بما كان يتمناه مدرب البحرين ماتشالا، قدم له مدرب المنتخب السعودي منهجية تسمح بإحداث العقم الهجومي للأخضر، وتفسح المجال للبحريني كي يفرض كلمته على ملعب درة الملاعب في لقاء الإياب من الملحق الآسيوي المؤهل لنهائيات كأس العالم.
بداية الانهيار التي تسبب فيها مدرب المنتخب السعودي بيسيرو، كانت منذ أن اختار تكتيك ساهم في تسليم مفاتيح منطقة المناورة وصناعة اللعب بوسط الملعب إلى أبناء البحرين.. فهو من أطاح بصانع الألعاب الوحيد في الأخضر محمد نور ليعلب في مركز لاعب الوسط الأيسر أمام المدافع الأيسر حسين عبدالغني، و" مسمر " عبداللطيف الغنام وسعود كريري في قلب الملعب كمحورين، ورمى بتيسير الجاسم في مركز لاعب الوسط اليمين.. مما حرم المنتخب السعودي من بناء الهجمة المنظمة التي تعترف بها كرة القدم قبل العشوائية والخوف.
هذه التوزيعة العناصرية للمنتخب السعودي في وسط الملعب انسجمت مع الاستراتيجية التكتيكية الخادعة التي انتهجها مدرب البحرين، عندما عكس أسلوب ومكان أدائه الهجومي عن مباراة الذهاب التي أقيمت بين المنتخبين السبت الماضي في البحرين ( صفر/ صفر ) عندما ركز على الجبهة اليمنى للسعودية كي تكون جبهة الغزو من خلف عبدالله شهيل الذي لعب في مركز الظهير الأيمن.
خدعة كبرى
الخدعة التكتيكية التي شربها مدرب الأخضر بدأت بفكره في جعل الملعب يميل ناحية اليمين البحريني حتى لا يتكرر غزوه ناحية اليسار كما حدث في الذهاب، بالدفع بمحمد نور ناحية اليسار البحريني.. إلا أن ماتشالا كشف سريعاً عدم تمتع بيسيرو بالرشاقة الفكرية التكتيكية، وجعل من الجبهة اليمنى له " اليسرى للأخضر " هي جبهة الغزو له، فأشغل محمد نور بالقيام بدوره الدفاعي وتغطية حسين عبد الغني.. فانحرم الأخضر من عقله المفكر الذي يستطيع تنويع وتوزيع الهجمات من خلال نقل الكرة من منطقة الوسط إلى قلب الدفاعات البحرينية لخلق الفرص التهديفية.
اتزان يواجهه اجتهاد
من أهم الأسباب التي منحت المنتخب البحريني التأهل للمرحلة الثانية والأخيرة من الملحق الآسيوي المؤهل للمونديال، هي حالة الثقة التي تمتع بها لاعبيه سواء كان ذلك على مستوى الدفاع الذي نجح بدرجة عالية في بناء الهجمات الهادئة، فأراح وسمح للاعبي وسطه أن يسلسلوا الكرة من قدم لقدم حتى إنهاء الهجمة بأكبر قدر من الفاعلية.. ولعل هذا الأسلوب أربك وأفقد المنتخب السعودي ما تبقى من تركيز وقدرة على التفاعل مع حساسية اللقاء.
لعبة الكبار
العرف التكتيكي في كرة القدم يقر بأن الشوط الثاني للمباراة هو شوط المدربين.. خاصة في مثل هذه المباريات الحاسمة التي تتحكم في نتيجتها جزئيات بسيطة.. وهذا ما شهده شوط اللقاء الثاني أمس.. فمدرب البحرين اختار منهج الدفاع الوهمي من أجل إحداث التوتر عند الأخضر.. بمعنى أن يتراجع في آخر 40 ياردة من الملعب، ليندفع المنتخب السعودي نحوه في محاولة لإحراز هدف الحسم، الأمر الذي خلق مساحات واسعة في خط دفاعه لم يستغلها المنتخب البحريني جيداً في المرتدات بسبب الإرهاق الذي حل على مهاجميه، وفي المقابل كشف هذا الاستحواذ السعودي في الـ40 دقيقة من الشوط الثاني، جيداً عن عدم تجهيز جهاز المنتخب لأوراقه الرابحة رغم المعسكرات الإعدادية المتعددة التي اختص بها، وفي مقدمتهم محمد نور الذي لم تسعفه لياقته البدنية عندما مال أداؤه إلى وسط الملعب، في مجاراة اللعب السريع والتخلص من الضغط البحريني، كما افتقد ياسر القحطاني لأفضل مهاراته " الكنترول"، فهرب يميناً ويساراً تاركاً منطقة التأثير الهجومي فارغة.
الأمل الضائع
في الدقائق الـ3 التي احتسبها حكم اللقاء كوقت بدل ضائع، رفضت كرة القدم أن تهدي مدرب المنتخب السعودي نصراً يرتقي بسمعته الكروية إلى السحاب عندما ينسب له من أهل الأخضر إلى المونديال، وترجم هذا الرفض الهدف الذي أحرزه حمدالمنتشري في الدقيقة 91، من كرة اجتهادية مليئة بالإرادة من ياسر القحطاني الذي مرر بإتقان عرضية ارتطمت برأس المنتشري لتسكن المرمى البحريني معلنة تخطي الأخضر لعقبة البحرين واقترابه من التأهل للمونديال.
كرة القدم عادت من جديد لتكشف خبرة بيسيرو الذي لم يستطع تطبيق أهم وأبجديات إدارة مباريات كرة القدم، التي تنص على أن أهم وأخطر دقائق اللقاء، هي الدقائق الخمس التي تعقب إحراز الفريق لهدف، فما يعقبها هو الأنسب للفريق المنافس لكي يتعادل إذا ما كان مدرب " الأخضر " متنبهاً في العودة بفريقه إلى التركيز وعدم منح المنافس فرصة التقدم لمناطق فريقه الدفاعية حتى لو كلفته بطاقة حمراء لأحد لاعبيه الذي اضطر لإحداث إعاقة تكتيكية متعمدة.. وفي المقابل استطاع ماتشالا الاحتفاظ بتوازن فريقه الذي اقتبسه من هدوئه الذي اتسم به وهو على المقعد الفني، ورغم أن اللقاء لم يتبق منه سوى أقل من دقيقة، إلا أنه شن آخر هجماته بيسر وسهولة حصل منها على ركنية نفذت بسرعة ليحرز المنتخب هدف التعادل الثاني، ويعلن تأهله لمواجهة نيوزلندا المحطة الثانية للملحق تاركاً بيسيرو غير مأسوف عليه.