هنا هاك الواحد والواحد الله في سماه العالي، وإلى هنا هاك الرجال الي توفي أبوه وتوفيت أمه، وبقي وحيداً في هذه الدنيا ما عدا بعض الأصدقاء الذين تربطه بهم علاقة حب وتفاهم ووئام، وأراد هذا الرجل أن يتزوج لعل الوحشة والهدوء المخيف الذي يخيم على منزله أن يزول ويتبدد بوجود امرأة فيها، تنظفه وتنظمه وتبعث فيه الروح والحركة وشرع الرجل في البحث عن زوجة،
وبعد البحث والتحري، وصفت له امرأة بالحسن والجمال والعقل والكمال، فوقع اختياره عليها ولكنه يجب أن يأخذ عنها معلومات أكثر وأن يراها ولو بعيني غيره، فذهب إلى أصدقائه وأخبره بعزمه على الزواج ووقع اختياره على ابنه فلاه شجعه هذا الصديق على عزومه وتمنى له التوفيق،
وقال الصديق الساعي إلى الزواج لصديقه إنني أحب أن أعرف شيئاً عن جمالها وأخلاقها وأريد منك أن تبعث زوجتك لتراها وتخبرك عنه وأنت بدورك تخبرني، لبى الصديق هذا الطلب، وأرسل زوجته إلى تلك العائلة وعادت بالأخبار ووصفت ما شاهدت من أحوال تلك المرأة التي سوف تخطب ونقل الزوج بدوره إلى صديقه ما قالته له زوجته فاقتنع الصديق بتلك المعلومات ورأى أن فيها كلما يتطلبه ويريده من رفيقة الحياة،
وتوجه حالاً إلى والد الفتاة خاطباً، فقوبل طلبه بالترحات والقبول وجرت مراسيم الزواج كالمعتاد تم كل شيء على ما يرام ووجد الزوج زوجته كلما يريد فأحبها وسعد بالعيش بجانبها وامتلاء البيت حركة وحياة وسعادة الأمر الذي جعل هذا الزوج لا يترك المنزل،
وكان للزوجة صاحب قديم عزز هذا الزواج من حباها له وتعلقها به، لأنها لاتحب زوجها، لماذا؟
أنها لا تدري أنه شيء تحس به ولكنها لا تستطيع أن تعبر عنه ولا أن توضح لنفسها كنهه وحقيقته هذا في الوقت الذي يحبها فيه الزوج ويتفانى في هذا الحب،
ويبذل في سبيل راحة زوجته وإرضائها كلما يستطيع ولكما تطلبه وتريده ولعل الشيء الوحيد الذي قد يعزى إليه هذا النفور من قبل الزوجة هو تفاوت السن بينهما فالزوج قد شارف على الكهولة بينما الزوجة لا تزال في طراوة الصبى وريعان الشباب،
لم يكن في تلك الأزمان خيار للزوجة في اختيار زوجها أو حتى أخذ فكرة عنه فالزوج الذي يرضاه أهلها هو زوجها ورضي الأهل بالزوج قد لا ينظر فيه مصلحة الزوجة، وإنما قد ينظر فيه إلى اعتبارات أخرى من مال أو جاه أو أية عواطف ذاتية،
ولم يظهر من تصرفات الزوجة ولا علاقتها بزوجها أية إشارة تدل على الكراهية والنفور، بل كانت تضغط على نفسها وتحاول أن تبادله عواطف الحب بمثلها،
وأن تظهر له بمظهر السعيد الراضي بمواقعه، وضاقت الزوجة بملازمة هذا الزوج الذي لا انسجام بينهما وبينه ولا حب متبادل يسود علاقتهما وإنما هو حب من جانب واحد هو الزوج وأرادت الزوجة أن تبعد هذا الزوج عنها بأي طريقة من الطرق ليخلوا لها الجو وليكون الاتصال بينهما وبين من تحب وفكرت في الأمر ملياً ووجدت الحل أن تتظاهر بالمرض،
وأن تدعي أن الدواء الشافي لمرضها لا يوجد إلاعند طبيب في بلاد ثانية ولن يتوانى الزوج في تلبية هذا الطلب، والسفر إلى تلك البلاد، شرعت المحبوبة غير المحبة في نسج ألاعيبها،
