للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 247
" إذا أسلم العبد , فحسن إسلامه , كتب الله له كل حسنة كان أزلفها , ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها , ثم كان بعد ذلك القصاص , الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف , والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 437 :
أخرجه النسائي ( 2 / 267 - 268 ) من طريق صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد قال : حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن # أبي سعيد الخدري # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : وهذا سند صحيح , وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال : قال مالك : أخبرني زيد بن أسلم به دون كتب الحسنات . وقد وصله الحسن بن سفيان والبزار والإسماعيلي والدارقطني في " غرائب مالك " والبيهقي في " الشعب " من طرق أخرى عن مالك به .
قال حافظ في " الفتح " ( 1 / 82 ) : " وقد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام . وقوله " كتب الله " أي أمر أن يكتب , وللدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ " يقول الله لملائكته اكتبوا " , فقيل : إن المصنف أسقط ما رواه غيره عمداً , لأنه مشكل على القواعد .
وقال المازري : الكافر ليس كذلك , فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه , لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفاً لمن يتقرب إليه , والكافر ليس كذلك .
وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال . واستضعف ذلك النووي فقال : " والصواب الذي عليه المحققون , بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم , ثم أسلم , ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له . وأما دعوى أنه مخالف للقواعد , فغير مسلم , لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكفار في الدنيا ككفارة الظهار , فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه " انتهى .
ثم قال الحافظ : والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلاً من الله وإحساناً أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولاً . والحديث إنما تضمن كتابة الثواب , ولم يتعرض للقبول . ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقاً على إسلامه , فيقبل ويثاب إن أسلم , وإلا فلا . وهذا قوي . وقد جزم بما جزم به النووي : إبراهيم الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء , والقرطبي وابن المنير من المتأخرين .
قال ابن المنير : المخالف للقواعد , دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره , وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيراً , فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل , وكما تفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر , فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب ثواب ما عمله غير موفى الشروط . واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح , وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح , بل يكون هباءً منثوراً , فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافاً إلى عمله الثاني , وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير : هل ينفعه ? فقال : إنه لم يقل يوماً , رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين , فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر " .
قلت : وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لتضافر الأحاديث على ذلك , ولهذا قال السندي في حاشيته على النسائي : " وهذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة , إن أسلم تقبل , وإلا ترد .
وعلى هذا فنحو قوله تعالى : ( والذين كفروا أعمالهم كسراب ) محمول على من مات على الكفر , والظاهر أنه لا دليل على خلافه , وفضل الله أوسع من هذا وأكثر فلا استبعاد فيه , وحديث " الإيمان يجب ما قبله " من الخطايا في السيئات لا في الحسنات " .
قلت : ومثل الآية التي ذكرها السندي رحمه الله سائر الآيات الواردة في إحباط العمل بالشرك كقوله تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك , ولتكونن من الخاسرين ) , فإنها كلها محمولة على من مات مشركاً , ومن الدليل على ذلك قوله عز وجل : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ويترتب على ذلك مسألة فقهية وهي أن المسلم إذا حج , ثم ارتد , ثم عاد إلى الإسلام , لم يحبط , حجه ولم يجب عليه إعادته , وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد قولي الليث بن سعد , واختاره ابن حزم وانتصر له بكلام جيد متين , أرى أنه لابد من ذكره , قال رحمه الله تعالى ( 7 / 277 ) : " مسألة - من حج واعتمر , ثم ارتد , ثم هداه الله تعالى واستنقذه من النار فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة , وهو قول الشافعي وأحد قولي الليث وقال أبو حنيفة ومالك وأبو سليمان : يعيد الحج والعمرة , واحتجوا بقول الله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) , ما نعلم لهم حجة غيرها , ولا حجة لهم فيها , لأن الله تعالى لم يقل فيها : لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك , وهذه زيادة على الله لا تجوز , وإنما أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضاً على شركه , لا إذا أسلم , وهذا حق بلا شك . ولو حج مشرك أو اعتمر أو صلى أو صام أو زكى لم يجزه شيء من ذلك عن الواجب , وأيضاً فإن قوله تعالى فيها : ( ولتكونن من الخاسرين ) بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل إسلامه أصلاً بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة , لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام ليس من الخاسرين بل من المربحين المفلحين الفائزين , فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره , مرتداً أو غير مرتد , وهذا هو من الخاسرين بلا شك , لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته , وقال تعالى : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ) فصح نص قولنا : من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر , ووجدنا الله تعالى يقول : ( إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) , وقال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) , وهذا عموم لا يجوز تخصيصه , فصح أن حجه و عمرته إذا راجع الإسلام سيراهما , ولا يضيعان له .
