شباب في الأفراح يرتدون أثواباً مخصرة وباروكات ويلقبون بـ "سوزان ورزان" !
ارشيفية
جدة: "سوزان ورزان" أسماء قد تبدو للوهلة الأولى أنها عادية وغير لافتة، إلا أنها باتت تطلق على بعض الشباب ممن يرتادون الأفراح ويجاهرون ويتفاخرون بها أمام الجميع دون خجل أو كسوف.
فما الذي يجعل هؤلاء الشباب يتجهون إلى هذا الشذوذ الظاهري كما وصفه المختصون؟ وهل يتحمل المجتمع جزءاً من المشكلة بإهماله وتقاعسه في علاجها، أم أنها لا تعدو كونها قضايا فردية ولا يجب الالتفات إليها؟
صبي العوالم
استنكر حسين محمد تصرفات بعض الشباب داخل قاعات الأفراح، والخروج عن القواعد والآداب العامة، وحكى ما شاهده في أحد الأفراح من بعض الشباب ذوي الأثواب المخصرة الذين يرقصون بشكل لافت للغاية ويقومون بتصرفات أقل ما توصف به أنها لا تليق برجولتهم، ما دعاه لترك الفرح والخروج من المكان.
ورفض (سعيد) الذي يعمل مدرساً ما تقوم به هذه الفئة من الشباب، وقال: شاهدت بعيني أحدهم وهو يرتدي الباروكة النسائية ويضع أحمر شفاه، وذكرني وقتها "بصبي العوالم" في الأفلام، ووجدته مع شلة من الأصدقاء بالمواصفات نفسها يجذبون الناس إليهم بحركات وألفاظ نابية، ولاحظت أنهم يطلقون على أنفسهم أسماء نسائية، فأحدهم يدعى سوزان والآخر رزان، ومنهم من يسمونه مونامور"، وطالب بمنع تلك الفئة من دخول الأماكن العامة ومعاقبتهم على هذا السلوك حتى لا ينجذب لهم آخرون.
فيما اعترض فهد على تسميتهم بالشواذ، ورأى أن ما يقوم به هؤلاء الشباب حرية خاصة بهم ولا يتعدون على حريات الآخرين، وأضاف قائلاً: دائماً ما يبحث الشاب عن الاختلاف في فترة من عمره، ويحاول ويسعى جاهداً لذلك حتى ولو كان ما يقوم به لا يتفق مع ثقافة المجتمع، لكن سرعان ما يعود مرة أخرى إلى رشده إذا وقف المجتمع بجواره بدلاً من نهره واستبعاده.
شذوذ ظاهري
لم يستغرب المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي في الجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط الدكتور صالح اللحيدان وجود نماذج عجيبة من الشباب .
وقال لـ "سبق": هناك من الشباب من يرتدي ملابس نسائية وهناك من يلبس ملابس ضيقة ومخصرة، ويفعلون حركات لا يفعلها سوى النساء، مشيراً إلى أن ذلك يصنف في علم النفس التحليلي والقضاء الجنائي بالشذوذ الجنسي الظاهري.
وأشار إلى العديد من الظواهر التي بدأت تظهر من بعض الشباب والفتيات عندما يقارب سن الـ 18 سنة، ومنها طريقة اللبس الغريبة والمختلفة عن المجتمع، وغيرها من الأفعال كتطويل الشعر، مرجعاً ذلك إلى ضعف الشخصية الذي يدفع إلى تقليد الغير، مرجعاً السبب إلى القصور في التلقي منذ الطفولة سواء في المدرسة أو المنزل، ونقص أساسيات التربية، كما أن حياة الأبناء الآن أصبحت بين الترف والدلال ما يعطي اللاشعور والحرية غير المضبوطة بالعقل السليم.
وأرجع السبب للفراغ الروحي وفقدان المثل الأعلى، موضحاً أن من يقوم بهذه الأفعال غير مقتنع بما يفعله، إلا أنه رفض البديل ولجأ إلى لفت النظر، وقال: 70 % من هؤلاء الشباب لديهم شعور بالمرض النفسي نتيجة للصحبة السيئة أو القراءة الجنسية والمشاهد المثيرة.
علاج الأسباب
ورأى اللحيدان أن المجتمع ضاعف هذه الظاهرة بعدم معالجتها نفسياً وآدمياً، بل سعى لعلاجها بالنقد والعقوبة، وكان من الأولى تحليل الظاهرة وإرجاعها لأسبابها، مع عدم التشهير بهذه الفئة. موجهاً رسالة إلى قصور الأفراح وأولياء الأمور بعدم استقبال هذه النوعية من الشباب حتى إذا كانوا من العائلة، لكي يعلموا أن هيئتهم غير مقبولة ومرفوضة.
وطالب اللحيدان الجهات المسؤولة بعمل دراسات ميدانية مفعلة لبحث المسألة بحثاً جيداً بعيداً عن التأديب، بل بالمعالجة ومعرفة الأسباب والدوافع للوصول إلى نتيجة جيدة، معتبراً تلك الأمور ليست بظاهرة في المملكة، إلا أنه دعا إلى الوقاية لاسيما أن بين هؤلاء الشباب من قد يكون موهوباً أو عبقرياً، بيد أنه فقد المثل الأعلى في المنزل فبحث عن البديل فوقع في الخطأ.
