قصه وقصيده للفارس شالح ابن هدلان
نقلة من
كتاب ابطال من الصحراء
هو الفارس شالح بن حطاب بن هدلان نشأ بين أفراد قبيلة الخنافرة والتي هي فخذ من قبيلة آل محمد قحطان
عاش إلى سنة 1340هـ وكان مثالاً بشجاعته وامانته وصدقه وحسن خلقه وكرمه ووفائه ’ وكان يحكم لحل المشاكل سواء كانت على مستوى فردي أو قبلي وكان محبوباً عند قبائل قحطان والقبائل الأخرى المجاورة
وكان له أخ شقيق أصغر منه يسمى ( الفديع ) كان مثالياً بشجاعته وجرأته وإقدامة في ساحات الوغى لدرجة المغامرة بنفسة
وكان وفياً مع أخيه شالح خادما مطيعاً له اميناً محباً له تحمل كل المشاق عن أخيه شالح 0 وأصبح هو حامي ظعينهم وكانت إبلهم لاتذهب للمرعى إلا وهو معها مدججاً بالسلاح ممتطياً صهوة جواده وكانت القبائل الأخرى لا تجرؤ على الأقتراب منها مادام الفديع معها
وذات يوم ومع بزوغ الشمس وأخاه شالح جالس حول ناره يتناول القهوة التفت إلى الإبل وهي في مباركها قرب لبيته رآها تعتب في عقلها ولم ير الفديع
فنادى شالح : الإبل تعتب في عقلها والفديع غايب عنها اين هو
فقيل له: إن زوجتك تغسل رأسه
فقام غاضباً وقال : الإبل حائرة في مباركها ولم تذهب إلى المرعى وأنت عند النساء يغسلن رأسك ثم أخذ من التراب ووضعه على راس أخيه
فقام الأخ البار خجلاً من أخيه وأخذ يمسح التراب عن رأسه وهو يردد ــ العفو يا أخي العفو يا أخي ــ ثم طلب من زوجة اخيه أن تسرج جواده وتحضر سلاحه وذهب للإبل مسرعاً
أما شالح فقد رجع إلى قهوته وجلس حولها وعندما أطلق الفديع عقل الإبل ذهب إلى أخيه يمشي بحذر وبخفة متناهيه من حيث لايشعر به فقبل رأسه وقبل مابين عينيه وقال في أمان الله يا أخي وركب جواده وتبع إبله
وعند غروب الشمس عاد الفديع مع إبله ثم أقبل إلى مكان أخيه في مجلسه عند القهوة وأخذ يصب لإخيه القهوة ويقص عليه أخبار يومه الفائت ويداعبه بالنكات المضحكة ويحاول أن يثبت لإخيه انه لايحمل في نفسه عليه شيء وانه لم يغتظ من حثو أخيه التراب على رأسه وكل همه رضا أخوه عليه
وفي أحد الأيام وعندما عاد الفديع بعد غروب الشمس وجلس عند أخيه كعادته 0لاحظ الفديع أن أخاه كثير التفكير وشارد البال ’ فسأله مابه وما لذي يشغل تفكيره
فقال له شالح : ياأخي ليس بي شيء ألا أنني أفكر في حالتك لأنني أتعبتك في هذه الدنيا وأنت وحدك تتحمل المشاق عني 0 وكم اتمنى أن أبنائي كبار ليساعدوك
فقال الفديع : يا أخي أنا سعيد في خدمتك وكل ما أوده أن اكون وفياً معك وأن أنال على رضاك دائما ثم أنشد :
يابو ذعار اكفيك لوني لحالي **** واصبر على الدنيا وباقي تعبها
وان غَمْ اخوه معثرين العيالي **** انا لخُوى سعد عينه عجبها
وان جن مثل مخزمات الجمالي **** كم سابق تقزي ونا من سببها
كم خفرة قد حرَّمت للدلالي **** لبست سوادٍ عقب لذة طربها
وان جيت لي قفرٍ من النشر خالي **** يفرح بي الحواز يوم أقبل بها
افديك يا شالح بحالي ومالي **** يا فارس الفرسان مقدم عربها
يا مْتِيِّه ابله بروس المفالي **** ياللي حميت حدودها يا جنبها
