سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (9 ) : الشيخ زيد البحري
سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( 9 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
أما بعد ، فيا عباد الله :
نعود فنواصل الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان الحديث قد حط رحاله في الجولة الأولى من " غزوة أحد "
كانت الجولة الأولى آية وانتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
لكن بمخالفة واحدة حصلت من بعض الصحابة انقلبت الأمور رأسا على عقب .
فما ظنكم في هذا العصر: والمخالفات الشرعية والمحاربة لله عز وجل ولدينه في هذا العصر تتوالى وتترى؟!
كيف يكون لهذه الأمة نصر في هذا الزمن مع كثرة هذه المخالفات التي لا يمكن أن تُحصر؟!
فبمخالفة واحدة وهي :مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء على ذلك التل المواجه لجبل أحد مهما كانت الظروف .
بتلك المخالفة التي حصلت من بعضهم ، ولم يوافقهم على ذلك أميرهم ، بل بقي ومعه ثلة امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
فنزل هؤلاء اجتهادا منهم رضي الله عنهم لظنهم أن المعركة قد انتهت ، لكن قادة كفار قريش ، وكان من بينهم من هو من أحنك الناس في الحروب ، وهو "خالد بن الوليد " و " عكرمة بن أبي جهل " لما رأيا أن الرماة قد هبطوا ، وكانت قريش قد تناثرت وتفرقت ، وهربت من ميدان القتال عادت مرة أخرى ، فقام خالد ومن معه فأحاطوا بالمسلمين ، وأحاطوا بقواتهم ، فأصبح المسلمون يقاتلون من غير تخطيط ، حتى إن بعضهم لم يعد يعرف بعضا ـــــــــــــ فما الذي جرى ؟
أصبح بعضهم لا يعرف بعضا ـــــــــــــــ فما الذي جرى ؟
الذي جرى أن هناك خبرا شيع في صفوف المسلمين ، وهو : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتل " فما كان من بعضهم إلا أن فرّ.
وكان بعضهم قد بقي ، وجلس من دون قتال
وكان بعضهم قد آثر القتال لحوقا بالنبي صلى الله عليه وسلم :
من بين ذلك " أنس بن النضر " – كما جاءت قصته في الصحيح وفي غيره أنه لما أتى عليهم وهم قعود ، فقال :ما الذي أقعدكم ؟
قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتل.
فقال رضي الله عنه : وماذا تنتظرون في الحياة بعده قوموا ، فموتوا على ما مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان رضي الله عنه لم يدرك " بدرا " ، وكان قد ألزم نفسه لو أدرك أحدا أن يري اللهَ عز وجل منه خيرا .
فلما اقترب من جبل أحد ، قال :" واهاً إني لأجد ريح الجنة دون أحد "
فقُتل رضي الله عنه حتى رُئي في جسده بضع وثمانون ضربة ، ما بين طعنة بسيف ، وما بين ضربة برمح .
فأنزل الله عز وجل آيات تبين ذلك الهروب والفرار من بعض الصحابة في سورة :" آل عمران " .
وقد نزل في غزوة أحد في سورة " آل عمران "ثمان وخمسون آية
قال عز وجل :{إِذْ تُصْعِدُونَ – ( أي تهربون ) – وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ {
فلما هرب من هرب علم كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حي ، فما كان منه إلا أن رفع صوته فرحا بهذا الأمر .
فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن أسكته حتى لا يتفطن المشركون به .
لكن المشركين تفطنوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلموا أن معه تسعة من أصحابه .
فابتسل سبعة من الأنصار، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرادت قريش أن تجهز عليه ، فقُتل هؤلاء السبعة واحدا تلو الآخر.
وقاتل أمام النبي صلى الله عليه وسلم صامدا :" طلحة بن عبيد الله " كما جاء في صحيح البخاري حتى أُثخن بالجراح ، وشُلت يمينه رضي الله عنه.
ثم قام " سعد بن أبي وقاص " – كما في صحيح البخاري – ومعه النبل يذود عنه عليه الصلاة والسلام حتى كان عليه الصلاة والسلام يناوله النبل ، ويقول :(( ارمِ ، فداك أبي وأمي )) .
وكان ممن قاتل حيال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبو طلحة الأنصاري "
وكان من أمهر الرماة رضي الله عنه ، فكان يرمي رضي الله عنه ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام عنه – كما في صحيح البخاري وفي مسند الإمام أحمد وغيرهما - : (( لصوت أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة )).
مع هذا الدفاع ، مع هذا الاستبسال إلا أنه عليه الصلاة والسلام كُسرت سِنُّه الرباعية ، وشُجَّ وجهه عليه الصلاة والسلام ، فما كان منه إلا أن اخرج تلك الكلمات التي تنبئ عن حزن من موقف قومه ، فقال عليه الصلاة والسلام اجتهادا منه :(( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى الإسلام ))
فأنزل الله عز وجل عتابا للنبي صلى الله عليه وسلم على هذه الكلمات : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآيات قال طمعا في إسلامهم : (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))
وكان من جملة هذا الجيش الذي مع النبي عليه الصلاة والسلام كان من جملته – كما جاء في الصحيحين – كان من جملته بعض من النساء اللواتي كنَّ يسقين المقاتلين ، ويداوين الجرحى ، وكنَّ يقاتلن متى ما دعت الضرورة إلى القتال .