أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
وقد جاء فضل الصلاة في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما جاء الوعيد الشديد لتاركها أو من تهاون فيها.
الحث على المحافظة على الصلوات
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين, وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:17-19] أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:......
فضل المحافظة على الصلوات من القرآن
أيها الناس! اتقوا ربكم الذي سوف يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] وسوف يحاسبكم على أعمالكم، وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة, فحافظوا على الصلاة يا عباد الله, وأدوها كما أمركم الله, وصلوا الصلاة في أوقاتها, بخشوع وخضوع وتذلل وحضور قلبٍ وطمأنينة, امتثالاً لأمر الله القائل جل وعلا حيث مدح المؤمنين الذين يقيمون الصلاة بخشوع وطمأنينة وحضور قلب, ويقومون بما أمرهم الله من شرعه القويم مثل إيتاء الزكاة والصيام والحج وغيرها من الأعمال الصالحة, قال الله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً [النساء:162] ومن يعلم قدر هذا الأجر؟ لا يعلمه إلا الله جل وعلا, ثم قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ثم قال جل وعلا: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:22-24].
هكذا يا عباد الله! يجزى عباد الله الذين أطاعوا الله، وصبروا على طاعته في الرخاء والشدة, ثم قال الله تعالى يمدحهم: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] إلى أن قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9] ماذا يجزيهم الله رب العزة والجلال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11] وقال أيضاً يعدهم بكرامة أخرى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34-35] ثم قال جل وعلا يبين أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
هكذا يا عباد الله! الترغيب في كتاب الله أصدق القائلين وأرحم الراحمين, يعد بهذا الثواب العظيم, وهو الفردوس في جنات النعيم, وهو أعلى منزلٌ في الجنة {إذا سألتم الله فاسألوا الفردوس فإنه أعلى منزلة في الجنة, وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة } هذا المنزل لمن أقام الصلاة, وفي إقامة الصلاة ثواب عظيم فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
أعلى الصفحة
فضل المحافظة على الصلوات من السنة
عباد الله! اسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً يبين لنا فضل إقامة الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا } فلما ولّى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا }رواه البخاري ومسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الصلوات الخمس: {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء, قال: وكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا } الصلوات الخمس التي هي عمود الإسلام, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:{الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر } رواه مسلم .
فهل من قلب حاضر يعي؟ هل من أذن تسمع يا عباد الله؟ اسمعوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله } رواه مسلم .
وعن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها -أي: الفجر والعصر- }رواه مسلم , وقال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى الصبح فهو ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه الله على وجهه في نار جهنم } رواه مسلم .
صلاة الفجر يا عباد الله: {من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء؛ يدركه ثم يكبه الله على وجهه في نار جهنم }.
أعلى الصفحة
وعيد من ترك الصلاة وتهاون فيها
عباد الله! حافظوا على الصلوات وأدوها بأوقاتها كما أمرتم، وقوموا لله قانتين خاشعين مطيعين, واحذروا من ترك الصلاة, احذروا من التهاون بالصلاة, واحذروا من الاستخفاف بحق الصلاة يا عباد الله.
عباد الله! إن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة -والعياذ بالله- وكم نسمع هذه العبارة مرات بعد مرات, وكرات بعد كرات, ولكن انطبق على الكثير قول الله جل وعلا: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] مراراً وتكراراً نسمع أن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة -والعياذ بالله- وسوف يكون مسكن تارك الصلاة إذا مات على حاله مِصراً سقر، وما أدرك ما سقر، إنها طبقة من طباق جهنم.
أما المتهاون والمتأخر عنها ولا يبالي أصلاها في وقتها أو أخرها عن وقتها فسوف يلقى غياً, وهو وادٍ في جهنم يقول الله جل وعلا: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] وأما الذين يصلون ولكن لا يصلون الصلاة إلا بعد خروج وقتها؛ فأولئك موعدهم ويل, وويل: واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، أجارنا الله وإياكم من ذلك.
عباد الله! حافظوا على الصلوات في جميع أوقاتها وأقيموها وصلوا بخشوع وطمأنينة, أدوها كاملة بأركانها وواجباتها وسننها تحوزوا الأجر العظيم والرضا من رب العالمين، في الحديث يقول: {من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة } أو قال: {وجبت له الجنة أو قال: حرم على النار } ولما سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أحب الأعمال إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: {الصلاة على وقتها }.
وكذلك يروي لنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: {من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون وهامان ، وأبي بن خلف } بئس القرناء ثم في نار جهنم والعياذ بالله.
فإن من اشتغل بأمواله وتجارته، ووزارته وولده وملاذه عن الصلاة، فإنه يكون مع هؤلاء قارون وفرعون وهامان و أبي بن خلف .
عباد الله! انقلوا هذه الأحاديث إلى الذين يسهرون على الملاهي, ولعب القمار, يسهرون مع الأغاني والتمثيليات والأفلام, انقلوا لهم هذه الأحاديث, وأخبروهم أن الصلاة أمرها عظيم.
عباد الله! إن من سمع شيئاً؛ فإنه واجب عليه أن يبلغ من لم يسمع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {بلغوا عني ولو آية } تسمعون الأحاديث, وتسمعون كلام الله عز وجل في وعيد من تخلف بالصلاة, وفي وعيد من تهاون عن الصلاة، فأنذروا يا عباد الله, وكونوا دعاة إلى الله في السر والعلن, تحوزوا رضا الله عز وجل, فإن الداعي إلى الله له أجرٌ عظيم.
أسأل الله عز وجل أن يغيث قلوبنا بالإيمان, وأن يجعلنا هداة مهتدين, وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, واستغفروا ربكم يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أعلى الصفحة
الحث على كثرة السجود والخطى إلى المساجد
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين, وجعلها صلة بينه وبين عباده, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.
عباد الله.. أقيموا الصلاة كما أمرتم, وأدوها في بيوت الله مع الجماعة, عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة } فاستكثروا من السجود يا عباد الله, واستكثروا من الخطى إلى بيوت الله, فإن كل خطوة ترفع بها حسنة, وكل خطوة تحط بها سيئة, عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: {كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة, قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود } رواه مسلم .
فعليكم يا عباد الله! بكثرة السجود والتقرب إلى الله عَزَّ وَجَلّ.
عباد الله! أطيعوا الله عز وجل، وأدوا ما أمركم الله به، وبادروا إلى طاعته قبل أن يهجم عليكم هاذم اللذات, ومفرق الجماعات فحينئذٍ لا ينفع الندم.
اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه, واجعلنا هداة مهتدين, دعاةً إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة.
أقول قولي هذا, وأسأل الله عز وجل أن يحيينا مسلمين وأن يتوفانا مسلمين وأن يختم بالصالحات أعمالنا, وأن يجعلنا هداة مهتدين.
عباد الله! صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً }.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, وأذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء, اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, ووحد صفوفهم إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واهدنا واهد لنا واهد بنا, واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات؛ في جنات الفردوس الأعلى إنك على كل شيء قدير.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.......