وروينا من طرق كالشمس عن الزهري وعن هشام بن عروة المعنى كلاهما عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم , أفيها أجر ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على ما أسلفت من خير " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 248
" أسلمت على ما أسلفت من خير " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 441 :
قال ابن حزم : فصح أن المرتد إذا أسلم , والكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا أسلما , فقد أسلما على ما أسلفا من الخير , وقد كان المرتد إذ حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به وما كلف كما أمر به , فقد أسلم الآن عليه فهو له كما كان . وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم , فإن أسلم بعد ذلك لم يجزه لأنه لم يؤده كما أمر الله تعالى به , لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في الدين الذي جاء به الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره , وقال عليه الصلاة والسلام : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " . والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف أو هرمس فلا يجزئه , وبالله تعالى التوفيق .
ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه وطلاقه الثلاث وبيعه وابتياعه وعطاياه التي كانت في الإسلام , وهم لا يقولون بهذا , فظهر فساد قولهم , وبالله تعالى نتأيد " .
وإذا تبين هذا فلا منافاة بينه وبين الحديث المتقدم برقم ( 52 ) " أن الكافر يثاب على حسناته ما عمل بها لله في الدنيا " لأن المراد به الكافر الذي سبق في علم الله أنه يموت كافراً بدليل قوله في آخره : " حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " , وأما الكافر الذي سبق في علم الله أنه يسلم ويموت مؤمناً فهو يجازى على حسناته التي عملها حالة كفره في الآخرة , كما أفادته الأحاديث المتقدمة , ومنها حديث حكيم بن حزام الذي أورده ابن حزم في كلامه المتقدم وصححه ولم يعزه لأحد من المؤلفين , وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 4 / 327 , 5 / 127 , 10 / 348 ) ومسلم ( 1 / 79 ) وأبو عوانة في " صحيحه " أيضاً ( 1 / 72 - 73 ) وأحمد ( 3 / 402 ) .
ومنها حديث عائشة في ابن جدعان الذي ذكره الحافظ غير معزو لأحد , فأنا أسوقه الآن وأخرجه وهو : " لا يا عائشة , إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 249
" لا يا عائشة , إنه لم يقل يوماً : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 442 :
أخرجه مسلم ( 1 / 136 ) وأبو عوانة ( 1 / 100 ) وأحمد في " المسند " وابنه عبد الله في " زوائده " ( 6 / 93 ) وأبو بكر العدل في " اثنا عشر مجلساً " ( ق 6 / 1 ) والواحدي في " الوسيط " ( 3 / 167 / 1 ) من طرق عن داود عن الشعبي عن مسروق ( ولم يذكر الأخيران مسروقاً ) عن # عائشة # قالت : " قلت : يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المساكين , فهل ذاك نافعه ? قال : " فذكره .
وله عنها طريق أخرى , فقال عبد الواحد بن زياد : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير عنها أنها قالت : " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري الضيف ويصل الرحم ويفك العاني ويحسن الجوار - فأثنيت عليه - هل نفعه ذلك ? قال : " فذكره .
أخرجه أبو عوانة وأبو القاسم إسماعيل الحلبي في " حديثه " ( ق 114 - 115 ) من طرق عن عبد الواحد به .
ووجدت له طريقاً ثالثاً , رواه يزيد بن زريع حدثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عنها به نحوه .
أخرجه يحيى بن صاعد في " حديثه " ( 4 / 288 / 1 - 2 ) من طريقين عن يزيد به .
قلت : وهذا سند صحيح على شرط البخاري على اختلاف قولي أبي حاتم في سماع عكرمة - وهو مولى ابن عباس - من عائشة , فأثبته في أحدهما ونفاه في الآخر , لكن المثبت مقدم على النافي , كما هو في علم الأصول مقرر .
وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الكافر إذا أسلم نفعه عمله الصالح في الجاهلية بخلاف ما إذا مات على كفره فإنه لا ينفعه بل يحبط بكفره , وقد سبق بسط الكلام في هذا في الحديث الذي قبله .
وفيه دليل أيضاً على أن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل البعثة المحمدية ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة رسول , إذ لو كانوا كذلك لم يستحق ابن جدعان العذاب ولما حبط عمله الصالح , وفي هذا أحاديث أخرى كثيرة سبق أن ذكرنا بعضها .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 250
" لا ضرر , ولا ضرار " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 443 :
حديث صحيح ورد مرسلاً , وروي موصولاً عن # أبي سعيد الخدري , وعبد الله ابن عباس , وعبادة بن الصامت , وعائشة , وأبي هريرة , وجابر بن عبد الله , وثعلبة بن مالك # رضي الله عنهم .
