لازالت قهوة الجوري ، تعطّر المكان والزمان ، لا أحد من المارين على تلك البقعة المرتفعة ذات الهضبة الممتدة والسهول الخضراء ، إلا ويتذكّر قهوة الجوري ، منذ زمن طويل ..
أذكر أنني مررت بقهوة الجوري وقدمت لنا كوب قهوة وكان الوقت لم يصل الى السادسة صباحا أوكاد ..
فنادى صاحبي من بعيد هل من أحد فسمعنا صوتا نحيلا لاهو بالأجش ولا هو بالرقيق ، يقول : لنا تفضلا وأهلا ومرحبا فنظرت إلى زميلى خجلا وأنا أقدم رجلا وأأخر أخرى ..
فقال : دع عنك الارتباك والتردد هذه قهوة الجوري لن تجد أزكى من تناولها .. ولا عليك بالثمن أنا أدفع عنك فاستحييت وتمنعت ، فقال : بالله عليك إلا دخلت آمنا، الجوري
تصنع قهوة لن تنساها لو رشفت منها رشفة واحدة .
فحوقلت ودخلت فجاءت إلينا الجوري وكأنها من الاسكيمو ، عليها ثياب غليظة وحلى من ودع البحر تسمع لها قعقعة وفرقعة ، فشعرت بالخوف وانتابنى ماينتاب الغريب من جهل باللغا ت والعادات والتقاليد .
فطلب زميلى جمنة من المدر ، فراعنى منظرها الفريد ، فقلت ماهذه قال : هذه دلة أهل جازان محوّجة بالحوار المسمى الزنجبيل لا البعير ، و نتفة من الزعفران
وهذه الفناجين من الطين لصب القهوة ..
فنظرت إليها فهالني منظر الجمنة التراثي تشبه الدجاجة الحمراء والفناجين الجعاديل أو الأفراخ ..
واسترسلت بالخيال ، فقال : زميلى لا تأخذ بال .. السعر على حسابي
فقلت وربك لا أحب الحوار ، فإنه يحرق المعدة ويشوي الكبدة ، فقال : قبّح الله تربية المدن ، لا تصلحون لشئ إذا جار عليكم الزمن ، فقلت له : جئت لأشرب القهوة أو لأمتحن في الصبر والمحن .
إشربها بمفردك لا بارك الله فيك . فقطّب جبينه وهمّ بشتمى لولا أنه أعقل مني ...
فسمعت الجوري ....
مادار بيننا من نقاش حول قهوتها : فقالت في نفسها عرفت مايريد .
فأرسلت إلينا بكوب من الصين فريد ، له ممسك ونقوش حسان وقد فاحت منه رائحة النسكافى والجفال فوق الكوب طافي ، وقطع من البسكويت على الصحن .. فقلت لزميلي تستاهل السعر إضافي .
فلما رأيته شهقت شهقتا وجحظت عيناي وقلت هذا ما أريده كابتشينوا وبسكويت من الفينوا .
فضحك زميلى وضحكت الجوري ..
فتناول جمنته وتناولت كوبي وأكلت البسكويت على فطوري ..
وخا صمنى زميلى فقالت الجوري .. أعفه هذا الشخص شكله مدينى . ومشروبه على حسابي ..فقلت ..
لا والله ياسيدتى لن يكون فقالت أما الجمنة فيدفعها صديقك وأما الكافى فهو على حسابي ..
ولوحت بيدها لا.. لا,, لأول مرّة تزور قهوتنا فهى دعاية للزبون .
فخرجت خجلا من نفسي و عتبب على زميلى إذ شعرت بكرم الجوري وشجاعتها في إدارة المقهى ..
منقول : عن الأستاذ / محمد العبدلى ..