[align=center]
ضالة المؤمـن !!
منذ آلاف السنين سُئِلَ موسى - عليه السلام - عمَّن يكون أكثر الناس علماً ؟
فأجاب بأنه هو أكثر الناس علماً ؛ وكيف لا يكون كذلك وهو نبي الله ، ومن أولي العزم من الرسل ، وقد حدَّثه الله في طور سينين ، وهو الذي أنزل عليه التوراة !
من هنا ظنَّ موسى - عليه السلام - أنه لا يمكن أن يكون على هذه الأرض من يبلغ علمه أو حتى يقترب منه .
فأمره الله أن يذهب لكي يقابل رجلاً لم يسمع به من قبل !
فذهب - عليه السلام - والتقى بعبد فقير من عباد الله الصالحين ، وقد أوتي من العلم ما لم يدركه موسى - عليه السلام - النبي المرسل !
حاول موسى - عليه السلام - أن يتعلم من العبد الصالح ، ولكنه لم يستطع عليه صبرا !
فأدرك أنه مهما بلغ شأن إنسان ، فهو يبقى بشراً لا يستطيع أن يحيط بكل علم الله ، وقد يعطي الله من العلم لعبد من عباده ما ليس عند مَنْ هو أعلى منه شأناً .
{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } البقرة 269 .
سبحانه ! وما أوتينا من العلم إلا قليلاً !
الحكمة ذلك الثقب الأسود الذي يفضي بك إلى عالم سرمدي من الخبرات والمعارف لا ساحل له ولا شاطئ .. تبحر على أثيره بقارب التذكر وشراع الصمت ومجداف التأمل ..
فكل ما حولك يشير إليك بحكمة .. في عصا الضرير .. وفي خفقات أجنحة الفراشة .. وفي حبة الرمل .. وفي النجم المضيء .. وفي نفسك .. أفلا تبصر ؟!
في شيء تراه .. وأشياء لا تراها .. فالحكمة الحقيقية ليست في رؤيا ما هو أمام عينيك فحسب ! بل هو الاستكناه وتسوُّر المألوف !
فكم حكمة أضحت بها المحافل .. ..
.. .. نـافـقة وأنت عنهـا غافـــل
رأسها مخافة الله ، وصدرها تخلية القلب من الأمور الفاسدة الدنيوية .. وتحليته بذكر جلال الله تبارك جلاله ، وعضوها الفعال الإخلاص في العبادة والمداومة عليها ، وحراكها حسن السؤال .. والخط بالقلم ؛ وبذلك تتأتى في نفسك السكينة والهدوء مهما عصفت بك الظروف الخارجية .. وهنا تكون قد ألجمت أرفع درجات الحكمة البشرية !
فباسم الله نبدأ .. وبتوفيقه نرتجي .. وبأوامره نقتدي .. وعن نواهيه ننتهي !
فإن الله بيده أن يحيي القلوب بنور الحكمة إن توفرت لديها الأجواء المناسبة كما يحيي الأرض بماء السماء !
وتتجلى أعلى مراتب الحكمة في عباد الله ممن ليس بين دعوتهم وبين الله حجاب كالأنبياء ، ومن الصحابة كسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن جحش ، والعلاء بن الحضرمي ، ومن أولياء الله الصالحين الذين إذا أقسموا على الله في دعواتهم لأبرهم بإذنه كلقمان ، والخضر ، ومن النساء صحر بنت لقمان ، وهند بنت الخس ، وجمعة بنت حابس ، وابنة عامر بن الضرب ، وحذام ..فكما يندر وجود اللؤلؤ في البحر يندر وجود الحكمة في البشر ..
انظر إلى حكمة ذلك الصبي
الذي كان يسير باتجاه الجامع حاملاً شمعة بيده ، فبادره الشيخ بالسؤال : هل أضأت هذه الشمعة بنفسك ؟
فرد عليه الصبي بالإيجاب ، ولما كان يقلق الشيخ أن يلعب الأولاد بالنار تابع بإلحاح : اسمع يا صبي ، في لحظة من اللحظات كانت هذه الشمعة مطفأة ، أتستطيع أن تخبرني من أين جاءت النار التي تشعلها ؟
ضحك الصبي وأطفأ الشمعة ، ثم رد يسأل الشيخ : وأنت يا سيدي ، أتستطيع أن تخبرني إلى أين ذهبت النار التي كانت مشتعلة هنا ؟
أدرك الشيخ حينها كم كان غبيَّّاً .
من ذا الذي يشعل نار الحكمة ؟ وإلى أين تذهب ؟
إن الإنسان على مثال تلك الشمعة يحمل في قلبه لهيب الحكمة للحظات معينة ، ولكنه لا يعرف إطلاقاً أين أشعلت وبدأت .
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه : " العلم نهر ، والحكمة بحر ، العلماء حول النهر يطوفون ، والحكماء وسط البحر يغوصون " .
وها هو ذا الغواص أحمد الكيواني يقول :
[poem=font="simplified arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="ridge,4,darkred" type=1 line=0 align=center use=sp num="0,black"]
كم حكمةٍ عند الغَبِيِّ كأنها = رَيْحانةٌ في راحةِ المزكومِ
بسمَتْ محاسنُها لوجهٍ كالحٍ = ما أضيعَ المرآةَ عند البومِ[/poem]
علينا أن نكون تلاميذ الحياة .. وأن نتعلم من آلاف المعلمين .. وأن نأخذ الدروس من أشياء غير متوقعة من أشياء أكثر بساطة مثل الحكايات التي يرويها الآباء والأمهات لأولادهم .
وعلينا أن نستقي الحكمة دون انشغالنا من أي ينبوع جرت ؛
فشعاع الشمس يمتص الندى من فم الورد ووحل الطرق .
وبعد : فما الذي نفهمه – يا ترى – بعد هذا الحديث المختصر عندما نقرأ قوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الجاثية 13 .
أظن الجواب لم يعد عسيراً ؟!
.. [/align]