أما المرسل , فقال مالك في " الموطأ " ( 2 / 218 ) : عن عمرو ابن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : وهذا سند صحيح مرسلاً . وقد روي موصولاً عن أبي سعيد الخدري رواه عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن , حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره و زاد : " من ضار ضاره الله , ومن شاق شاق الله عليه " .
أخرجه الحاكم ( 2 / 57 - 58 ) والبيهقي ( 6 / 69 - 70 ) وقال : " تفرد به عثمان بن محمد عن الدراوردي " .
قلت : وتعقبه ابن التركماني فقال : " قلت : لم ينفرد به , بل تابعه عبد الملك بن معاذ النصيبي , فرواه كذلك عن الدراوردي . كذا أخرجه أبو عمر في كتابيه ( التمهيد ) و( الاستذكار ) .
قلت : وكأنه لهذه المتابعة قال الحاكم عقبه : " صحيح على شرط مسلم " , ووافقه الذهبي , وإلا فلولا المتابعة هذه لم يكن الحديث على شرط مسلم لأن عثمان بن محمد ليس من رجاله , وفوق ذلك فهو متكلم فيه .
قال الدارقطني : ضعيف .
وقال عبد الحق : الغالب على حديثه الوهم . ولكن قد يتقوى حديثه بمتابعة النصيبي هذا له , وإن كان لا يعرف حاله , كما قال ابن القطان وتابعه الذهبي , وهو بالتالي ليس من رجال مسلم أيضاً , فهو ليس على شرطه أيضاً , ولكنهم قد يتساهلون في الرواية المتابعة ما لا يتساهلون في الرواية الفردة , فيقولون في الأول : إنه على شرط مسلم باعتبار من فوق المتابعين مثلما هنا كما هو معروف , ولذلك فقد رأينا الحافظ ابن رجب في " شرح الأربعين النووية " ( 219 ) لم يعل الحديث بعثمان هذا ولا بمتابعة النصيبي , وإنما أعله بشيخهما , فقد قال عقب قول البيهقي المتقدم : " قال ابن عبد البر : لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث . قال : ولا بسند من وجه صحيح . ثم خرجه من رواية عبد الملك بن معاذ النصيبي عن الدراوردي موصولاً والدراوردي كان الإمام أحمد يضعف ما حدث به من حفظه ولا يعبأ به , ولا شك في تقديم قول مالك على قوله " .
قلت : يعني أن الصواب في الحديث عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً كما رواه مالك , ولسنا نشك في ذلك فإن الدراوردي وإن كان ثقة من رجال مسلم فإن فيه كلاما يسيراً من قبل حفظه , فلا تقبل مخالفته للثقة , لاسيما إذا كان مثل مالك رحمه الله تعالى .
والحديث أخرجه الدارقطني أيضاً ( ص 522 ) موصولاً من الوجه المتقدم لكن بدون الزيادة : " من ضار ... " ثم رأيته قد أخرجه في مكان آخر ( ص 321 ) من الوجه المذكور بالزيادة .
وأما حديث ابن عباس , فيرويه عنه عكرمة , وله عنه ثلاث طرق :
الأولى : عن جابر الجعفي عنه به . أخرجه ابن ماجه ( 2 / 57 ) وأحمد ( 1 / 313 ) كلاهما عن عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن جابر الجعفي به .
قال ابن رجب : " وجابر الجعفي ضعفه الأكثرون " .
الثانية : عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة به . أخرجه الدارقطني ( 522 ) . قال ابن رجب : " وإبراهيم ضعفه جماعة , وروايات داود عن عكرمة مناكير " .
قلت : لكن تابعه سعيد بن أبي أيوب عند الطبراني في " الكبير " ( 3 / 127 / 1 ) قال : حدثنا أحمد بن رشدين المصري أنبأنا روح بن صلاح أنبأنا سعيد بن أبي أيوب عن داود بن الحصين به , إلا أنه أوقفه على ابن عباس . لكن السند واه , فإن روح ابن صلاح ضعيف . وابن رشدين كذبوه , فلا تثبت المتابعة .
الثالثة : قال ابن أبي شيبة كما في " نصب الراية " ( 4 /384 ) : حدثنا معاوية
بن عمرو حدثنا زائدة عن سماك عن عكرمة به .
قلت : وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , غير أن سماكاً روايته عن عكرمة خاصة مضطربة , وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن كما في " التقريب " .
وأما حديث عبادة بن الصامت فيرويه الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة مرفوعاً به .
أخرجه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " ( 5 / 326 ) .
قلت : وهذا سند ضعيف منقطع بين عبادة وحفيده إسحاق .
قال الحافظ : " أرسل عن عبادة , وهو مجهول الحال " .
وأما حديث عائشة , فله عنها طريقان :
الأولى : يرويها الواقدي : أنبأنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أبي الرجال عن عمرة عنها .