عندما سمع شالح بن هدلان قصيدة أخيه تأثر بها وأجاب بهذه القصيدة
لاواخوٍلي عقب فرقاه باضيع **** كني بما يجري على العمر داري
اخوي ياستر البنيّ المفارايع **** ومطلق لسان اليّ باهلها تماري
ليته عصاني مرة قال ما طيع **** كود اني أصبر يوم تجري الجواري
انا اشهد إنه لي سريع المنافيع **** عبد مليك لي ولاني بشاري
تشهد عليه مناتلات المصاريع **** واعداه من كفه تشوف العزاري
يمناه تنثر من دماهم قراطيع **** وعوق العديم اللي بِدَمَّه يثاري
جداع سفرين الوجيه المداريع **** مخَلِّي سروج الخيل منهم عواري
القلب ماينسى بعيد المناويع **** ليث على صيد المشاهير ضاري
وكأن شالح بهذه القصيدة يتوقع مستقبل أخيه الموت لمعرفته بمغامراته وشجاعته
وذات يوم كان شالح راحل بضعينته وكان أخوه الفديع أرمد العينين وجواده تقاد مع الضعينة وهو في هودج معصوب العينين 0فأغار عليهم كوكبة من الخيل
فأخذ شالح يدافع عن الضعينة بكل شجاعة وكانت الحرب بينه وبين المغيرين مراده فمرة يكثرون عليه ويردونه ومرة يردهم ويبعدهم عن الضعينة فطال القتال بينهم وهم على هذا المنوال وقد لاحظت والدة شالح والفديع أن شالح أعياه الطراد فنزلت من هودجها واسرجت جواد الفديع وأحضرت سلاحه وقالت أخوك يحارب القوم بلحاله وانت قاعدن عند النسوان فقال يا أمه انا أذوب كمداً وحسرة بس كيف أشوف عشان اساعد أخوى
فقالت : أنا سأجعلك تبصر وكان متلهفاً لأن يرى بعينيه 00 فأنزلته أمه من الهودج وأتت بماء وغسلت به عينيه وأخذت تفتحهما بشدة حتى أنفصل كل جفن عن الأخر ونزل الدم والصديد معاً من عينه فوثب على فرسه كالنمر وهو لايبصر إلا قليلاً فاستقبلهم الفديع وجندل أول فارس ثم الثاني فالثالث فلما رأى القوم ما حل بهم ورأو شجاعته أحاطوا به ورشقوه بعدد كثير من الرماح فأصبه رمح منها أخترق رأسه فخر قتيلاً ولكن الأعداء لاذوا بالفرار 00ونزل شالح عن جواده وقلب أخاه فألفاه ميتا 00فكان نكبة موجعة له ولم يتمالك عينه من الدموع التي أنسابت على وجنتيه 00 فاخذ اخوه وغسله ودفنه بواد بنجد يسمى ( خفا ) وكان على جانب الوادي هضبة تسمى هضبة خفا فدفن الفديع على مقربة من هذه الهضبة ولقد رثى شالح أخاه بقصيدة تقطر من دم قلبه في هذه المقطوعة :
أمس الضحى عَدّيت روس الطويلات **** وهيضت في راس الحجا ما طرا لي
وتسابقن دموع عيني غزيرات **** وصفقت بالكف اليمين الشمالي
وجَرِّيت من خافي المعاليق ونات **** والقلب من بين الصناديق جالي
واخوي ياللي يم قارة ــ خفا ــ فات ****من عاد من عقبه بيستر خمالي
ليته كفاني سوّ بقعا ولا مات **** وانا كفيته سوّ قبر هيالي
وليته مع الحيين راعي الجمالات **** ونا فدا له من غبون الليالي
واخوي ياللي يوم الاخوان فلات **** من خلقته ماقال ذا لك وذا لي
تبكيه هجنٍ تالي الليل عجلات **** ترقب وعدها يوم غاب الهلالي
وتبكي على شوفه بنيّ عفيفات **** من عقب فقده حرمن الدلال
عوق العديم إن جا نهار المثارات **** والخيل من حسه يجيهن جفالي
اخوكم: نصراوي صريح