وادعت المرض ولزمت الفراش، وجعلت تتظاهر بأنها تتعاطى بعض الأدوية،
وكان زوجها إذا دخل البيت. لزمت الفراش وواصلت الشكوى والأنين، فإذا خرج قامت من فراشها ودبرت أمورها الخاصة بها، وعملت كلما تريد عمله،
فإذا أحست بقرب مجيئ زوجها عادت إلى الفراش كأنها لم تقم منه منذ أن تركها زوجها، استمرت على هذه الحالة فترة طويلة والزوج يغدو ويروح ويلبي طلبات الزوجة ورغباتها،
في إحضار بعض العقاقير والبهارات لاستعمالها لمكافحة المرض، ولكن المرض لم يخف بل زاد، وعملت الزوجة المالكة أقراضاً رقيقة من الحنطة وجففتها ثم وضعتها فوق ظهرها وبين جنبيها وسترتها بالملابس، بحيث لا ترى،
فإذا قرب منها زوجها انقلبت على جنبيها الأيمن فتحدث تلك الأقارص الجافة فرقعة ثم تنقلب على جنبها الأيسر فيحدث نفس الشيء فتئن تتلوى وتتظاهر بالتألم وتجأر بالشكوى فضاق الزوج ذرعاً بهذه الحالة وتمنى لزوجته الشفاء وأظهر لها عواطف الحب والوفاء،
وقالت الزوجة لزوجها عندما أظهر حبه وعطفه عليها لقد وصف لي طبيب في البلد الفلاني ولديه دواء مفيد لمثل المرض الذي أشكو منه، فما رأي زوجي العزيز،
فأظهر الزوج استعداده الكامل لبذل الغالي والرخيص في سبيل شفاء زوجته ووعدها بأنه سوف يعد العدة، ويشد الرحل إلى ذلك البلد ويلقى الطبيب ويصف له ما تشكوه زوجته ويشتري منه الدواء بأي ثمن، فشكرت الزوجة زوجها على وفائه لها وتجشم الشماق في سبيل شفائها،
وتمنت له سفراً سعيداً وعوداً حميداً، بدأ الزوج في إعداد العدة للسفر إلى تلك الديار النائية وحمل هماً كبيراً لهذا السفر؛ لأنه لم يتعود على الأسفار ولا خبرة لديه بالأقطار، فذهب إلى صديق له وليستشيره في الأمر وفكر في أي أصدقائه الذي يمكن أن يمده بالرأي الصواب،
وهداه تفكيره إلى واحد مهم فذهب إليه وشرح له وضعه مع زوجته وما أصابها من المرض وما طلبته من دواء لعلاج هذا المرض وقال في جملة ما قال لصديقه: إنني قليل التجارب في الأسفار وأخشى من أخطارها ومفاجآتها بما لا أهواه وأنا أريد رأيك في كيفية السفر، ومن أي طريق وعلى أية دابة وهل أجد رفقة في سفري،
فكر هذا الصديق ملياً ثم قال لصديقه: إن هناك أقرب من سفر فأنت لست في حاجة إلى السفر وزوجتك غير مريضة بل هي متامرضة وتمارضها له سر وسره أنها قد تكون لا تحبك وقد يكون لها عشيق أو حيبيب تريد أن تبعدك في السفر ليخلو لها الجو للاجتماع بحبيبها فتغيرت ملامح الزوج وتعكر مزاجه وقال لصديقه أن زوجتي تحبني وتبادلني جميع عواطف الحب والسعادة ولا أتصول أبداً أن يكون لها عشيق تفضله علي وتسعى في إبعادي من أجله،
فقال الصديق المستشار أن حدسي لم يخني في مرة من المرات وحدسي هذه المرة هو شبه يقين إن الأمر كما ذكرت لك،
ولكن لماذا نذهب من الظنون ونبني أمرنا على تقديرات وتخمينات قد لا نطئمن لسلامتها إن علينا أن نرسم طريقاً نكتشف به الحقيقة ونعرف بواسطته جلية الأمر،
