بَرَكَة أكْل المُرَة
في زمن الحياة الصعبة، كان أهل الريف يقننون مصاريفهم بشدة، فأكل اللحم يقتصر على مواسم معلومة، اللهم إلا إذا قارب أحد الخراف أو العجول على الموت، فحينها يبادرون لذبحه في آخر لحظة من حياته، ومن هنا خرج مصطلح (لحقه برأس السكين)، وكان هناك من المذبوح لا (يلبط أو يرفس) بعد ذبحه، فيحاول من ذبحه أن يقنع نفسه أنه (رفس) ولم يكن يحتاج لكثير من الوقت والحجة لإقناع غيره بأنه رفس. ومع ذلك لن يأكلوا كل اللحم الناتج، بل يأكلون القليل منه ويعملون أغلب اللحم (قوارمة) أي يطبخون اللحم بدهنه وعند نضجه يحفظونه بأوان فخارية (قبل الكهرباء والثلاجات) ويدخلونه في طبخات الشتاء بأخذ (غَرْفَة) ووضعها مع الطعام لتكسبه نكهة اللحم والدهن.
وكانت مواسم البندورة (الطماطم) قصيرة جدا، لا تزيد عن عدة أيام، فكان الناس يبادرون لتجفيف الثمار على (سطوح) البيوت، وبالطبع فإنها ستتحد مع ذرات الرمل المتطاير، وسيلحظ من يأكلها عند استعمالها في الشتاء أن هناك شيء (يصرك) تحت الأسنان.
في مواسم المشمش القصيرة ومواسم (القثاء) الصيفية، كان رب الأسرة يقسم ما يشتريه على أفراد الأسرة، وتعتبر قسمته نهائية لا اعتراض عليها، ولا تبديل فيها، فإن حدث وكانت ثمرة أحد أفراد الأسرة (مرة الطعم) كما في بعض أصناف (القثاء والجعابير)، فعليه أن يقبل بها ولا يعترض.
وقد كان الأب والأم يحتاطون قبل ذلك في سرد حكايات خيالية عمن يأكل ثمرة (مرة المذاق) دون أن يخبر أحدا عن طعمها، فإن الله سيمنع عنه الأمراض ويفتح الرزق بوجهه! طبعا لم يثبت صحة ذلك لا علميا و لا دينيا، لكنه (طقس) اقتصادي بحت، الغاية منه التوفير وعدم هدر المشتريات!
كان الأطفال يلزمون الصمت تمشيا مع تلك القاعدة (الموضوعة)، ولا يخبرون أحدا من أخوتهم، ويأكلون الثمار المرة وعيونهم تدمع تأففا وحسرة على ما في أيدي غيرهم، ولا يعلمون بطبيعة الحال عما إذا كانت الثمرة التي في يد غيرهم مرة أم حلوة!
في هذه الأيام، يصمت الموظف الذي تحت إدارة ظالمة على مرارة ما يصيبه، ويصمت المواطن على هدر كرامته ومرارة عيشه ظنا منه أن البركة في الصبر على المرارة!