[align=center]
مَدحُ المَرءِ في وجهه
قيل، "إياكم والتمادُح، فإنَّه الذبح." والذبح لما فيه مِن الآفة في دين المادح والممدوح، لأنه - للمادح - إماتةٌ للقلب وإخراجٌ للمرءِ مِن دينه وفيه ذبح للممدوح لأنه يغَرُّهُ بأحواله ويغريه بالعُجبِ والكِبر فيرى نفسَه أهلا للمِدحة.
وإذا خالط المدح مبالغة أو كذبا كان أوجب للذم، وقيل، إذا سَمِعتَ الرَّجُلَ يَقُولُ فيكَ مِنَ الخَيرِ ما لَيسَ فِيك، فَلا تَأمَنْ أنْ يَقولَ فيكَ مِنَ الشَّر ما لَيسَ فيكَ.
والمدحُ في الوجه مِن أبغَضِ المُعاملات، وخيرٌ منه العِظَةُ وإبلاغُ المَرءِ بعيوبه. وقيل، إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التُراب.
وإنْ كان ولا بد، فمَدحُ المرءِ في وجهه بما فيه بالحق ودون المبالغة وإذا أُمِنت غائِلةُ المدح بأن لا يؤدي إلى غرور الممدوح وفساد قلبه، ومِن ثَمَّ توكيل حقيقته لله تعالى، كقولنا "أَحسَبُ أنَّ فيك مِن الخير كذا".
ويَجوزُ الثناءُ على الناس بما فيهم (وليس في وجوههم)، على وجه الإعلام بصفاتهم، لِتُعرَفَ لهم سابِقَتُهم وتقدمهم بالفضل، فينزلوا منازلهم ويُقتَدى بِهم في الخير.
وإذا مُدحتَ أو حُمِدت فعليك أن تتواضع لله وأنْ تَستَشِعر ضَعفَكَ وتقصيرك، حتى لا يَغلِبَ عليك الكِبر والعُجب. وكان بعض السلف إذا أُثني عليهم يقول، "اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تُؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون."
[/align]