أخرجه الدارقطني ( 522 ) , قال ابن رجب : " والواقدي متروك , وشيخه مختلف في تضعيفه " .
الثانية : عن روح بن صلاح حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي سهيل عن القاسم ابن محمد عنها , وعن أبي بكر بن أبي سبرة عن نافع بن مالك أبي سهيل عن القاسم به .
أخرجه الطبراني في " المعجم الوسط " وقال : " لم يروه عن القاسم إلا نافع بن مالك " .
قلت : هو ثقة محتج به في " الصحيحين " , لكن الطريقان إليه ضعيفان كما قال ابن رجب , ففي الأولى روح بن صلاح وهو ضعيف , وفي الأخرى أبو بكر بن أبي سبرة , ًوهو أشد ضعفا , قال في " التقريب " : " رموه بالوضع " .
وأما حديث أبي هريرة , فيرويه أبو بكر بن عياش قال : عن ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً .
أخرجه الدارقطني , وأعله الزيلعي بأبي بكر هذا فقال : " مختلف فيه " . وأعله ابن رجب بابن عطاء فقال : " وهو يعقوب وهو ضعيف " .
وأما حديث جابر فيرويه حيان بن بشر القاضي قال : حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عنه .
رواه الطبراني في " الأوسط " , وسكت عليه الزيلعي .
وقال ابن رجب : " هذا إسناد مقارب , وهو غريب خرجه أبو داود في " المراسيل " من رواية عبد الرحمن بن مغراء عن ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع مرسلاً . وهذا أصح " .
قلت : ومداره على ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه , وحيان بن بشر الذي في الطريق الموصولة , قال ابن معين : لا بأس به . وله ترجمة في " تاريخ بغداد " ( 8 / 285 ) , وقد روي عن واسع بن حبان عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه أبو داود في " المراسيل " , كما نقله الزيلعي ولم يسق إسناده لننظر فيه . وأما حديث ثعلبة فهو من رواية إسحاق بن إبراهيم مولى مزينة عن صفوان ابن سليم عنه .
رواه الطبراني في " معجمه " كما في " الزيلعي " ( 4 / 385 ) وسكت عليه , وإسحاق بن إبراهيم هذا لم أعرفه , وفات هذا الحديث الحافظ الهيثمي فلم يورده في " المجمع " ( 4 / 110 ) وأورد فيه فقط حديث جابر وعائشة .
وبالجملة فهذه طرق كثيرة أشار إليها النووي في " أربعينه " ثم قال : " يقوي بعضها بعضاً " . ونحوه قول ابن الصلاح : " مجموعها يقوي الحديث , ويحسنه , وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به .
وقول أبي داود : إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 251
" حريم البئر أربعون ذراعاً من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 448 :
أخرجه الإمام أحمد ( 2 / 494 ) : حدثنا هشيم قال : أنبأنا عوف عن رجل حدثه عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم , وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 3 / 125 ) : " رواه أحمد , وفيه رجل لم يسم , وبقية رجاله ثقات " .
قلت : وهكذا أخرجه البيهقي ( 6 / 155 ) من طريق أخرى عن هشيم به ثم قال : " وقد كتبناه من حديث مسدد عن هشيم : أخبرنا عوف حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . أخبرناه أبو الحسن المقري ... " .
ثم ساق السند إلى مسدد به . ومسدد ثقة من رجال البخاري , لكن في السند إليه من لم أعرفه . ولم يتعرض الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 292 ) وكذا الحافظ العسقلاني في " التلخيص " ( ص 256 ) لهذه الطريق . والله أعلم .
وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن مغفل مرفوعاً بلفظ : " من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته " .
أخرجه الدارمي ( 2 / 273 ) وابن ماجه ( 2 / 96 ) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عنه .
وهذا سند ضعيف وله علتان :
الأولى : عنعنة الحسن وهو البصري فقد كان مدلساً .
والأخرى : ضعف إسماعيل بن مسلم المكي قال الحافظ في " التقريب " : " كان فقيهاً , ضعيف الحديث " . وقال في " التلخيص " ( 256 ) بعد أن عزاه لابن ماجه وحده : " وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف , وقد أخرجه الطبراني من طريق أشعث عن الحسن , وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد " .
قلت : فما دام أنه قد تابعه أشعث , فإعلال الحديث بالعلة الأولى أولى كما لا يخفى . وأشعث هذا واحد من أربعة , كلهم يروون عن الحسن :
الأول : أشعث بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي .
الثاني : أشعث بن سوار الكندي .
الثالث : أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني .
الرابع : أشعث بن عبد الملك الحمراني .
