ضحايا حرية التعبير
د.نوال العيد
لا شك أن لكل فرد رأيه الذي يتبناه، وأفكاره التي يعتقدها، وهذه الأفكار تنبع عن معتقد وقناعة، لكن هل للفرد أن يعبر عن كل قناعاته وأفكاره باعتبارها واحدة من حقوق الإنسان التي اهتمت بها المواثيق والعهود والإتفاقيات الدولية،أم أن حرية الفرد محدودة بكونه فرداً في مجتمع، وهذا المجتمع يعيش فيه أفراد بينهم علاقات ومصالح، ومادام كل فرد له الحق أن يعبر عن رأيه، فعليه أن يراعي حدوده، وأن يعي أن هناك نقطة عليه أن يتوقف عندها، لتبدأ حرية الآخرين الذي هم جزء لا يتجزأ من المجتمع؟
ولا توجد عادة قيود على "حرية الرأي" في أي مجتمع، فكل شخص حر في تبني الأفكار والآراء التي يريدها، ولا يستطيع أحد إلزامه على معتقد معين؛ لأن الله تعالى يقول(لا إكراه في الدين)، لكن هناك شرائع وقوانين لضبط (حرية التعبير عن الرأي) حتى لا تعيش المجتمعات ضحايا لفوضوية تعبيرية بحجة حرية الرأي!
بل وحتى في الدول التي تزعم تبنيها لحرية التعبير، وتتبنى الهيئات الحقوقية تعرف حرية التعبير بأنها التعبير عن الأفكار و الآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو الأعمال الفنية بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة عرض الأفكار والآراء أومضمونها ما يمكن اعتباره خرقا أو مخالفة لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة.
كل ماتقدم يبرهن على أن ما قام به بعض المغردين من إساءة الأدب في حق الله سبحانه وتعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم في شبكات التواصل الاجتماعي مخالف لحرية التعبير في الأعراف الدولية ناهيك عن رأي علماء الشريعة في مثل هذا العمل الشنيع.
والمجتمع المسلم مجتمع له أدب مع الله ، ومع رسول الله، يتمثل هذا الأدب في إدراك حدود العبد أمام الرب، والرسول الذي يبلغ عن الرب{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم }فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم؛ ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه؛ ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأياً مع خالقه، تقوى منه وخشية، وحياء منه وأدباً . . وله أدب خاص في خطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتوقيره: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)
و مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المسلمين عظيم لا يليق بأي فرد أن يخاطبه كما يخاطب صديقه أو فرد من أفراد الناس، كيف والله يقول(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)
أضف إلى ما في هذا العمل من خلخلة للحمة الوطنية وتمزيق لها في وقت تعيش المنطقة فيه على فوهة بركان، يستلزم منا أن نوحد الصف ونجمع الكلمة ونطرح مواضيع تزيد ائتلافنا، لا أن نصيد في الماء العكر، ونطرح مثل هذا العفن، ونبرر أخطاءنا بأعذار أشد قبحا من الذنب.
ليعتقد كل ماشاء، لأن الله وحده سبحانه المسؤول عن محاسبته، لكن ما تفوه به لسانه، أو خطته يده سيطالب المجتمع بمحاسبته، لأنه أساء الأدب في حق الله الذي رضيه المجتمع المسلم ربا، وفي حق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رضيه المجتمع رسولا.