السمنة والنحافة المفرطة ودورهما في العقم
لقد كان وما زال الوزن المناسب والمقبول من الناحية الصحية سواء للمرأة أو الرجل هدف العديد من الدراسات العلمية، التي تناولت هذا الأمر كوسيلة للوقاية من أمراض ومشكلات السمنة أو النحافة، ومن ضمنها حدوث العقم عند الرجال والنساء. وحتى عهد قريب كان الناس ينظرون إلى زيادة الوزن على أنها مظهر من مظاهر الجمال والأنوثة وعلامة من علامات الوجاهة وعلو الشأن في المجتمع، ومع تطور العلوم الطبية الحديثة بدأ الجميع يتفهمون الأخطار الحقيقية للسمنة ومنها اضطرابات الغدد التناسلية لدى الرجال واضطرابات الدورة الشهرية لدى الإناث وما ينتج عن ذلك من عقم أو تأخر في الإنجاب، أما الآن فقد تحولت الاتجاهات في عصرنا الحديث إلى محاولة الاحتفاظ بالوزن المقبول صحياً واجتماعياً وأصبح هناك موضة حديثة تسمى الرشاقة.
نقص الوزن عن الحدود المقبولة صحياً قد يحدث اضطرابات في الدورة الشهرية عند المرأة، وتؤثر على قدرتها على الإنجاب وذلك وفقاً لنتائج الدراسات التي ربطت بين كتلة الدهن في الجسم وتنظيم الدورة الشهرية ومن ثم علاقته بعمل الجهاز التناسلي.
وإذا سلمنا مع الأبحاث بأن لزيادة أو نقص دهون الجسم عند الإنسان علاقة بالعقم أو الوقاية منه فما هي حدود ذلك، ثم ما هي الآلية التي تفسر ذلك وما الدور الذي يلعبه تراكم الدهون في جسم الفتاة أو الشاب في فترة البلوغ؟ لقد أوضح الخبراء أن سبب انقطاع الحيضة الأولى أو الثانية لا يرجع فقط إلى انخفاض الوزن وإنما إلى انخفاض نسبة الدهون في جسم المرأة، واستخلص من أبحاثه أن المرأة البالغة تحتاج إلى نسبة (26 إلى 28%) من الدهن في أنسجتها الدهنية لكي تنتظم لديها الدورة التبويضية واستدل على ذلك بانقطاع الحيض عند نسبة عالية من راقصات الباليه والفتيات الرياضيات على الرغم من أن أوزانهن طبيعية ولكن السبب يعود إلى انخفاض نسبة الدهون في أنسجتهن الدهنية من (5 إلى 10%) ما أدى إلى حدوث خلل في غدد تحت سرير المخ مع سلامة المحور الموصل بين المبيض والغدة النخامية.
كذلك فإن انخفاض الوزن أو زيادته يؤدي إلى حالة انقطاع الحيض الناتج عن اضطرابات في الغدة النخامية لدى النساء اللائي يعانين انخفاض الوزن أو انخفاضاً في إفراز الهرمون المسمى «Gonadotropine» الذي يعمل على إعادة دورة الحيض الطبيعية عند النساء اللاتي لا يحضن، ويعتبر هرمون اللبتين Leptin الذي يفرز في الأنسجة الدهنية عند الإنسان من الهرمونات المهمة في الجسم، فهو ذو علاقة بالخصوبة حيث وجد أن الحقن به يعيد الخصوبة عند إناث الفئران، ويعمل هذا الهرمون على تنظيم كتلة الدهون في الجسم على الجينات الوراثية وقد تم اكتشاف الشفرة التي يطبع عليها في الجينات الإنسانية عام 1984م حيث بدأت العديد من الدراسات التي تستهدف معرفة الدور الذي يلعبه هرمون اللبتين في السمنة وعلاقته بالعقم منذ ذلك التاريخ.
ويعكس تركيز اللبتين كتلة الأنسجة الدهنية في الجسم (الجلسريدات الثلاثية) وذلك في حالة ميزان الطاقة المتعادل، أما في حالة عدم الاتزان وانخفاض الوزن بنسبة 10% فإنه يحدث انخفاضاً في اللبتين بنسبة 53% في الدم ويعتقد أنه يعمل كإشارة للمخ بوقف تناول الطعام وهو ضروري إذ يلعب هذا الهرمون دوراً مهماً مثل هرمون الأنسولين، إلا أنه قد تحدث مقاومة له نتيجة لخلل في مستقبلاته أو في جهاز النقل. وتنتشر هذه المستقبلات في الجسم انتشاراً واسعاً.
وفي حالة الإنسان البدين تحدث مقاومة لهذا الهرمون وقد يعتبر هذا أحد التفسيرات للبدانة الناتجة عن عوامل جينية وكذلك أنواع معينة من العقم. للقيام بدوره.
وبعد هذا العرض العاجل لدور السمنة والنحافة المفرطة فإننا نوصي بمراقبة الأوزان والحفاظ عليها في المعدلات الصحية المناسبة والذي يتحدد لكل سيدة أو رجل من استشارة طبية متخصصة.