وكل هؤلاء ثقات غير الثاني ففيه ضعف , ولكن لا بأس به في المتابعات , كما يشير إلى ذلك ما حكاه البرقاني عن الدارقطني , قال : " قلت للدارقطني : أشعث عن الحسن ? قال : هم ثلاثة يحدثون جميعاً عن الحسن : الحمراني وهو ابن عبد الملك أبو هاني ثقة . وابن عبد الله بن جابر الحداني يعتبر به , وابن سوار , يعتبر به وهو أضعفهم " .
قلت : وقد فاته الأول , وهو ثقة أيضاً كما قال ابن معين وغيره .
وبالجملة , فهذا شاهد لا بأس به , فالحديث به حسن عندي والله أعلم . وقد ذهب إلى العمل به أبو حنيفة والشافعي كما في " سبل السلام " ( 3 / 78 - 79 ) .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 252
" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 /450 :
صحيح من حديث # أبي هريرة # مصرحاً بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم , وله عنه طريقان :
الأولى : عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال : " كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة , فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه , فقلت له : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ? فقال : يا بني فروخ أنتم ها هنا ?! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء ! سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : " فذكره .
أخرجه مسلم ( 1 / 151 ) وأبو عوانة ( 1 / 244 ) والنسائي ( 1 / 35 )
والبيهقي ( 1 / 56 ) وأحمد ( 2 / 371 ) عنه .
وخلف هذا فيه ضعف من قبل حفظه وكان اختلط , لكنه قد توبع فرواه أبو عوانة من طريق عبد الله بن إدريس قال : سمعت أبا مالك الأشجعي به بلفظ : " قال : رأيته يتوضأ فيبلغ بالماء عضديه , فقلت : ما هذا ? قال : وأنتم حولي يا بني فروخ ? ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحلية تبلغ مواضع الطهور " .
وهذا إسناد صحيح لا غبار عليه .
والطريق الأخرى عن يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال : " دخلت على أبي هريرة فتوضأ إلى منكبيه , وإلى ركبته , فقلت له : ألا تكتفي بما فرض الله عليك من هذا ? قال : بلى , ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مبلغ الحلية مبلغ الوضوء , فأحببت أن يزيدني في حليتي " .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 40 ) : حدثنا ابن المبارك عن يحيى به .
وعلقه عنه أبو عوانة في " صحيحه " ( 1 / 243 ) .
قلت : وهذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيحين " غير يحيى هذا وهو ثقة اتفاقاً إلا رواية عن ابن معين , وقال الحافظ : " لا بأس " به . ولا يضره إن شاء الله تعالى أن خالفه غيره من الثقات فأوقفه , لأن الرفع زيادة , وهي من ثقة فهي مقبولة , لاسيما ويشهد لها الطريق الأولى , فأخرج البخاري ( 10 / 317 ) وابن أبي شيبة ( 1 / 41 - 42 ) وأحمد ( 2 / 232 ) عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة قال : " دخلت مع أبي هريرة دار مروان فدعا بوضوء فتوضأ , فلما غسل ذراعيه جاوز المرفقين , فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين , فقلت : ما هذا ? قال : هذا مبلغ الحلية " .
واللفظ لابن أبي شيبة . قال الشيخ إبراهيم الناجي متعقباً رواية مسلم الأولى وقد أوردها المنذري في " الترغيب " : " وهذه الرواية تدل على أن آخره ليس بمرفوع أيضاً " .
قلت : يعني قوله : " تبلغ الحلية ..." . وقد عرفت الجواب عن هذا الإعلال أنفاً وغالب ظني أن الناجي لم يقف على المتابعة المذكورة لخلف عند أبي عوانة ولا على هذه الطريق الأخرى الصحيحة أيضاً , وإلا لما قال ذلك .
على أنه قد بدى لي أن هذه الرواية وإن كانت موقوفة ظاهراً , فهي في الحقيقة مرفوعة , لأن قوله : " هذا مبلغ الحلية " فيه إشارة قوية جداً إلى أن المخاطب يعلم أن هناك حديثاً مرفوعاً بلفظ " مبلغ الحلية مبلغ الوضوء " كما هو مصرح به في الطريق الثانية , فاكتفى الراوي بذلك عن التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل .
وجملة القول : أن الحديث مرفوع من الطريقين , ولا يعله الموقوف لأنه في حكم المرفوع كما سبق بيانه .
إذا عرفت هذا , فهل في الحديث ما يدل على استحباب إطالة الغرة والتحجيل ? والذي نراه إذا لم نعتد برأي أبي هريرة رضي الله عنه - أنه لا يدل على ذلك , لأن قوله : " مبلغ الوضوء " من الواضح أنه أراد الوضوء الشرعي , فإذا لم يثبت في الشرع الإطالة , لم يجز الزيادة عليه كما لا يخفى .
