حاول أن تغفر ...... فالدنيا ماضية
!
التنافس أمر جبل عليه الناس , والغيرة بين النساء أشد ظهوراً منها بين الرجال , وهي بين الضرائر أشد وأقوى من غيرهن ..... وهكذا .
لكن الأخلاق الإسلامية تعلمنا أن نتجاوز هذا , فتصفو القلوب
وتتسامح النفوس , ويدعو كلٌ لأخيه , وكلٌ لأختها بالمغفرة.
فإذا علمت هذا أخي الفاضل كان عليك أن تسمو بنفسك فوق مشاعر الحقد والغضب
وتدافعها في نفسك مهما كانت قوية
وتذكر الآخرة وما فيها من حساب شديد , والجنة وما فيها من نعيم عظيم
فتصرف نفسك نحوها , وتزهد في الدنيا ومتاعها الزائل .
لاأطلب منك أن تتجرد من مشاعرك , وتنتزع من نفسك عواطفها فهذا أمر يكاد يكون مستحيلاً
فحتى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كان بينهن غيرة , وكان بينهن تنافس , لكن خلقهن الإسلامي كان الضابط لهذه المشاعر
فلا يتجاوزن خلقاً أو أدباً .
وتأمل هذه المصافاة .
الموت اقترب من أم حبيبة – رضي الله عنها – فتستسمح عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما
– فلا تترددان بالإستجابة , ويتبادلن جميعاً الدعاء بالمغفرة ؟!
إنها تذكرة لنا أخواني الأفاضل
فقد مضت على هذه الأرض أجيال وأجيال
غادرتها جميعها دون أن تأخذ معها إلى ربها غير عملها.
وسنمضي نحن جميعاً , ولن نحمل معنا غير عملنا , فإن كان عملنا صالحاً في معظمه , فقد فزنا وأفلحنا , وإلا فالحساب والعذاب .
إذا وضعت هذا في تصورك , وحاولت ألا يغيب عنك , فلا شك أنك ستغفر لأخوانك في الله , ولأقاربك وأصدقائك
ففي مغفرتك لهم أجراً ليس بالقليل .
واقرا هذه الآيات الكريمة التي تحث المؤمنين على المغفرة لإخوانهم :
(( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )) النور: 22
وقوله تعالى (( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ماغضبوا هم يغفرون )) الشورى: 37
وقوله تعالى (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) الشورى : 43
وقوله تعالى (( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم )) التغابن: 14
ويقول الله تعالى (( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله )) الجاثية : 14.
قال الفضيل بن عياض : إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً فقل : ياأخي اعف عنه , فإن العفو أقرب للتقوى .
فإن قال : لايحتمل قلبي العفو ولكن انتصر كما أمرني الله – عز وجل –
فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر ( أي إذا أحسنت الإنتصار ولم تتجاوز به الحد فافعل ) وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع , وإنه من عفا وأصلح فأجره على الله
وصاحب العفو ينام على فراشه في الليل مرتاح البال
وصاحب الإنتصار يقلب الأمور ( أي يفكر كيف سينتصر لنفسه , أي أسلوب يتبع , وأي طريق يسلك , هل يقول له كذا , أم يفعل كذا , وبالطبع فإن مثل هذا سيؤرقه فلا ينام ) .
واقرئ أخي في الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر فيه من يتجاوز عن أخيه , ويغضي عن إسائته :
(( مامن عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ,إلا أعزه الله تعالى بها ونصره )) رواه أبو داود
وحديث (( مازاد الله تعالى عبداً بعفو إلا عزاً )) حديث صحيح .
والآن ,أخي الفاضل إذا كان لديك قناعة بهذا العفو ، ورغبة في العمل به فاحرص على مايلي :
1- إذا كنت قد قاطعت قريب لك , لأي أمر ليس فيه مخالفة لشرع الله
فبادر إلى الاتصال بها أو زوريها , وإذا تحرجت من زيارته وحدك , فاجعل زيارتك له ضمن مجموعة من الأقرباء .
2- ارغم نفسك على العفو عند المقدرة
وقاوم في نفسك رغبتها في الانتصار المنتقم
واخفض جناحك لأخوانك في الله
وضع أمام نفسك دائماً هاذين الخيارين :
الانتصار الذي لايترتب عليه الأجر , أم العفو والمغفرة اللتان تجلبان لك الثواب العظيم , والطمأنينة النفسية المريحة .
3- تذكر الموت باستمرار , فتذكر الموت يميت في النفس مشاعر الغضب والانتقام
ويدفع المؤمن إلى التفكير بالآجلة الباقية , ويصرفه عن العاجلة الزائلة , ومافيها من رغائب النفس .
ومما يساعدك على تذكر الموت :
* قراءة موعظة الصالحين .
* ذكر من مات في القريب من الأقارب والمعارف .
* تأمل سرعة مرور الأيام وتوالي الشهور والسنين .
أخوتي وأحبتي
أدعو الله أن يرزقنا أنفساً مطمئنة , تغفر ظلم الآخرين لها , وتتجاوز عن إساءات المسيئين والمسيئات , إنه سميع مجيب .
حتى نهنأ في الدنيا ونفوز في الآخرة