حرفة الأدب
والاتجاهات فى النقدالحديث
عندما يتناول النقاد النص الأدبى يخضعونه تحت المسميات النقدية الآتية وهي .
الاتجاه الفنى البلاغي ..
والاتجاه التاريخي أولاجتماعى .
والاتجاه النفسي .
والاتجاه التكاملى .
والذي يجمع بين كل المعارف العلمية السابقة والتجارب العلمية ، ولايستطيع أحد .
من النقاد أن بطبق كل هذه الاتجاهات على النص الأدبى بكل حرفنة واقتدار
بمعنى أن تتساوى هذه الاتجاهات في الحكم على النص دون أن يميل اتجاه على الآخـر .
وكما يعرف محبو الأدب أنّ الأدب لم يكن من لهو الحديث كما يعتقده من لاعلم له به .
بل هو تقدير للحياة التى نعيشها وتصوير لجوانبها الجميلة ولحظاتها السعيدة
وينير لنا الظلام ، ويحارب الظلم وينصر المظلوم وهوفوق ذلك إمتاع للقلب
بما فيه من لطافة وعاطفة .. إمتاع للعقل.. بمافيه من حكم وتجربة إنسانية لمن سبقنا من أقوال وأفعال نجد فيها حلا لمشاكلنا الحالية
لأن تصرفات البشر وتعاملهم مع بعضهم لايختلف عمن سبقهم إلا بتطور الزمن
ولهذا تتطور النصوص والكلمات بتطورهم ويواكب الأدب متطلبات المجتمع ، ويتلمس رضاهم ويوطن القلوب، بل ويساعدنا في كيفية اتخاذ القرار وتسييس الأمور .
وعندما تلاحظ نقد النصوص تجد أنّ محبي البلاغة يركزون على الجانب الفنى فى النص لوجود التشبيه والاستعارة
وقالوا إنّ التشبيه هوالأساس في جمال النص الأدبى وأكدوا لنا أنّ جميع المذاهب النقدية
لاتستغنى عن التصوير والخيال في النصوص
وهو مايسمى بالتخييل والتشخيص والتمثيل ويدخل ذلك في كل فنون الأدب الشعر والنثر.
وقد وجدنا من يعيب على الشعراء القدامى تمسكهم بالعنصر التشبيهى وهو على قلوبهم كجلمود ضخر حطّه السيل من عل كما فعل عباس محمود العقاد إذ استبعد الصورة الشعرية ولم يعدّها مكملة للنص الأدبي بل عبئا عليه .
في كتابه الديوان
ومن النقاد من ينسب جمال النص إلى خلفيته التاريخية، كالبيئة والزمن والتاريخ والمناسبة وما إلى ذلك
وهو مايسمى عندهم باستقراء النصوص
وقد عيب على هذا المذهب عدم الدقة في الاستقراء فقد ينسب النص لشاعر في زمن ما ثم نجد من يطلع لنا في اليوم الثاني ويكذّب هذه النظرية
ويثبتها لشخص آخر جاء قبله أو بعده ويحدث لدينا اضطرابا وخللا في الرواية
وتشويها في النص
الحالة النفسية أو الشعورية والانفعال الجنونى
وقد ظهرت هذه النظرية على ألسنة بعض الشعراء القدامى وادعوا أنّ الشياطين تعينهم في إجادة الشعر وهذا كلام عار عن الصحة كما كان يقول : ابن شهيد
في كتابه التوابع والزوابع ، ولكن النّقاد المحدثون طوّروا هذا المذهب وقالوا الشعر هو عبارة عن حالة نفسية تعتري الشاعر وهي عقدة نفسيّة
يغيب الشاعر عن الوعي لحظة من الزمن ثم يصوّر عن طريق التوهان والشرود الذهنى فكرة
جميلة نستلطفها ولا نستطيع الوصول إليها أو مجاراتها ويكون هذا الإبداع خاص به ، بل هي حالة نفسية فريدة ، وقد عيب على هذا المذهب النفسي أنه عند تحليل النص يستوى النص الجيد مع النص الرديء ، فطرفة بن العبد مثلا كتب معلقته بناء على حالة نفسية
حيث أنّ ابن عمه مالكا اغتصب إبل أبيه وكان شاعرنا طرفة صغيرا يتيما فأكثر في المعلقة من وصف الناقة .
بل عيب عليهم أنّهم يتخذون النص حقل تجارب لعلم النفس . وكذلك مذهب التكامل في النقد
وإنما جعل الأدب ليخاطب الوجدان والشعوربخيال وفكر ممتع يستحق الإعجاب .فالمبالغة تضيع روعته ومعناه والخيال إن لم يكن دقيقا وصائبا يصبح مملا وسمجا
كمن يشبه الليل بالليل والنهار بالنهار والماء بالماء.
ومن هذا المنطلق أجمل ما نجده من الشعر هو مايعبّر الشاعر فيه عن عواطفه الوجدانية
كما فعل مجنون ليلى في حبّه وأبي فراس الحمداني في أسره ، وابن زيدون في سجنه ، لصدقهم في التعبير والعاطفة واختيار العبارة المناسبة لواقع الحال
كما قال : ابن عبد ربه في رثاء شبابه
فراقك عرّف الأحزان قلبي ... وفـــــرّق بين عينى والرقاد
كأني منك لم أربـع بربـــع ... ولـم أرتد بـــــــه أحلى مراد
زمان كان فيه الرشد غيا ... وكان الغــــــــي فيه من رشاد
فكم لى من غليل فيك خاف ... وكم لى من عويل فيك بادي
فانظر إلى هذا لتشخيص والخطاب الحزين الذي وجهه إلى شبابه
وكيف أنّ ذلك الشباب أصبح من الذكرى ولم يعد يذكر مافيه من حلو الرغبات وجمال الصحبة .
واستمع لقول :
مجنون ليلى في الأمل بعودة الحبيبة إليه
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كلّ الظّن ألا تلاقيا
ألم تصادفك من تجربة هذا الشاعر ما رأيته من بعد ولقاء في مسيرتك الحياتية وأسفارك البعيدة
ورحلاتك للخارج والحج من تعتقد من الأصدقاء أنّه قد طواه النسيان أو الموت
ثم تجده أمامك في نزل أو مؤتمر أوأمسية فرح .
وإلى لقاء جديد في حرفة الأدب إن شاء الله