على أنه إن دل الحديث على ذلك , فلن يدل على غسل العضد لأنه ليس من الغرة ولا التحجيل , ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " ( 1 / 315 - 316 ) : " وقد احتج بهذا الحديث من يرى استحباب غسل العضد وإطالته , والصحيح أنه لا يستحب , وهو قول أهل المدينة , وعن أحمد روايتان , والحديث لا يدل على الإطالة فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم , لا في العضد والكتف " .
واعلم أن هناك حديثاً آخر يستدل به من يذهب إلى استحباب إطالة الغرة والتحجيل وهو بلفظ : " إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " .
وهو متفق عليه بين الشيخين , لكن قوله : " فمن استطاع ..." مدرج من قول أبي هريرة ليس من حديثه صلى الله عليه وسلم كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ كالمنذري وابن تيمية وابن القيم والعسقلاني وغيرهم وقد بينت ذلك بياناً شافياً في " الأحاديث الضعيفة " فأغنى عن الإعادة , ولو صحت هذه الجملة لكانت نصاً على استحباب إطالة الغرة والتحجيل لا على إطالة العضد .
والله ولى التوفيق .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 253
" من استعاذ بالله فأعيذوه , ومن سألكم بوجه الله فأعطوه " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 453 :
أخرجه أبو داود ( 2 / 622 - الحلبية ) وأحمد ( رقم 2248 ) والخطيب في " تاريخه " ( 4 / 258 ) من طرق عن خالد بن الحارث حدثنا سعيد ( بن أبي عروبة ) عن قتادة عن أبي نهيك عن # ابن عباس # مرفوعاً .
قلت : وهذا سند جيد إن شاء الله تعالى , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي نهيك واسمه عثمان بن نهيك كما جزم الحافظ تبعاً لابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 3 / 1 / 171 ) وذكر أنه روى عنه جماعة من الثقات , ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً , وذكره ابن حبان في " الثقات " . وقال ابن القطان : لا يعرف . وتناقض فيه الحافظ فإنه في الأسماء قال : " مقبول " , وفي " الكنى " قال : " ثقة " . والظاهر أنه وسط حسن الحديث , لأنه تابعي وقد روى عنه الجماعة , فهو حكم مستوري التابعين الذين يحتج بحديثهم ما لم يظهر خطؤهم فيه , وهذا الحديث من هذا القبيل , بل قد وجدنا ما شهد لصحته , وهو حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وهو الحديث الآتي بعده .
( فائدة ) روى ابن أبي شيبة ( 4/68 ) بسند صحيح إلى ابن جريج عن عطاء أنه كره أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 254
" من استعاذكم بالله فأعيذوه , ومن سألكم بالله فأعطوه , ومن دعاكم فأجيبوه , ( ومن استجار بالله فأجيروه ) , ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه , فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 454 :
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 216 ) وأبو داود ( 1 / 389 , 2 / 622 ) والنسائي ( 1 / 358 ) وابن حبان في " صحيحه " ( رقم 2071 ) والحاكم ( 1 / 412 ) والبيهقي ( 4 / 199 ) وأحمد ( 2 / 68 , 99 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 9 / 56 ) من طرق عن الأعمش عن مجاهد عن # ابن عمر # مرفوعاً .
والزيادة لأحمد في رواية , وهي عند النسائي بديل التي قبلها .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي , وهو كما قالا . وتابعه ليث عن مجاهد به دون الجملة الأولى والرابعة .
أخرجه أحمد ( 2 / 95 - 96 ) , ولابن أبي شيبة ( 4 / 68 ) الجملة الثانية فقط , وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف .
وقد خالف الجماعة أبو بكر بن عياش فقال : عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره دون الجملة الرابعة وما بعدها وجعله من مسند أبي هريرة ومن رواية أبي حازم عنه .
أخرجه أحمد ( 2 / 512 ) والحاكم ( 1 / 413 ) وقال : " إسناد صحيح , فقد صح عند الأعمش الإسنادان جميعاً على شرط الشيخين , ونحن على أصلنا في قبول الزيادات من الثقات في الأسانيد والمتون " . ووافقه الذهبي , وفي ذلك نظر عندي من وجهين :
الأول : أن أبا بكر بن عياش لم يخرج له مسلم شيئاً , وإنما البخاري فقط .
الآخر : أن أبا بكر فيه ضعف من قبل حفظه وإن كان ثقة في نفسه فلا يحتج به فيما خالف الثقات . قال الذهبي نفسه في " الميزان " من ترجمته : " صدوق , ثبت في القراءة , لكنه في الحديث يغلط ويهم " .
