إشكالية الخلط بين العلم والثقافة .
بداية اعتقد جازماً أن العلم وسيلة أما الثقافة فهى غاية وعليه فالعلم وسيلة يفترض بها أن توصل إلى غاية بقصد تحقيق التقدم لبنى البشر والرفاهية لذلك فأن الثقافة ليست وسيلة وأنما غاية بحد ذاتها على اعتبار أنها الفعالية الوحيدة التى تؤمن للعقل - الذهن - نوعاً من الصفاء والتوازن وبالتالى فهى الموكولة قطعاً بتهذيب الشخصية البشرية وهى أيضاً تسمو بها إلى أرقى درجات الرقى والكمال .
ـ العلم هو اختصاص فى مجال محدد بينما الثقافة فهى موسوعية لا تقتصر على علم بذاته فرغم ازدياد اهمية الاختصاص فى عصرنا الحالى إلا أن الثقافة سمتها الطاغية هى الموسوعية والشمولية فكما قيل عندما تعرف شيئاً عن كل شىء فأنت مثقف بينما عندما تعرف كل شىء عن شىء فأنت عالم وشتان ما بينهما .
ـ العلم أقل ثباتاً من الثقافة على اعتبار أن العلم ممكن أن ينسى وأيضاً ممكن أن يتغير أو يزول بينما الثقافة من صفاتها الديمومة والشمول والواضح أن كثيراً من النظريات العلمية قد تلاشت واندثرت بعد أن ثبت خطؤها كنظرية دوران الشمس حول الأرض وهذا على سبيل المثال لا الحصر أما المعطيات الثقافية فهى ثابتة باقية ما بقيت الأرض وربما تزداد اهميتها مع مرور الزمن .
ـ المؤكد أن العلم سبق الثقافة ولكن زواله قبلها قطعاً كون الثقافة لا يمكن اكتسابها إلا بعد مرحلة أولية من التعليم ومبناها هذا الأساس الضرورى من العلم لذلك هناك قاعدة سائدة عند أرباب الفكر مفادها أن الثقافة هى ما ياءتى فيما بعد لذلك الفرد منا يتعلم قبل أن يتثقف وأيضاً قد ينسى ما تعلمه من معلومات ومهارات .. الخ، ولكن تحت أي ظرف لا ينسى ثقافته على اعتبار أن الثقافة هى محصلة قبل أن تكون معارف مفردة وهناك قول وأنا اقدره عند احد علماء الفلسفة واظنه هيريو مفاده أن الثقافة باقية عندما ننسى كل شىء .
ـ بقى فارق جوهري لا بد من الأشارة إليه ألا وهو أن العلم لا وطن له بينما الثقافة وطنية وهذا لا يعنى أن صفة الموسوعية للثقافة تتعارض مع كونها وطنية وعليه فالعلم لا وطن له لذا لا يصح أن نقول هذا عالم مصرى أو عالم كورى .. الخ، كون العلم تراث لبنى البشر دون استثناء وعلى العكس من ذلك يجوز لنا أن نقول هذه ثقافة صينية وتلك ثقافة عربية وهذا لا يعنى أن تتاءثر قومية أو شعب بثقافة شعب آخر فهذا لا يعارض المفهوم الذى اوردناه والثقافة أيضاً ممكن توريثها وهذه نقطة غاية فى الاهمية فاللاحق يحافظ على ما ورثه من السابق وأنا اعتقد أن الثقافة سيفاً يذود عن التراث لذلك نجد بينهم رابط متين وعرى لا تنفصم ولا تنفصل فالإنسان ينال ثقافته الفردية من الصفر أما الأمة بمجموعها لا تبداء ثقافتها من الصفر وأنما عند حدود درجة معينة من المخزون الثقافى - الكم التراكمى من الثقافة - التى وصل اليها الاوائل - الاجداد - من ابنا جلدتنا .
قولاً واحداً إذا كان العلم نصيب الإنسانية جمعاء فالثقافة كما اشرنا أنفاً وطنية الصبغة وعليه ممكن للمؤثرات العالمية أن تحدث أثراً فى الثقافة فى حين الثقافة عندما تنبثق عن ابنائها تكون قطعاً وطنية وبناءاً على ذلك لا يمنع بقية الشعوب على وجه الأرض من تذوق تلك الثقافة .. ويقينى أن الثقافة لا تستحق لقب - وطنية - ألا إذا حازت لقب الاصيلة ولهذا يجب أن لا تكون دخيلة أو هجينة ولكى تستحق الثقافة لقب الاصيلة يجب أن تتشرب وتتشبع بالتراث والثابت والمثبت أن هذا التشبع - اقصد تشبعها بالتراث - لا يتعارض بالجزم مع المعاصرة والامثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها .. والله من وراء القصد .