عبد العزيز العصيمي - سبق- الرياض:
قال معبر الرؤى المعروف الداعية الشيخ عايض بن محمد العصيمي لـ "سبق": إن بعض المعبرين من ضعاف النفوس يستغلون الناس في العشر الأواخر، ويزعمون أن ليلة معينة هي "ليلة القدر" طبقاً لرؤى في مناماتهم, محذراً من التراشق برسائل الجوال بين المعبرين في العشر الأواخر حول ليلة محددة من أيام الوتر بأنها الليلة المباركة، تفتقد المصداقية.
وقال: من الخطأ الواضح اعتقاد البعض والجزم أن ليلة القدر هي تلك الليلة التي شوهدت في رؤاهم, مضيفاً أنه "للأسف وجدنا بعض المعبرين يقسمون أيماناً مغلظة بأن ليلة بذاتها هي ليلة القدر، وهذا خطأ كبير".
وبيّن أن علامات وأمارات ليلة القدر التي ذكرها العلماء في كتبهم قد تتكرر في أكثر من ليلة، ولا يجزم بأنها ليلة القدر.
جاء ذلك في تصريح للشيخ عايض العصيمي لـ "سبق", مطالباً معبري الرؤى ومفسري الأحلام بتقوى الله عز وجل في العشر الأواخر المباركة, وحث الناس على الاجتهاد في العبادة والتضرع إلى الله، وعدم استغلال حاجات الناس في هذه الأيام, والالتزام بالضوابط الشرعية في تعبير الرؤى وتفسير الأحلام, وحذر من مستغلي الناس في العشر الأواخر من قبل ضعاف النفوس من معبري الرؤى.
وقال الشيخ العصيمي: إن هناك ثمة أخطاء عند الكثير ممن يتعاملون مع الرؤى المنامية لليلة القدر، ومن الخطأ الواضح اعتقاد البعض والجزم أن ليلة القدر هي تلك الليلة التي شوهدت في مناماتهم.
وأضاف الشيخ عايض العصيمي قائلاً: كم نرى ونشاهد في كل سنة في ليالي العشر الأواخر من رمضان حديث الناس فيما بينهم، وجزمهم أن ليلة القدر هي الليلة الفلانية لرؤى رؤيت، ولأن "فلاناً" من المعبرين قد عبرها، وأكد القول الحق في أنها ليلة القدر، فلا تقبل الرد والإنكار، بل هو قول واحد فاصل، ويبقى الناس فيما بينهم يتراشقون رسائل عبر الجوال حول هذه الرؤى, وفي المجالس عن تلك الليلة, والاجتهاد في عمارتها بالطاعة والعبادة والصلاة .
وقال الشيخ العصيمي: إننا لو انتقلنا للطرف الآخر لوجدنا أن أناساً آخرين يقولون إن ليلة القدر هي الليلة الفلانية, موردين تعبير الرؤيا معبر آخر جاءت وتواطأت عنده الرؤيا، فقال بها كصاحبه، وهكذا كل حزب بما لديهم فرحون، كل يزعم أن الرؤى التي جاءت إليه هي الصواب، وتعبيره هو الحق .
وأضاف قائلاً: للأسف وجدنا بعضهم يقسم على ذلك أيماناً مغلظة بأن ليلة كذا هي ليلة القدر، كما جاء في تعبيره للرؤى، وهذا خطأ كله، وليس هذا من منهجه صلى الله عليه وسلم.
وأوضح الشيخ عايض العصيمي علامات وأمارات وردت عن ليلة القدر كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لنعلم أن علامات وأمارات ليلة القدر التي ذكرها العلماء في كتبهم، وهي ليست محور حديثنا، قد تتكرر في أكثر من ليلة، ولا يجزم بأنها ليلة القدر، والمأمور ألا نغلب عليها بعبادة وطاعة، فالأجر والعتق من النار الوارد في الحديث لمن قامها إيماناً واحتساباً هو الذي يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليس من رآها وشاهدها في منامه أو حتى من علم أنها ليلة القدر، فالعلم وحده لا يكفي إذ لم تعمر بالطاعة والعبادة. قال عليه الصلاة والسلام: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). رواه البخاري ومسلم. ولم يقل عليه الصلاة والسلام: من علمها وعرف تلك الليلة.
وحذّر الشيخ العصيمي من الأخطاء المتكررة كل عام في العشر الأواخر، وقال: كم يأتي لمعبري الرؤى والمنامات في كل رمضان من تلك الأسئلة الهائلة شفهياً أو عبر رسائل جواله أو عبر بعض القنوات عن تلك الليلة أي ليلة هي؟ فلا ينبغي الاهتمام وتراشق تلك المنامات وكأنها وحي مُنزل لا يقبل الرد.
أخيراً أختم هذه النقطة بقول الإمام الشاطبي رحمه الله: (وأما أمة النبي صلى الله عليه وسلم فكل واحد منهم غير معصوم، بل يجوز عليه الغلط والخطأ والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حلماً والحلم من الشيطان). (الموافقات 7-470).