وقال الحافظ في " التقريب " : " ثقة عابد , إلا أنه لما كبر ساء حفظه , وكتابه صحيح " .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 255
" ألا أخبركم بخير الناس منزلة ? قلنا : بلى , قال : رجل ممسك برأس فرسه - أو قال : فرس - في سبيل الله حتى يموت أو يقتل , قال : فأخبركم بالذي يليه ? فقلنا : نعم يا رسول الله قال : امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة , ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس , قال : فأخبركم بشر الناس منزلة ? قلنا : نعم يا رسول الله قال : الذي يسأل بالله العظيم , ولا يعطي به " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 456 :
أخرجه النسائي ( 1 / 358 ) والدارمي ( 2 / 201 - 202 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 1593 ) وأحمد ( 1 / 237 , 319 , 322 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 97 / 1 ) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل ابن عبد الرحمن بن ذؤيب عن عطاء بن يسار عن # ابن عباس # .
" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ... " فذكره .
قلت : وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات .
وأخرجه الترمذي ( 3 / 14 ) من طريق ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن عطاء بن يسار به نحوه باختصار ألفاظ , وقال : " هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه , ويروى من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " .
قلت : وابن لهيعة سيء الحفظ , لكنه قد توبع , فأخرجه ابن حبان ( 1594 ) والطبراني في " الكبير " ( 3 / 97 / 1 ) عن عمرو بن الحارث أن بكراً حدثه به , فصح بهذا الإسناد أيضاً عن عطاء .
فائدة :
في الحديث تحريم سؤال شيء من أمور الدنيا بوجه الله تعالى , وتحريم عدم إعطاء من سأل به تعالى . قال السندي في حاشيته على النسائي : " ( الذي يسأل بالله ) على بناء الفاعل , أي الذي يجمع بين القبحتين أحدهما السؤال بالله , والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى , فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعاً . وأما جعله مبنياً للمفعول فبعيد إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله , فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل " .
قلت : ومما يدل على تحريم عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى حديث ابن عمر وابن عباس المتقدمين : " ومن سألكم بالله فأعطوه " .
ويدل على تحريم السؤال به تعالى حديث : " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " .
ولكنه ضعيف الإسناد كما بينه المنذري وغيره , ولكن النظر الصحيح يشهد له , فإنه إذا ثبت وجوب الإعطاء لمن سأل به تعالى كما تقدم , فسؤال السائل به , قد يعرض المسؤول للوقوع في المخالفة وهي عدم إعطائه إياه ما سأل وهو حرام , وما أدى إلى محرم فهو محرم , فتأمل . وقد تقدم قريباً عن عطاء أنه كره أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا .
ووجوب الإعطاء إنما هو إذا كان المسؤول قادراً على الإعطاء ولا يلحقه ضرر به أو بأهله , وإلا فلا يجب عليه . والله أعلم .
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 256
" من أخذ على تعليم القرآن قوساً , قلده الله قوساً من نار يوم القيامة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 457 :
رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( ق 268 / 1 ) : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي , حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي الدمشقي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله قال : قال لي عبد الملك بن مروان : يا إسماعيل علم ولدي , فإني معطيك أو مثيبك , قال إسماعيل : يا أمير المؤمنين ! وكيف بذلك وقد حدثتني أم الدرداء عن # أبي الدرداء # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قال عبد الملك : يا إسماعيل لست أعطيك أو أثيبك على القرآن , إنما أعطيك أو أثيبك على النحو .
وأخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 2 / 427 / 2 ) من طريق أخرى عن أحمد بن منصور الرمادي به .
وأخرجه البيهقي في " سننه " ( 6 / 126 ) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل به .
ثم روى البيهقي عن عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم قال : " حديث أبي الدرداء هذا ليس له أصل " .
قلت : كذا قال , وقد رده ابن التركماني بقوله : " قلت : أخرجه البيهقي هنا بسند جيد فلا أدري ما وجه ضعفه وكونه لا أصل له " .
قلت : وهذا رد قوي , ويؤيده قول الحافظ في " التلخيص " ( 333 ) : " رواه الدارمي بسند على شرط مسلم , لكن شيخه عبد الرحمن بن يحيى ابن إسماعيل لم يخرج له مسلم , وقال فيه أبو حاتم : ما به بأس " . ثم ذكر قول دحيم .
قلت : ولم يتفرد به عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل , بل تابعه إبراهيم ابن يحيى بن إسماعيل أخوه , أخرجه ابن عساكر في ترجمته ( 2 / 284 / 2 ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ثم أخرجه ابن عساكر من طريق هشام بن عمار أنبأنا عمرو بن واقد أنبأنا إسماعيل ابن عبيد الله به .
