صل رحمك
صله الرحم ، كن اول الناس فى ارضاء الله
ماذا تعني كلمة صلة الرحم ؟..
قال العلماء: تكون صلة الرحم بالزيارة، وتكون بتلبية الدعوة، وتكون بتفقد الأحوال، وتكون بالإكرام، وتكون بالهدية، وتكون بالتصدق على الفقراء من الأقربين، وتكون بعيادة مرضاهم، وتكون بمشاركتهم أفراحهم، وتكون بمواساتهم في أحزانهم، وتكون بقديمهم على غيرهم في كل أمر هم أحق به، بسبب قرابتهم، ثم تكون وهذا تاج الصلة بالرحم، بدعوة هؤلاء إلى الله والأخذ بهم إلى مرضاته.
الزيارة، وتلبية الدعوة، وتفقد الأحوال، والإكرام، والهدية والتصدق والتعهد، وعيادة المريض، والمشاركة في الأفراح، والمواساة في الأحزان، وتقديمهم على غيرهم فيما هم أحق به، ثم دعوتهم إلى الله عز وجل، والأخذ بيدهم إلى الدار الآخرة.. هذه هي صلة الرحم.
أما قطيعة الرحم، فتكون بالهجر، والإعراض عن الزيارة المستطاعة وعدم المشاركة في المسرات، وعدم المواساة في الأحزان، وتكون بتفضيل غيرهم عليهم في الصلاة والعطاءات التي هم أحق بها من غيرهم.
أيها الإخوة الكرام: لقد وصف الله المؤمنين، هذه الصفة من أخص خصائص المؤمنين ؛ لأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، وقد وصف الله من لهم اللعنة ولهم سوء الدار، لأنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل.
أيها الإخوة الكرام: صلة الرحم من موجبات دخول الجنة.
روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه:
(( أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ مَا لَهُ مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ))
أيها الإخوة الكرام: من وصل الرحم وصله الله، ومن قطع الرحم قطعه الله، روى البخاري ومسلم ـ ولا تنسوا أن البخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله ولا تنسوا أن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم معاً هو من أعلى درجات الأحاديث الصحيحة، وأن إنكار الأحاديث الصحيحة هو عين الكفر.
روى البخاري ومسلم في صحيحيها عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأحمد]
وروى البخاري أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ))
والشجنة عروق الشجر المتشابكة، وأي إنسان ـ أيها الإخوة ـ هو حلقة في سلسلة، وعقدة في شبكة، فلا ينبغي أن يقطع ما حوله، حلقة في سلسلة، وعقدة في شبكة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلاقات المتشابكة، قال:
((إنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ))
روى أبو داود في حديث حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما حدث عن ربه، يقول الله عز وجل:
((أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ))
بتته: أي قطعته.
[أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد]
أيها الإخوة الكرام: قطيعة الرحم من الأعمال التي تحرم فاعلها دخول الجنة.
روى البخاري ومسلم أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))
[أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وأحمد]
وأي حديث يعد فاعل معصيته بعدم دخول الجنة، فهذه المعصية من الكبائر.
((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))
[أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد]
((لا يدخل الجنة قاطع رحم))
لأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نجتمع، وأن نتعاون، وأن يأخذ كل منا بيد أخيه، فقاطع الرحم يقطع هذه العلاقات، ويحل محلها الأشجان والآلام، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام:
أيها الإخوة الكرام: درج الناس على أن يصلوا من وصلهم، وعلى أن يقطعوا من قطعهم ليست هذه صلة الرحم، لأن الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه ليس له فضل على الطرف الآخر، لذلك من الحقائق الثابتة أنه ليس الواصل لأرحامه الذي يعامل أرحامه بالمثل، فإن وصلوه وصلهم، وإن قطعوه قطعهم، ولكن الواصل هو الذي إذا قطعته رحمه وصلها، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أمرني ربي بتسع، خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً ))
ألم يقل الله عز وجل ؟
﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)﴾
[سورة الرعد]
أيها الإخوة الكرام: هناك آيات كثيرة، وهناك أحاديث عديدة، تؤكد أن صلة الرحم تعني أن تصل الرحم التي قطعتك.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))
[أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وأحمد]
شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قطيعة قرابته له، على الرغم أنه يواصلهم، ويحسن إليهم، ويحلم عليهم، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم، عن مبلغ عقوبتهم عند الله، على قطيعتهم، وعلى إساءتهم له، إن صدق فيما قال، فقال عليه الصلاة والسلام يخاطب هذا الرجلالذي شكا إليه أنه يحسن إليهم ويسيئون إليه، يصلهم ويقطعونه يحفظهم ويضيعونه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
لئن كنت كما قلت: كان عليه الصلاة والسلام متحفظاً، إن كان هذا الذي تقوله صحيحاً، لذلك قال العلماء الفتوى على قدر الوصف، إن كنت كما تقول، إن كان هذا الذي تقوله صحيحاً، قال عليه الصلاة والسلام:
((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ.. ))
والمل: هو الرماد الحار، وشيء عظيم أن يأكل الإنسان رماداً حاراً قال عليه الصلاة والسلام:
(( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾ ))
يا أيها الإخوة الكرام: نستنبط من هذه الآيات وتلك الأحاديث الصحيحة أن قطيعة الرحم معصية كبيرة، وإثم شنيع، عقابها عند الله عقاب سريع.
من لطائف الشريعة الغراء أن الصدقة على المسكين تُحسب صدقة أما الصدقة على ذي الرحم فتحسب باثنتين، صدقة وصلة.
روى الترمذي بإسناد حسن، عن سلمان ابن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ))
[أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي]
أيها الإخوة الكرام: صلة الرحم مما يكافئ الله عليها في الدنيا ببسط الرزق، وإطالة العمر وهذا ثواب مُعجل يتسابق إليه معظم الناس، وهو زائد على ثواب الآخرة.
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
أحد أسباب زيادة الرزق صلة الرحم..
الأثر: هو العمر الذي فيه تُسجل آثار الإنسان، لأن الإنسان في عمره يترك آثاراً صالحة أو طالحة.
ويُنسأ: يؤخر.
م/ ن