الإنكار على السلطان..
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله:فصل: في الإنكار على السلطان والفرق بين البغاة والإمام الجائر
ولا ينكر أحد على سلطان إلا وعظا له وتخويفا أو تحذيرا من العاقبة في الدنيا والآخرة، فإنه يجب ويحرم بغير ذلك، ذكره القاضي وغيره، والمراد ولم يخف منه بالتخويف والتحذير وإلا سقط وكان حكم ذلك كغيره.
قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله؛ وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارا شديدا.
وقال في رواية إسماعيل بن سعيد الكف لأنا نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلوا فلا.. جزء من حديث أخرجه مسلم وأبو داود
خلافا للمتكلمين في جواز قتالهم كالبغاة، قال القاضي: والفرق بينهما من جهة الظاهر والمعنى، أما الظاهر فإن الله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله تعالى { وإن طائفتان } الآية وفي مسألتنا أمر بالكف عن الأئمة بالأخبار المذكورة، وأما المعنى فإن الخوارج يقاتلون بالإمام، وفي مسألتنا يحصل قتالهم بغير إمام فلم يجز كما لم يجز الجهاد بغير إمام انتهى كلامه.
وقال عبد الله بن المبارك
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا % منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة % في ديننا رحمة منا ودنيانا
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل % وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
وقال عمرو بن العاص لابنه: يا بني احفظ عني ما أوصيك به؛ إمام عدل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من إمام ظلوم، وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.
قال ابن الجوزي: الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو يا ظالم يا من لا يخاف الله فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء، قال: والذي أراه المنع من ذلك، لأن المقصود إزالة المنكر، وحمل السلطان بالانبساط عليه على فعل المنكر أكثر من فعل المنكر الذي قصد إزالته، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول وعصاه.
فأما ما جرى للسلف من التعرض لأمرائهم فإنهم كانوا يهابون العلماء فإذا انبسطوا عليهم احتملوهم في الأغلب.