فقال الزوج التي واثق من وفاء زوجتي وحبها لي ومع ذلك فإنه إذا قيل لك إن رأسك ليس على جسمك رحت تتحسسه وما علينا الآن إلا أن نعمل معاً ما يثبت لنا حقيقة ما قلت أو عدم ثبوته عليك أن ترسم لنا الطريق وعلي أنا أن أنفذ ما يرسم فقال الصديق المستشار إنني أراك مصراً على زوجتك ومطمئناً إلى إخلاصها ولهذا فإنني لن أرسم لك الطريق ولن أسير معك إلى نهاية الطريق إلا برهن فقال الزوج وما هو الرهن،
قال المستشار الرهن هو أن أدفع لك هذا الحمار فتذهب به إلى زوجتك وتقول لها لقد اشتريت هذا الحمار لأسافر عليه ثم تعد عدتك وتتظاهر بأنك مسافر ثم تأتي إلى بيتي وتحل ضيفاً علي لأرسم لك بقية الخطة، فإذا ثبت أن زوجتك نظيفة الساحة يكون الحمار لك، وإلا فإن عليك أن تعيد الحمار وأن تدفع لي مائة دينار،
فوافق الزوج وذهب إلى بيته وأظهر لزوجته أنه اشترى ذلك الحمار، وحمل معدات السفر فوق ظهره ثم ودع زوجته ودعاً حاراً وتركه وحيدة في البيت، وحل الزوج ضيفاً على صديقه ومكث عنده في الليلة الأولى وفي الليلة الثانية أخذه صديقه بيده وذهب به إلى بيته وعندما قربا من الباب قال للزوج: اختف في زاوية قريبة حتى تسمع ما أقول وما يقال لي فاختفى الزوج في منعطف قريب من الباب بحيث سمع كل ما يقال ولا يرى ودق صديق الزوج الباب بحيث يسمع كل ما يقال ولا يرى ودق صديق الزوج الباب فقالت الزوجة من الطارق،
فقال الصديق أنا فلان أين زوجك يا مليحة فقالت الزوجة "راح يدور دادوية أن أقفى تقرصه داب وإن رجع تقرصه حيه وسمع الزوج هذا الكلام المسجوع الذي وقع على سمعه وقوع الصواعق وملأه غيضاً وغضباًن إن في كلمات زوجته نغمة تفيض بالكراهية والحقد ما كان يعرفها وفيها انقلاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مان يدرك أسبابه إنه لم يسيء إلى زوجته قط ولم يرفض لها طلباً في أي ظرف من الظروف فما هو الداعي إذاً إلى هذا الحقد الأسود الذي هدفه التدمير والتحطيم، إن الزوج لا يعرف سبباً واحداً يدعو إلى هذا الاتجاه الخطير في نوايا زوجته تجاهه واندفع الزوج يريد أن يدخل بيته ليفتك بهذه الزوجة الغادرة ويفتك بمن يجده لديها ولكن صديقه أخذه بيده وقال تمهل إن الأمر يحتاج إلى ترو وتفكير وتقدير لجميع الاحتمالات فتعال نعود إلى بيتي لنبحث الأمر على مختلف وجوهه ولنختار الطريق الصواب للخروج من هذا المأزق بسلام،
فذهب الصديقان وأويا إلى المنزل وبحثا في الأمر ورأيا أن اسلم طريق وأضمنه للنجاح أن يتركا مراقباً حول بيت الزوج فإذا جاء عشيق زوجته ودخل البيت بدأت الخطة بأن يأتي الزوج على حماره وكأنه عاد من سفره لأمر طارئ ثم ينفذ الزوج بقية الخطة التي اتفق الصديقان عليها،
وهكذا وقع فعندما جاء الرقيب وأخبر الصديقان بدخول العشيق حمل الزوج عدته على حماره وتوجه إلى بيته ودق الباب فكلمته زوجته من وراء الباب وقال من الطارق قال أنا زوجك،