وقال العصيمي: أقبلت علينا ليالي القدر الرمضانية بخيرها وأجرها العظيم، ليالي العبادة والتهجد والصلاة والصدقة، ليال تنشر فيها نفحات رحمة المولى الكريم المنان، التي ينبغي أن يجتهد فيها المسلم بحسن عبادة وتضرع لله تعالى، كما كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله. ليال مقبلة.. فيها ليلة هي خير من ألف شهر.. تلك الليلة العظيمة عند الخالق والخلق.. فيها تعتق الرقاب من النار.. تجتهد فيها النفوس لرضا مولاها.. أيام وليال وساعات بسيطة تنزل تلك الرحمات ويتسارع الناس للاجتهاد فيها ولفك رقابهم من النيران.. وفي كل سنة في مثل هذه الأيام والليالي يتبادل الناس تتبع هذه الليلة متى تكون؟! منهم من يسعى في تتبعها بعلاماتها ودلالتها الكونية ببعض المواصفات التي تذكر وتعرف، وبعضهم يتتبع معبري الرؤى والمنامات ويسأل عنها في أي ليلة عند مَن عبّرها؟! كل هذا وذاك.. يحتاج منا إلى وقفة صادقة مع أنفسنا لتصحيح ما فيها من خطأ.
وبيّن الشيخ عايض العصيمي -حفظه الله- تقرير هذه المسألة شرعياً لنا، فقال: في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر).
وفي لفظ: إن أناساً أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن أناساً أروها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في السبع الأواخر) رواه البخاري.
وفي لفظ آخر: قوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلب على السبع البواقي) رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى: (إنما أراد بالتواطؤ: التوافق، وذلك أن أفراد السبع داخلة في أفراد العشر، فلما رأى قوم أنها في العشر وقوم أنها في السبع، كأنهم توافقوا على السبع فأمرهم بالتماسها في السبع لتوافق الطائفتين عليها، ولأنه أيسر عليهم، وفي الحديث دلالة على عظيم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط ألا يخالف القواعد الشرعية)، (فتح الباري 4-257).
وعن علامات ليلة القدر قال الشيخ العصيمي: من الأدلة الشرعية السابقة وغيرها دليل على أن ليلة القدر تُرى في المنام وتُرى أيضاً بالواقع، فلها دلالات وأمارات يراها المسلمون، وقد ذكرت عند أهل العلم في كتبهم، قال العلامة ابن باز، رحمه الله:
(قد ترى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه وتعالى، وذلك برؤية أماراتها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات، ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيماناً واحتساباً)، (مجموع فتاوى ابن باز، 3 - 1182 ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في الاختيارات الفقهية: (إن تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات)، قال الشيخ العلامة ابن عثيمين، رحمه الله: (معناه أن الرؤيا إذا تواطأت واتفقت فهي كتواطؤ الشهادات، مثال ذلك: رأى ثلاثة أو أربعة ليلة القدر في ليلة خمسة وعشرين، فتواطؤ هذه الرؤى يدل على أن لها أصلاً، وشهادة رجلين على شخص، ثم شهد ثالث ورابع أيضاً، شهادة الثالث والرابع تقوي شهادة الرجلين الأولين، وما قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذه المسألة صحيح مستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم للجماعة الذين أروا ليلة القدر: (أرى رؤياكم قد تواطأت) لأنهم رأوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان (فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر). (لقاءات الباب المفتوح، 2 - 404).
وقال العصيمي: ينبغي على المعبّر ألا يعلق الناس والأمة على تلك الرؤى لتقديس رأيه، بل يحث الناس على الاجتهاد في كل الليالي وليست ليلة واحدة فقط، فالرؤى للاستئناس وليست للتقرير فهي تسر المؤمن ولا تغره.
وأضاف: يجب على كل معبّر ومفسر للرؤى والمنامات مراقبة الله تعالى في أقواله وأفعاله وفي تفسيره وتعبيره لرؤى الناس، فلا يجوز له أن يعلق الناس أفراداً وجماعات لجوابه ورأيه بأيام وتواريخ وأمور معينة، فجوابه ظني وليس قطعياً، كما هو معلوم وواضح، نصح الناس وتوجيههم وإرشادهم للخير أفضل من هذا كله، وأذكر نفسي قبلهم بإخلاص العمل والقول لله تعالى ومراقبته في كل وقت وفي كل حين .
أخيراً.. وجّه الشيخ عايض العصيمي (الداعية ومفسر الرؤى المعروف) نصيحته لكل صائم قائلاً:
أحبتي.. كم هم المفلسون منا في رمضان! الذين أرصدتهم الأخروية من الحسنات خالية، ورصيدهم من السيئات قد بلغ حده الائتماني من عذاب الله تعالى، فأصبحت حياتهم وأرصدتهم لا تسمح بزيادة الذنوب والمعاصي (خسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين) أليس من الحكمة والإيمان أن نرفع مؤشرات أسهمنا الإيمانية في هذا السوق العظيم، سوق الخير والرحمة والغفران (من حرم الخير فيه حرم الخير كله) علينا أحبتي أن نجتهد في الطاعة والعبادة في هذه الليالي القادمة في هذا الشهر الفضيل، ليكن ختام هذا الشهر مسكاً وخيراً وبراً وطاعة، فإن الخيول المضمرة إذا أقبلت على مشارف النهايات جدّت في سيرها وركضها، ولنتزود ونواصل الخير بعد مضي هذا الشهر الكريم، ولا ندري قد لا تتكرر هذه الفرصة لنا مرة أخرى! وما يدرينا قد يكون بيننا من لن يدرك معنا رمضان في السنة القادمة .