وفي الصحيحين وغيرهما أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال صلى الله عليه وسلم : "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله".
قال ابن حجر: "وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك سدًا للذريعة المؤدية إلى ذلك .
وقال ابن القيم بعد ذكره لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد: "إن فتنة الشرك بالصلاة عند القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر، فإذا نهى عن ذلك، أي عن الصلاة بعد هذين الوقتين سدًا لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلي، فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى والاستعانة بهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها في المساجد مما هو محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وعن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" .
قال النووي: "قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا خوفًا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثير من الأمم الخالية......"