فقالت زوجي العزيز ورفعت بذلك صوتها وأشارت على عشيقها بأن يختفي، جاءت الزوجة إلى الباب متثاقلة متظاهرة بالمرض وفتحت الباب ودخل الزوج فعانقت زوجته وهي تتظاهر بالمرض وترسل بعض الأنات الخفيفة التي تتظاهر بها أنها تكتم آلامها في نفسها مراعاة لشعور زوجها ولكن زوجها قد اكتشف كل شيء فلم تعد تنطلي عليه تلك المظاهر الماكرة الخادعة وسألت الزوجة زوجها في قلق عن أسباب هذا الرجوع المبكر فقال الزوج إنني نسيت شيئاً هاماً يلزمني في رحلتي ووضع الأحمال عن الحمار في الوقت الذي ذهبت زوجته تجر قديمها ورمت نفسها على الفراش مواصلة أنينها وتظاهرها بالآلام المتواصلة فتجاهلها زوجها كل التجاهل وجعل يبحث في زوايا البيت كأنه يبحث عن حاجة من حاجات سفره وبينما كان يبحث في إحدى الحجر عثر على العشيق مختفيا ًوراء كومة من الحطب فقبض عليه وشد وثاقه،
ثم قاده حتى أوقفه أمام زوجته التي بهتت ولم تستطع حراكاً وانعقد لسانها فلم تستطع كلاماً فركلها الزوج برجله وأقامها من فراشها وأوثقها بالحبال أيضاً،
ثم وقف أمام العشيقين الخائنين وقال لهما في لهجة جادة وحازمة، اختارا القتلة التي تريدان أن أنهي بها حياتكما الملطخة بالغدر والخيانة،
ثم تابع الزوج كلامه قائلاً هل تريدان أن أدفنكما في الأرض أحياء،
أم تريدان أن أقطعكما إرباً إرباً، أم أضربكما بالعصى الغليظة حتى تفارقا الحياة،
اختارا واحدة من هذه الثلاثة،
فسكت العشيقان ولم يحيرا جواباً،
فحثهما الزوج على الكلام ولطب منهما الاختيار فقال العشيق إنه لا خيار فيها فكلهما مخيفة وقاسية أما الزوجة فقد ماتت في جلدها ولم تستطع أن تنبس ببنت شفة،
فأخذ الزوج جملة من العصى الغليظ وقال يظهر أنكما قد وكلتما إلي اختيار واحدة من الخلال الثلاث التي عرضتهما عليكما،
وإنني أختار إماتتكما ضرباً بالعصي الغليظ وركل العشيق برجله حتى ألقاه على الأرض وشرع في ضربه أمام الزوجة الغادة حتى ملأ جسده جراحاً ثم سحبه وألقاه في جانب من جوانب المنزل،
أما الزوجة فقد وقف أمامها وهي موثقة بالحبال
وقال لها: أما أنت أيتها الماكرة فإنني أترفع عن ضربك وأترك أمر القصاص منك للأقدار،
ولتأنيب ضميرك إذا كان لديك بقية من ضمير فابقية هكذا في قيودك وليبقى عشيقك في قيوده حتى الليل لأرى فيكما رأي الأخير،
عندما جاء الليل فك الزوج إسار العشيق ودفع به إلى الشارع فقام متحمالا على نفسه يجر قديمه جراً متجهاً إلى منزله وهو فرح بهذه النتيجة على ما فيها من قسوة ومرارة لأنه كان قد أيقن بالهلاك أما الزوجة فقد قال لها زوجها بعد أن فك إسارها خذي من هذا البيت ما تشائين ثم ارحلي عنه حالاً وتظاهري أمام أهلك بأنني مسافر وأنك كرهت أن تبقى في بيتي وحيدة،
وهكذا كان فقد أخذت الزوجة من بيت زوجها كلما تريده مما يخف حمله ثم خرجت من البيت فأقفله صاحبه وذهب إلى صديقه الذي اكتشف هذه الخيانة فاستقبله صديقه هاشاً باشاً ومنشداً
النشيد التالي:"يا لصيقع يا لبيقع يا منيتيف اللحية .. الذهب صبه بردني والجحش رده عليه"، ومعنى السيد أن هذا الصديق قد كسب الرهان وأن على هذا الزوج الطيب القلب أن يدفع الرهان لصديقه فيعطيه المال المتفق عليه ويرد عليه الجحش الذي أخذه منه،
وفي الزوج بكلمته أمام صديقه، وأعطاه ما اتفقا عليه وشد الرحال في جولة في بعض البلدان مبتعداً عن بلده التي صدم فيها صدمة عنيفة،
في كيانه العائلي حتى تحطم هذا الكيان وتبددت أشلاءه،