العمود الفقري ، تشخيص العمود الفقري واهميته
التشخيص الخاطئ قد يؤدي إلى عواقب وخيمة
في أمراض العمود الفقري.. علامات الراية الحمراء عادةً ما تثير الشك بوجود أمراض سرطانية!
استمرار الألم يدعو إلى التأكد من صحة التشخيص
د.ياسر بن محمد البحيري
هذه قصة حقيقية لمريض في بداية الخمسينات أتى إلى العيادة يطلب رأياً ثانياً ويشتكي من أن لديه آلاما مزمنة في أسفل الظهر لفترة تسعة أشهر تزداد في حدتها مع مرور الوقت وتم تشخيصه كحالة انزلاق غضروفي بين الفقرة القطنية الخامسة والعجزية الأولى عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي للفقرات القطنية (MRI) وكان يتلقى العلاج حسب هذا التشخيص لمدة تسعة أشهر وذلك عن طريق الأدوية المسكنة وجلسات العلاج الطبيعي ولكن المريض لاحظ أن حالته لا تتحسن مع مرور الوقت بل تزداد سوءًا وأن آلامه أصبحت أشد وأقوى وأصبحت تعوقه عن القيام بأنشطته اليومية. وعند مراجعة أشعة الرنين المغناطيسي التي تم إجراؤها له قبل تسعة أشهر تبين بالفعل وجود انزلاق غضروفي طفيف بين الفقرة القطنية الخامسة والعجزية الأولى لا يفسر أبداً وجود الأعراض التي يشتكي منها المريض. بل ان هذا الانزلاق الغضروفي الطفيف قد يكون موجوداً في غالبية المرضى الذين تجاوزت أعمارهم سن الخمسين عاما. وعند التدقيق في أشعة الفقرات القطنية تبين أن جزءا بسيطا من الفقرات الصدرية السفلى وبالتحديد الفقرة الصدرية الثانية عشرة موجود في بعض الأفلام وتبين أن هناك آثار كسر انضغاطي في هذه الفقرة (compression fracture). وبعد ذلك تم إجراء أشعة رنين مغناطيسي جديدة خصيصاً لمنطقة الفقرات الصدرية وتبين أن لدى هذا المريض سيىء الحظ وجود ورم منتشر في أجزاء من الفقرات الصدرية أدى إلى تسوس ونخر في الفقرة الصدرية الثانية عشرة وإلى وجود كسر انضغاطي فيها (Metastasis). ونحن نقول سيىء الحظ ليس لأنه أصيب بالمرض لأن المرض ابتلاء من الله ولكن نقول أنه سيىء الحظ لأنه تم تشخيصه بطريقة خاطئة وتم إعطاؤه علاجا غير مناسب لفترة تسعة أشهر. وبعد تشخيص هذه الحالة تم اتخاذ الإجراءات العلاجية المناسبة لعلاج مثل هذه الحالات. وهذه الحالة هي مثال لأهمية التشخيص الدقيق في أمراض العمود الفقري. وفي ما يلي سوف نستعرض بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها من قبل الطبيب وأيضاً من قبل المريض لضمان دقة التشخيص.
فحص الأشعة للوقوف على الأسباب
التاريخ المرضي
قد يكون هذا أهم جزء من عملية التشخيص وهو الجزء الذي يبدأ به الطبيب والمريض تعاونهما للوصول إلى التشخيص الدقيق. وفي هذا المنوال يمكن للمريض اتخاذ بعض الإجراءات والنصائح التي قد تساعد على إيصال المعلومة الصحيحة للطبيب فمثلاً يجب على المريض التركيز على المشكلة الكبرى التي يعاني منها وعدم الخلط بينها وبين مشاكل أخرى قد يشعر بها. فمثلاً بعض المرضى قد يأتي وهو يشكو من آلام مزمنة في أسفل الظهر تزداد شدتها مع الوقت ومن ثم يشتكي أيضاً من بعض الآلام الخفيفة التي يشعر بها في الرقبة وفي الكتف أو الرجل أو في الساقين مما قد يؤدي إلى إضاعة التركيز على المشكلة الرئيسية. ولذلك فيجب على المريض البدء بالشكوى الرئيسية التي تضايقه بشكل أكبر والتي تؤثر على حياته. بالإضافة إلى ذلك فإنه من الأفضل أن يقوم المريض بإحضار جميع الأشعات والتقارير والأدوية التي قام بإجرائها مسبقاً لأن هذه المعلومات قد تساعد الطبيب كثيراً في عملية التشخيص. أيضاً يجب جمع المعلومات التي تتعلق بصحة المريضة العامة مثل وجود أي تاريخ مرضي لأمراض سرطانية سابقة أو أمراض في الغدد اللمفاوية أو أمراض في الغدد بصفة عامة أو وجود تاريخ مرضي لعمليات جراحة سابقة أو أمراض في القلب أو أمراض في الكلى وغير ذلك من الأمراض المزمنة. كما أن استجابة المريض للأدوية التي تم صرفها له أو لها سابقاً هي جزء مهم من التاريخ المرضي حيث انها تعطي الطبيب فكرة عن مدى استجابة المريض لهذه الأدوية وإذا كان يجب تغييرها أو تفاديها عند وصف الأدوية الجديدة إذا استدعت الحاجة ذلك.
