فمنهم شقي و سعيد
فمنهم شقي و سعيد
[104] لماذا يؤخر الله العذاب ؟ لأنه سبحانه قد حدد سلفا أجلا معدودا ،
و اعطــى بحكمته و رحمته فرصة الابتلاء للناس ضمن هذا الأجل ، فمن آمن و اصلح عمله ، نفعه عمله و لم يخش أجله . و من قصر خسر فرصته التي لا تعود ، و متى ما استخرج المرء كل ما عنده من قابليات الخير او الشر . بسبب تطور الزمان ، فانه ينتهي أجل إمتحانه ، و لابد ان يستعد لمغادرة قاعة الامتحان و هي الدنيا الى حيث جزائه في الآخرة .
[ و ما نؤخره إلا لأجل معدود ]
اي لسبب وجود أجل معدود أخرجه الله للبشر في الدنيا .
[105] و اذا جاء ذلك اليوم الرهيب يعم الصمت المهيب و يقف الناس امام ربهم ساكتين ، لا يتكلم احد الا بأذن الله مما يدل على احاطة سلطان الله عليهم .
[ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ]
و ينقسم الناس على انفسهم فريقين شقي استنفذ فرص حسناته في الدنيا فلم يبق له حسنة هناك فتمحض في السيئات باعماله السيئة فاصبح من اهل النار ، و سعيد من اخلص لله عمله حتى تمحض في الخير فأصبح من أهل الجنة .
[ فمنهم شقي وسعيد ]
[106] أما جزاء الأشقياء فهم في نار لا يموتون فيها ولا يحيون ، بل يكابدون ألوان العذاب ، و لذلك تراهم يجرون الآهات الخفية حينا بسبب ضعفهم ، و العالية حينا بسبب شدة الألم ، فهم بين زفير و هو أول صوت الحمار ، و شهيق و هو آخر .
[ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق ][107] و يبقى هؤلاء خالدين في النار ما دامت السماوات و الأرض التي تحيطبالنار من فوق و من تحت .
[ خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك ]و السؤال الذي وجهه المفسرون الى انفسهم هو : لماذا استثنى القرآن بمشيئة الله ؟ و تعددت إجاباتهم حولها ، و اعتقد ان الجواب الأقرب هو : ان الله يفي بوعده الصادق و لكنه لا يحتم عليه شيء . لا سيما و ان عذابه و ثوابه للأشقياء ، أما السعداء ، فليسوا بقدرالجريمة بل بالصلاح فحسب ، و ايضا بسبب ارتباط ذلك كله بمقام الربوبية ، فالصلاة لأنها كانت لله فهي ذات ثواب عظيم ، و كذلك ترك الصلاة اصبح عملا قبيحا ذا عقاب شديد بسبب ارتباطه بمقام الله العزيز المتعال . لذلك فهو الذي يحــدد مداه و قدره ، و متى نهايته ،و ربما يشير الى ذلك قوله سبحانه :
[ إن ربك فعال لما يريد ]
[108] اما السعداء فهم في الجنة ما دامت الجنة موجودة بارضها و سمائها . و لكن مشيئة الله فوق كل ذلك ، فلربما شاءت إرادته التي لا تحد ان يعطي للجنة استمرارا اكثر ليعطي للمؤمنين فرصة اكبرللبقاء .
[ و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك ]و يشير الى هذا المعنى الذي ذكرناه للمشيئة قوله سبحانه .
[ عطاء غير مجذوذ ]
اي ان عطاء ربك غير مقطوع .
و لعل ذلك اشارة الى الخلود في الجنة و لكنه لا بمعنى تبدل ذاتي يحصل فيالكون ، فتتحول طبيعته من طبيعة فانية إلى طبيعة خالدة . كلا . بل بمعنى أن الله شاء ان تبقى الجنة خالدة ( و الله العالم ) .
[109] بسبب اصرار الكفار على باطلهم ، و عنادهم في ضلالتهم قد يعتري المؤمن شك في سلامة خطهم ، او وجود نسبة من الحق الى جانبهم . بيد ان ربنــا ينهانا عن هذا الشك ، و يأمرنا بعدم الريب في بطلان عبادتهم .
[ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ]
فعبادتهم باطلة لا ريب في ذلك .
و إنهم يقلدون آباءهم الذين كانوا على ضلالة ، و كما ان الله اعطى جزاء آبائهم بانزال العذاب عليهم ، فانه سوف يعذبهم ايضا .
[ ما يعبدون إلا كما يعبد ءاباؤهم من قبل و إنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ]
الله يجعلكم اجمعين زيي اسمي