعت صيحات التهليل والتكبير من قبل أعضاء الجسم وهم يهنئونا على هذا الإنجاز العظيم، أحسست بعدها إنني قمت بعمل خارق وشعرت بفرحه تلف قلبي.
ركبت سيارتي متوجها إلى المنزل و أنا في كل لحظه أعيد ذلك الشريط و أقول سبحان الله ريال واحد فقط يغيرني كل ذلك التغيير، انتهى ذلك اليوم و كأنني أعيش بين أروقة قصور الجنة و أطير بين حدائقها وبساتينها و انعم من ثمارها وكلي يقين بان ليس هناك شخص مثلي يعيش هذه السعادة.
خرجت اليوم التالي من العمل وكلي أمل بان أرى تلك العجوز أو غيرها ممن طوتهم الدنيا تحت اكناف الفقر و الفاقة،
وصلت إلى ذلك السوق وقبل أن ادخل رميت نظري يمنه ويساره ابحث عن تلك العجوز، فعلاً رأيتها جالسه في نفس المكان الذي رأيتها فيه يوم أمس،
لكن حدثت مفاجأة ففي هذا اليوم ظهر فارس مغوار من بين أعضاء جسمي فتقدم قلبي إليها واستشعرت بأنها مثل أمي، فسألتها: كيف حالك يا خاله، فقالت: بخير والحمد لله.
رجعت خطوه إلى الوراء وأنا متعجب من ردها لي وقلت في نفسي سبحان الله تشكر الله وتحمده وهي في هذه الحاله من فقرة وفاقه، عندها انطلق ذهني يجوب بحار من الاسئله، امرأة فقيرة معدمه لم تنسى الله وتحمده وتثني عليه، سبحان الله كم من أناس قد من الله عليهم من نعم كثير وهم يتقلبون بين تلك النعم و إذا سألت الواحد منهم كيف حالك قال "زفت " كلمه جوفاء لاشكر فيها ولا ثناء لله ، كلمه لا يعي معناها ولم يعلم بأنها قد تكون من كفر النعم
أردفت سؤالي بسؤال ثاني،فقلت لها من أنت ؟ وماهو حالك ؟ وأين زوجك ؟ وأين أبنائك ؟
فقالت: إنني جده لسبعه أطفال مات أبيهم قبل أربعة سنوات لم يستطيعوا العيش في منزل أبيهم المستأجر فقررت ابنتي وتحت ضغوط الديون المتراكمة التي كانت على أبيهم واحتياجهم لتسديد اجار الشقه التي يسكنون فيها قررت السكن معي في بيتي الصغير المتواضع ولكن ماهي إلا سنه وأربعة شهور من بعد موت أبيهم إذا بأمهم تصاب بمرض خطير توفت على إثره وبقي سبعة أطفال لا عائل لهم سوى الله ثم أنا، سبعة أطفال أكبرهم محمد وهو يدرس في المتوسطة وقد حاول مراراً ترك دراسته لكي يصرف على إخوته ولكنني وقفت أمام هذا القرار وقررت أنا الخروج وكما تراني اجلس في هذا المكان اطلب فضل الله واصرف على هؤلأ الأطفال والحمد لله على كل حال.
.
تأثرت كثيراً بما سمعت وقررت أن لا اغادر هذا المكان إلا و أعطيها ما يكفيها ويكفي أطفالها تركتها على عجل ودخلت السوق المركزي و اصطحبت إحدى عربات السوبر ماركت ثم بدأت بجمع كل ما طاب ولذ ثم خرجت بتلك العربه محمله ثم وقفت أمام تلك العجوز وقلت لها هذا لكي يا خاله، نظرت إلي في ازدراء وكأن لسان حالها يقول أمتأكد مما تقول يا صاحب " الريال" ؟ هل كل هذا لي ؟ ، قلت لها: نعم كل هذا لك ولأحفادك ثم أسرعت واستأجرت لها سيارة أجرة لتحملها إلى بيتها ثم تبعتهم لأتأكد من صحة ما تقول وفعلاً وصلت إلى بيتها ورأيت منظر والله انه يدمي القلب رأيت أطفال في وضع يرثى له فما أن رأوا جدتهم حتى استقبلوها وهم بين باكي وفرحان رأيتها وهي تتلقفهم واحد تلو الأخر، في تلك اللحظات وأنا أشاهد هذا المنظر لم اعي بنفس إلا وقد انهارت دموعي وبكيت بكاء رحمه و فرحه، رحمه بهولاء الأطفال الضعفاء وفرحه بأنني كنت سبب في دخول الفرحه عليهم و على جدتهم العجوز.
رجعت بسيارتي إلى المنزل وأنا في سعادة تغمرني لايمكن وصفها، قررت بعدها أن ابذل كل ما في وسعي لمساعده الضعفاء والفقراء والمحتاجين وأن أبدأ اولاً بالاقربون مني ممن يعيشون في الحي الذي اسكن فيه.
نعم قمت في اليوم التالي بمسح المنطقه التي اسكن فيها بحثاً عن كل محتاج وفقير ثم دونت الأسماء ورقمت المنازل وحصرت العوائل الفقيرة ثم جلست مع زملائي وأصحابي وبعض أقاربي كل واحد أقص عليه تلك القصه مع العجوز الفقيرة وطلبت منهم المساعده و المشاركه معي في مشروع يقوم بمساعدة الأسر الفقيرة والأرامل و الأيتام في منطقتنا وطلبت منهم فقط الدعم المادي أما العمل فأنا متكفل به.
بدأت المشروع بحيث اقوم في نهاية كل شهر بجمع المساعدات الماديه من الزملاء و الأصحاب والأقارب ثم أقوم بشراء المواد الغذائية الضرورية لكل أسرة وكل ما تحتاجه من مستلزمات ضرورية.
وفعلاً مرت الأيام وكبر المشروع وكثر المشتركين حتى أن هناك ممن اشترك في هذا المشروع وأنا لا اعرفه وذلك لان زملائي وأصدقائي قامو بنشر فكرة هذا المشروع لأقاربهم فشاركوني أناس كثير ولله الحمد والمنه.
بعد ذلك وبعد أن كبر المشروع قمت باستئجار محلات (مستودع) لتخزين المواد الغذائية ثم استقدمت عمال لهذا المشروع فمنهم العامل ومنهم السائق و منهم الحارس وكبر المشروع و اتسع نطاق توزيعنا إلى كل بيت فقير في الحي.
واليوم وقد مضى علينا أكثر من تسعة سنوات رأيت اسر فقيرة قد صلح حالهم المعيشي وتبدل حالهم إلى الأفضل فلله الحمد اولاً و اخير وأساله تعالى واشكره أن سخر لي تلك العجوز التي كانت سبب في هذا المشروع الخيري بعد الله.
المصدر
محمد الجابر – الرياض – المملكة العربية السعودية
ــــــــــــــــــــــــــ
اللهم أنك عفواً تحب العفو فأعفو عنا
منقووووووووووووووول
__________________
دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وان أطعمت أطعمت طيبا وان سقطت على شئ لم تكسره ولم تخدشه.