التشخيص الدقيق يسهل المعالجة السريعة الناجحة
الفحص السريري
في الواقع ان الفحص السريري للعمود الفقري يتكون الجزء الأهم منه من قيام المريض أو المريضة بعملية تحريك للفقرات التي يشتكي منها عن طريق ثني الجزع إلى الأمام وثني الجزع إلى الخلف وحركة إمالة الجذع إلى اليمين وإلى اليسار لأن هذه الحركات تعطي للطبيب فكرة كبيرة عن مدى تأثر الفقرات وعن شدة المرض. فمثلا المريض الذي يشتكي من انزلاق غضروفي شديد لن يستطيع القيام بعمل الركوع بشكل طبيعي وقد لا يستطيع الجلوس خلال الزيارة في العيادة بل يفضل البقاء واقفاً أو مستلقياً كما يحدث في كثير من المرضى. أما بالنسبة للأعصاب الطرفية فيتم فحصها وفحص العضلات وذلك عن طريق الطلب من المريض بأن يمشي على أطراف أصابعه أو على كعب الرجل أو القيام بعملية الجلوس على الأرض في وضعية القرفصاء لأن هذه الحركات تعطي فكرة جيدة عن مدى قوة العضلات ومدى تأثر الأعصاب التي تغذيها نتيجة الضغط عليها في بعض الأمراض التي تصيب العمود الفقري. وفي حال وجود أي شكوك عن تأثر الأعصاب والعضلات فإنه يتم أيضاً فحص الإحساس في الأطراق السفلى وعمل فحص الانعكاسات العصبية.
التحاليل والأشعات
الأشعات السينية العادية ( X-Ray) هي جيدة في الواقع لتشخيص حالات تشوهات العمود الفقري (Scoliosis) أو حالات الكسور (Fractures) أو حالات العيوب الولادية أو العيوب الخلقية في العمود الفقري وأيضاً لتشخيص حالات الخشونة المتقدمة (Spondylosis). أما أشعة الرنين المغناطيسي (MRI) فهي الأفضل والأدق لتشخيص أمراض ومشاكل العمود الفقري والغضاريف والمفاصل التي يتكون منها العمود الفقري. فأشعة الرنين المغناطيسي تساعد على تشخيص أمراض الانزلاق الغضروفي وتآكل الغضاريف والفقرات وخشونة المفاصل الصغيرة في الفقرات وأيضاً تساعد على تشخيص أنواع كثيرة من الأورام الحميدة (Benign tumors) أو الأمراض الخبيثة (malegnent) التي قد تصيب العمود الفقري. بالإضافة إلى ذلك فإن أشعة الرنين المغناطيسي تعطي فكرة واضحة وجيدة عن مدى تآثر النخاع الشوكي (Spinal Cord) والأعصاب الطرفية وإذا ما كان هناك ضغط عليها وأيضاً تعطي فكرة جيدة في حال وجود التهابات جرثومية (Infections) أو خراج أو أورام تضغط على الأعصاب. بالإضافة إلى ذلك فإن الأشعة المقطعية غير المغناطيسية (CT SCAN) تساعد كثيراً على تشخيص الكثير من الأمراض وتعطي فكرة أشمل وأدق عن العظام التي تكون العمود الفقري من الأشعة السينية العادية. كما أن الأشعة النووية (Bone Scan) قد يتم اللجوء إليها في بعض الأحيان عندما يكون هناك شك في وجود أورام سرطانية منتشرة في أجزاء الجسم ومن ضمنها العمود الفقري. أما بالنسبة لأشعة قياس كثافة العظام (BMD) فإنه يتم اللجوء إليها لتشخيص حالات هشاشة العظام (Osteoporosis) وترقق العظام (Osteopenia) في منطقة العمود الفقري.
أما بالنسبة للتحاليل المخبرية فإنه قد يتم اللجوء إليها للمساعدة على تشخيص الحالات التي يكون فيها شك في وجود التهابات جرثومية أو التهابات رماتزمية أو بعض أنواع الأمراض الروماتزمية أو أيضاً بعض أمراض الغدد الصماء التي قد تؤدي إلى نخر وهشاشة في العظام. ويجب التنويه بأنه ليس كل مريض يشتكي من آلام في الظهر يحتاج إلى جميع الأشعات والتحاليل وإنما يتم اختيار الأداة المناسبة سواء كانت أشعات تشخيصية أو تحاليل مخبرية حسب حالة المريض وحسب المرض الذي يراد تشخيصه. وأيضاً يجب التنويه أنه في الغالبية العظمى من المرضى قد لا نحتاج إلى عمل هذه الأشعات المعقدة وإنما يكفي الفحص السريري والتاريخ المرضي ولربما أشعة سينية عادية.