السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
من الخطأ أن نظن أن الطفل الصغير لا يفرِّق بين الكذب والصدق، فالطفل يولد على الفطرة، ولكنه يتعلّم الكذب أو الصدق من البيئة المحيطة به. فالكذب صفة مكتسبة، وعادة ما يكون عرضاً ظاهرياً لدوافع نفسية تجيش في نفس الطفل.
فالطفل الذي يأمره والده أن يجيب في الهاتف بأنّه غير موجود، أو الأم التي تطلب من ابنتها أن تجيب عنها جارتها بأنّها غير موجودة كي تتخلص من زيارة جارتها لها، هذا الطفل أو الطفلة يصعب عليهما تعلم الصدق وتجنب الكذب في المستقبل، ولا يجوز أن نكذب أمام الطفل بدعوى أنّها "كذبة بيضاء"، ولنقرأ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتوجيهه، يقول عبدالله بن عامر رضي الله عنه: "دعتني أمي يوماً ورسول الله صلّى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: تمرة، فقال: "أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة" (رواه أبو داود).
لماذا يكذب الأطفال؟
ينبغي في البداية التأكيد على أنّ هناك نوعاً من الكذب يسمى "الكذب الخيالي"، ولا نستطيع أن نصفه بالكذب، وهو ما قد يشاهد عند الأطفال الصغار في سنِّ الرابعة مثلاً، فإذا جاء طفل في الرابعة من عمره بقصة من نسج خياله، فلا يصح أن نعتبرها كذباً، فالطفل ذو خيال خصب، وهو في تلك السن لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال، وكلّما زاد سنُّه استطاع أن يفرِّق بين الحقيقة والخيال، ويتلاشى هذا النوع من الكذب.
وقد يكذب الطفل هرباً من العقاب، أو قد يكذب عدواناً على أخيه الأصغر؛ لأنّه يغار منه، فيتهمه بأنّه هو الذي كسر الأشياء أو أتلف المذياع، وسبب ذلك الكذب التفرقة في المعاملة بين الأخوين.
وقد يكذب الطفل مازحاً مع أصدقائه بغية الفكاهة، وهو لا يعلم حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه البيهقي: "أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً"، وما رواه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "ويلٌ للذي يحدِّث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له".
وقد يكذب الطفل الذي يشعر بالنقص كي يستدرَّ عطف المحيطين به، فقد يدَّعي أنه مريض؛ لأنه لا يريد الذهاب إلى المدرسة، وهنا ينبغي التأكد من صدقه أو كذبه.
سبـل العـلاج
ينبغي التعرُّف أولاً على الدوافع التي تكمن خلف الكذب، فيؤخذ الطفل بالرفق واللين إذا كذب وهو دون الرابعة من العمر، ونعلِّمه الفرق بين الخيال والواقع.
وإذا كان فوق الرابعة من العمر، فنحدثه عن الصدق وأهميته دون إكراه أو ضغط، نشعره بالعطف والمحبة، ونشجع فيه الثقة بالنفس، ونبصِّره بأهمية الأمانة والصدق فيما يقوله ويفعله.
نعلِّمه أن الكذب والإيمان لا يلتقيان، فحينما سئل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - "أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، أيكون المؤمن كذَّاباً؟ قال: لا". وأنّ الكذب صغيراً كان أم كبيراً هو كذب واحد، فعن أسماء بنت يزيد قالت: يارسول الله، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه، لا أشتهيه، أيعدُّ ذلك كذباً؟ قال: "إنّ الكذب يكتب كذباً، حتى تكتب الكذيبة كذيبة" (رواه مسلم).
ونشرح له الحصاد الطيب للصدق من خلال حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عليكم بالصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البرِّ، والبرُّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّاباً" (رواه مسلم).
ومن أخطر الأمور أن يعترف الطفل بخطئه ثمّ نعاقبه بعد اعترافه، فكأننا نعاقبه على الصدق، وندفع الطفل دفعاً إلى الكذب.
ذكِّر طفلك بقصة عبدالله بن عمر رضي الله عنه والغلام: كان ابن عمر في سفر فرأى غلاماً يرعى غنماً، فقال له: تبيع من هذه الغنم واحدة؟ فقال: إنّها ليست لي، فقال: قُل لصاحبها إنّ الذئب أخذ منها واحدة، فقال العبد: فأين الله؟
وفي الأخير تقبلوا تحياتي
ودمتم