قلت : فهذه طريق أخرى عن إسماعيل , ولكنها واهية , فإن عمرو بن واقد متروك كما في " التقريب " , فالاعتماد على الطريق الأول , وقد علمت أن ابن التركماني جود إسناده , وأشار إلى ذلك الحافظ , وهو حري بذلك لولا أن فيه علتين :
الأولى : أن سعيد بن عبد العزيز وإن كان على شرط مسلم فقد اختلط في آخر عمره كما في " التقريب " , ولا ندري أحدث بهذا قبل الاختلاط أم بعده .
الثانية : أن الوليد بن مسلم وإن كان من رجال الشيخين , فإنه كثير التدليس والتسوية , فيخشى أن يكون أسقط رجلاً بين سعيد وإسماعيل وعليه فيحتمل أن يكون المسقط ضعيفاً , مثل عمرو بن واقد أو غيره , ولعل هذا هو وجه قول دحيم في هذا الحديث " ليس له أصل " . غير أن له شاهداً يدل على أن له أصلاً أصيلاً , وهو من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه , وله طريقان :
الأولى : عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي , عن الأسود بن ثعلبة عنه قال : " علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن , فأهدى إلي رجل منهم قوساً , فقلت : ليست بمال , وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل , لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه , فأتيته فقلت : يا رسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن , وليست بمال , وأرمي عنها في سبيل الله ? قال : إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها " .
أخرجه أبو داود ( 2 / 237 - الحلبي ) وابن ماجه ( 2 / 8 ) والطحاوي ( 2 / 10 ) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 82 ) والحاكم ( 2 / 41 ) والبيهقي ( 6 / 125 ) وأحمد ( 5 / 315 ) .
وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " .
وقال الذهبي : " قلت : مغيرة صالح الحديث , وقد تركه ابن حبان " .
وقال البيهقي عن ابن المديني : " إسناده كله معروف إلا الأسود بن ثعلبة , فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث " .
كذا قال , وله أحاديث أخرى ثلاثة أشار إليهما ابن التركماني وابن حجر , وانصرفا بذلك عن بيان حال الأسود هذا وهو مجهول كما في " التقريب " .
وقال في " الميزان " : " لا يعرف " , لكنه لم يتفرد به , فقال بقية : حدثني بشر ابن عبد الله بن يسار : وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة ابن الصامت نحو هذا الخبر والأول أتم : فقلت : ما ترى فيها يا رسول الله ! فقال : جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقها .
أخرجه أبو داود وعنه البيهقي وقال : " هذا حديث مختلف فيه على عبادة بن نسي كما ترى " .
يعني أن المغيرة بن زياد سمى شيخ ابن نسي الأسود بن ثعلبة , وبشر بن عبد الله بن يسار سماه جنادة بن أبي أمية , وليس هذا في نقدي اختلافاً , لاحتمال أن يكون لابن نسي فيه شيخان , فكان يرويه تارة عن هذا , وتارة عن هذا , فروى كل من المغيرة وبشر ما سمع منه , وكأنه لما ذكرنا لم يعله ابن حزم بالاختلاف المذكور , بل أعل الطريق الأولى بجهالة الأسود , وأعل الأخرى بقوله : " بقية ضعيف " .
قلت : والمتقرر في بقية أنه صدوق فهو حسن الحديث إلا إذا عنعن فلا يحتج به حينئذ , وفي هذا الحديث قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك تدليسه , على أنه لم يتفرد به , فقال الإمام أحمد ( 5 / 324 ) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا بشر بن عبد الله يعني ابن يسار به . ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم ( 3 / 356 ) أيضاً وقال : " صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .
قلت : وهو كما قالا إن شاء الله تعالى فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير بشر هذا , وقد روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان , وقال الحافظ فيه : " صدوق " .
تنبيه :
عزى الحافظ في " التلخيص " ( ص 333 ) هذا الحديث للدارمي و تبعه على ذلك الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 5 / 243 ) , ومن المصطلح عليه عند أهل العلم أن الدارمي إذا أطلق فإنما يراد به الإمام عبد الله بن عبد الرحمن صاحب كتاب " السنن " المعروف بـ " المسند " , وعليه فإني أخذت أبحث عنه فيه , ولكن عبثاً , وكان ذلك قبل أن أقف على سند الحديث في سنن البيهقي , وحينذاك تبين لي أنه ليس هو المراد , وإنما هو عثمان بن سعيد الدارمي الذي من طريقه رواه البيهقي , فرأيت التنبيه على ذلك .
وأيضاً فقد وقع من الشوكاني ما هو أبعد عن الصواب , وذلك أنه قال : إن إسناد الدارمي على شرط مسلم . ولم يذكر الاستثناء الذي تقدم على الحافظ !
ثم إن للحديث شاهد آخر من حديث أبي بن كعب , ولكن سنده ضعيف , وقد تكلمت عليه في " الإرواء " ( 1488 ) , وفيما تقدم كفاية .