[align=center]
اغتنام أيام رمضان في الذكر والطاعة والجود
رمضان موسم من مواسم الخير، تضاعف فيه الحسنات، وترجى فيه المغفرة، وتزداد فيه الرغبة في الخير، والمحروم حقًا من حرم في هذا الشهر رحمة الله عز وجل.
وإنما تُنال رحمة الله تعالى بالإقبال عليه، والاجتهاد في ذكره وشكره، وحسن عبادته.
وقد ابتُلينا ببعض المسلمين الذين يقضون النهار في منام، والليل في طعام ويضيعون فرصة التزود من هذا الشهر الكريم.
في الحديث الصحيح: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين" (متفق عليه عن أبي هريرة، اللؤلؤ والمرجان -656).
وفي طريق لعبد الرزاق وغيره: "وينادي فيه مناد: يا باغي الخير، هَلُمّ، ويا باغي الشر أقصر" (عبد الرزاق -7386، وابن خزيمة -1883، ورواه الحاكم بنحوه، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي -421/1).
ومن ألوان الطاعة في هذا الشهر:
الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، والحرص على الصلاة في الجماعة.
وهذا مُستحب للمسلم في كل وقت، ولكنه في رمضان أكثر استحبابًا، حتى لا يتسرب منه الشهر الكريم يومًا بعد يوم، دون أن ينال حظه فيه من المغفرة والعتق من النار، ولله كل ليلة فيه عتقاء من النار.
وقد روى كعب بن عجرة وغيره: أن جبريل عليه السلام دعا على من أدرك رمضان فلم يغفر له، وأمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي -154/4، وقال الهيثمي في المجمع -166/10: رواه الطبراني ورجاله ثقات).
ومن أهم ما ينبغي للصائم الحرص عليه في رمضان: الجود وفعل الخير، وبذل المعروف للناس، وإطعام الطعام.
فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة (رواه البخاري في الصوم وفي بدء الوحي).
ومن هنا اعتاد المسلمون من قديم مد الموائد لتفطير الصائمين في رمضان، لما فيها من الثواب الجزيل.
الدعاء طوال النهار وخصوصًا عند الإفطار
يستحب للصائم أن يرطب لسانه بذكر الله ودعائه طوال يوم صومه، فإن الصوم يجعله في حالة روحية تقربه من الله تعالى، وتجعله في مظنة الاستجابة لدعائه.
والذكر والدعاء مطلوب من الصائم طوال نهاره، ولكنه مطلوب بصورة خاصة عند الإفطار. وأولى ما يقوله الصائم عند فطره ما رواه ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" (رواه أبو داود (2357)، والدارقطني (185/2) وحسن إسناده، والحاكم (422/1) وقال: صحيح على شرط البخاري. والعمل بهذا الخبر أولي من خبر أنس وابن عباس أنه كان يقول: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم" )رواه الدارقطني، لأن سنده ضعيف).
ويدعو عند الإفطار بما أحب لدينه ودنياه وآخرته، لنفسه ولذويه وللمسلمين فهو وقت تُرجى فيه الإجابة. فقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو: "أن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" (رواه ابن ماجة -1753، وذكر البوصيري في الزوائد: أن إسناده صحيح، وانظر: تعليقنا في (المنتقى) على الحديث -521). وكان عبد الله بن عمرو يجمع بنيه عند الإفطار ويدعو قائلا: اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي.
وروى أبو هريرة: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم" (رواه الترمذي وحسنه (3595)، وابن ماجة (1752)، وصححه ابن حبان (2408)، وحسنه ابن حجر في أماليه على الأذكار، ورواه أحمد في حديث وصحَّحه أحمد شاكر، انظر (المنتقى من الترغيب والترهيب) وتعليقنا على الحديث -522). وفي رواية: "والصائم حتى يفطر".
الاجتهاد في العشر الأواخر
صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها (رواه أحمد ومسلم والترمذي عن عائشة: كما في صحيح الجامع الصغير -4910).
وقالت عائشة: كان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله رواه الستة إلا الترمذي عن عائشة، المصدر السابق -4713 وانظر: اللؤلؤ والمرجان -730).
وشد المئزر كناية عن الاجتهاد في العبادة، يُقال للمجتهد في أمر: شمر عن ساقيه، كما يكنى به عن اعتزال النساء.
والمراد بقولها: (أحيا ليله) (عبرت عائشة عن القيام بالإحياء، دلالة على أن الأوقات التي لا تغتنم في طاعة الله تعالى أوقات ميتة).، أي أحياه كله بالقيام والتعبد والطاعة وقد كان قبل ذلك يقوم بعضه، وينام بعضه، كما أمره الله في سورة (المزمل).
ومعنى (أيقظ أهله): أي زوجاته أمهات المؤمنين، ليشاركنه في اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة.
وبهذا يعلمنا أن يتعهد المسلم أهله وأسرته بالتذكير بمواقع الخير، والأمر به، كما قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (طه: 132).
ومن دلائل حرصه صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في العشر الأواخر: اعتكافه فيها في المسجد، متفرغًا لعبادة الله تعالى. ذكرت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده (متفق عليه اللؤلؤ والمرجان -728، 729، ورواه عنه كذلك ابن عمر، المصدر نفسه -727).
والاعتكاف: عزلة مؤقتة عن شواغل الحياة، وإقبال بالكلية على الله تبارك وتعالى، والأنس بعبادته.
والإسلام لم يشرع الرهبانية، ولا التعبد بالعزلة الدائمة، ولكنه شرع هذه الفترات المؤقتة في أوقات معينة، لترتوي القلوب الظامئة إلى المزيد من التعبد والتجرد لله رب العالمين.
سر الاجتهاد في العشر
وسر الاجتهاد والمبالغة في العشر الأواخر يكمن في أمرين:
الأول: أن هذه العشر، هي ختام الشهر المبارك، والأعمال بخواتيمها، ولهذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: "اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك، وخير عمري أواخره، وخير عملي خواتمه".
الثاني: أن ليلة القدر المباركة المفضلة أرجح ما تكون فيها، بل صحت الأحاديث أنها تلتمس فيها.
فاللبيب الكيس من اجتهد في هذه العشر، عسى أن يظفر فيها بهذه الليلة فيغفر له ما تقدم من ذنبه.
__________________[/align]