بسم الله الرحمن الرحيم
رأيت ابن مسعود في المنام
رأيت أن الناس في هول وكأن القيامة اقتربت أو أوشكت، كل من قابلته وأردت سؤاله وجدت أنه لا يدري ماذا يفعل! ولا ماذا يحدث!
بينما أنا في هذا الحال إذ رأيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ناحية من الطريق، وإذا به ساجد ومصحفه عند رأسه، فعلمت أن منقطع للعبادة
ثم قابلت في زحام الناس أحد طلاب العلم - وهو شيخ مُحبّب لقلبي -!
سألته: ماذا أفعل؟
فقال لي بلسان المطمئن العارف كلمة لا زالت ترن في أذني بحروفها وطريقة أدائها!
.. قال لي: لااااااا تفعل أي شيء! فقط خذ المصحف وأقرأ!
لا أزال أتذكر سجدة ابن مسعود رضي الله عنه الطويلة الخاشعة، ولا أزال أتذكر مصحفه القديم الذي توحي لك صفحاته البالية بكثرة القراء
أنا بحمد الله على عقيدة أهل السنة والجماعة، وأعلم أن الرؤى والمنامات لا تفيد حكماً شرعياً، إلا أنني أستشعر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة لزوم السنة والعبادة زمن الفتن، وأقارن حالنا هذه الأيام التي انصرف فيها كثير من الناس - حتى كبار السنّ - عن العبادة، وانشغلوا بالدنيا وملذاتها؛ من سياسات وثورات وتجارة واقتصاد ورياضة وفن
وإذا تكلموا في الدين تكلموا بلسان المُنتقد المُعترِض الذي يقحم نفسه في أدقّ التفاصيل بالرغم أنه لم يقرأ ولم يتعلم ولا يحق له شرعاً الخوض في الدين بلا علم ولا بينة
أما من يتكلم ليتعلم، ويسأل ليتصبر، ويسترشد ليعمل؛ فهذا أقرب ما يكون لقول ابن القيم رحمه الله عن منزلة المقربين "ما شممنا له رائحة" إلا من رحم الله وقليل ما هم
قال صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ" رواه مسلم
والهرج هو الفتنة واختلاط الأمور
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من ورائكم أيام الصبر؛ للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه: أجرُ خمسين منكم"، قالوا: يا نبي الله (أو: منهم؟)، قال: "بل منكم"
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
إن الذي يكون في آخر الزمان، ويتمسك بالدين الذي كان عليه النبي وأصحابه؛ له في الأجر مثل ما لخمسين صحابياً!
مع أن كثرة الأجر والثواب لا تعني أنه أفضل منهم، بل إن شرف الصحبة لا يصل إليه أحد، لكن الحديث يدل على عظمة التزام السنة وثواب المتعبد في آخر الزمان
هذا التعبّد يجب أن يكون على السنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث "بما أنتم عليه"، ولزوم السنة لا يعني الانقطاع عن الناس واعتزالهم بل لابد من المثابرة في نشر الخير والمجاهدة في تعليم الناس والصبر على أذاهم، مع ترقيق النفس بأنواع العبادات
اللهم أحيينا على الإسلام والسنة
وأمتنا على الإسلام والسنة