وحث على ضرورة فهم الأدلة الشرعية بشكل صحيح وتطبيقها على الواقع، قائلاً: النبي عليه السلام كان يبحث عن السبب قبل توقيع العقوبة، كما حدث في قضية الغامدية والجهمية. خاتماً حديثه بقوله: "المسألة الشرعية فيها عجلة في إصدار الأحكام والأولى بحث الحيثيات".
استرجاع الهوية
وحول التحليل النفسي لهذه الفئة من الشباب قال استشاري الطب النفسي الدكتور علي الزائري: هذه الفئة تبحث عن الإثارة والتميز ولفت النظر وإشباع الرغبة في الظهور والاستحسان، مشيراً إلى أن لديهم نقصاً حاداً في الشعور بالحنان، حيث فقدان الحب والرعاية النفسية الكافية أثناء تنشئتهم، ما جعلهم يتقبلون هذا الدور الذي رأوا أنه يضفي عليهم طابعاً جديداً غير طبيعتهم القديمة التي لم يستحسنها أحد.
ووصف الزائري هذا النموذج الغريب من الشباب بأنهم شباب غير ناضج لديه ضعف في الهوية ومستعد للتضحية من أجل إشباع غريزة لم تكتمل، مؤكداً أنهم بحاجة إلى الكشف النفسي ومساعدتهم في استرجاع هويتهم المفقودة أو المشوهة
جذب المعجبين
وقال الزائري لـ "سبق": إن ممارسة السلوك بشكل مكرر يضفي عليه طابع التعود والقبول ويصبح طريقة للحياة اليومية وبناء العلاقات الاجتماعية أو الحصول على عائد مادي عال وقضاء أوقات ترفيه في أماكن راقية.
ورداً على سؤال حول أسباب مجاهرة الشباب بهذا السلوك الشاذ أجاب قائلاً: المجاهرة هنا لجذب مزيد من المعجبين الذين قد يكون لديهم نفوذ من أي نوع، وخاصة القدرة المادية العالية التي ربما تكون أهم الأهداف لهذا النوع من السلوك.
وحمّل المجتمع مسؤولية سلوك أفراده، موضحاً أن الفصل المبالغ بين الجنسين والتوتر في العلاقة بين الرجل والمرأة وربما صعوبة الزواج وغلاء التكلفة المعيشية والضغط النفسي الذي يسببه احتياج الطرفين لبعضهما، أدى إلى إفراز البديل للطرفين! فمثلاً اخترع الفتيات موضة (البويات) قد يكون لإشباع احتياج نفسي معين، ومما يزيد المأساة وجود تشجيع ودعم من بعض الفئات الذين لديهم اضطرابات في الذوق والتفضيل الجنسي.
وأشار إلى أن "الكثير من هؤلاء الشباب لديهم أكثر من اضطراب نفسي بل تعدى إلى اضطراب الهوية الجنسية والشخصية، وربما يعاني البعض من القلق النفسي والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس، والنزعة إلى الاعتماد على الطرف الآخر في الرعاية"، خاتماً حديثه باحتمالية "أن يكون هدف البعض مادياً لجمع الأموال!".
احتواء الشباب
وأنحى الكاتب في جريدة الرياض يوسف الكويليت باللائمة على المجتمع في سلوكيات بعض الشباب الشاذة قائلاً: إن المجتمع يطالب الشباب بتحمل المسؤولية، والاتصاف بالرجولة، وهو لم يوفر له البيئة الخصبة لنموه الشخصي والاجتماعي والوجداني، مما يجعل الشباب يشعر بالقلق، ويعبر عن نفسه بأي أسلوب، حتى وإن اصطدم بقيم المجتمع، وأرجع ذلك للضغوط النفسية والاجتماعية التي يعانيها الشباب، ولم تجد أصداء حلول من قبل المجتمع.
وأبدى أسفه لقصور الدراسات الجامعية في تناولها لمجتمع الشباب وتحولاته في الآونة الأخيرة، مطالباً مؤسسات المجتمع باحتواء الشباب، وتوفير وسائل الترفيه المباح، وفتح آفاق جديدة لامتصاص طاقاته وهواياته المختلفة، كما طالب بافتتاح أندية رياضية اجتماعية في الأحياء المختلفة، وإنشاء دور للسينما والمسرح، واقترح التدريب الليلي للشباب لاكتساب هواية وحرفة معينة تساعده في تطوير حياته.
قضايا ساخنة
وحول مدى أهمية طرح القضايا الساخنة في وسائل الإعلام قال الإعلامي صلاح الغيدان: أؤيد فتح ملفات القضايا الساخنة في مجتمعنا خاصة ما يتعلق بالشباب، مشترطاً التوازن في طرح القضية بأسلوب توعوي يحقق الأهداف المرجوة منه، مشيراً إلى أن الاعتراف بالمشكلة أولى الخطوات على الدرب الصحيح لحلها.
وطالب الغيدان الإعلام بتوظيف أدواته لتوعيه المشاهدين بالقضايا المثارة على الساحة، مؤكداً أهمية تضافر جهود المجتمع حتى تحقق الرسالة الإعلامية أهدافها، أما الإثارة فرفضها نهائياً وقال: الإعلام أمانة، ويتجسد دوره في خدمة المجتمع عن طريق التوعية، وليست الإثارة الخاوية من المضمون، واصفاً الإعلام الإيجابي بوميض الضوء الذي يرشد المجتمع والمسؤولين لإصدار قرارات تصب في مصلحة أفراده