دوامة الحياة ..
بصدمة الميلاد بدأنا الحياة بعد عناء آلام المخاض ، ومَـلـَـك الموتِ الذي رأتهُ أمهاتُـنا بعينِ الخاطر ..
مرت الأيام حتى نطقنا بكلمة ( بابا ) وبعدها نطق ذاتُ اللسانِ بالشتائم ..
وسارت الأقدامُ فنجَـحـتْ بالخطوةِ الأولى .. ثم كانت الخطوة الكبرى حين وصلت إلى المسجد
لأداء أول فريضةٍ في بيت الله الحرام ..
وشهراً فشهراً حتى اشتد العُـوْد ، واِتْسعتِ المخيلةُ وزادت مسؤوليات الإنسان وأعماله
فما عاد يتذكرُ والداً ولا جاراً ..
ودخل ـ قهراً ـ في سُـبات النسيان المُـتعمّد حتى يستطيع إكمال مسيرة حياته .. وإنجاز
ما لن يستطيع إنجازه قبل مماته ..
هكذا هي عجلة الزمن الذي نعيشه فكلما مضى من الزمن ولو لحظة كلما أخذت من أعمارنا
ولم تُـعْطِـنا مقابلاً لها ..
وهكذا هو إعصار الحياة الذي جاءنا من عالم الغيب حيث لا يعرف أحدٌ عنه شيئـًا ..
ولا يـعِي دورانه العبثيّ فيه ..
لكن وللحظة نتأمل ..
وبعدسة مُـكبِّـرة .. وبعينٍ مُـتفحِّصة لما يجري داخل الإعصار المُدمِّـر نرى ذلك الفقير
الكادح ليلَ نهار .. والغني الهائمِ في الأسحار ..
وندقِّقُ أكثر فنلمحُ طفلاً يتعثر .. وفتىً تُغرقهُ الأفكار .. وفتاةً تبحثُ عن أجوبةِ المجهول ..
وبشراً تلهثُ خلف اللاشيء نسِيتْ خالقها والجنة .. ألمٌ في الرأسِ شديدُ اللَّهجة ..
ما بالُ الناس وراء الدنيا ؟! .. ليتَ الدوامةَ تتوقف ساعةً من آخر الليل .. ستتساقط الأجساد
على الأرض .. ولن تتكسّر العِظام .. تكفينا من هذه الحياة ساعةٌ من ليل الدنيا تنفعُنا في يومِ
المحشر .. قال عزَّ وجلَّ:
{ قم الليل إلاّ قليلا ، نصفه أو انقص منه قليلا }
من سورة المزمل
ليتَ الدَّوامةَ تـُخْـطِئنا كل ليلة ..
ليتها تفعل قبل أن تُغْمَـضَ الجفون للأبد ..