الانتظار في «مواقع هامشية» لا يغري بالمنافسة مستقبلاً
عمل المرأة من المنزل.. «العوائق أكثر من التحصيل»!
مشروع العمل من المنزل يفتح المجال لإبراز القدرات النسائية
خميس مشيط، تحقيق- نسرين عسيري
يتطلع عدد كبير من السيدات إلى حراك اقتصادي منظم يبرز الصورة الحقيقية لدور المستثمرات من المنزل في عملية التنمية، ومشاركتهن بأنفسهن في صياغة الأنظمة والسياسات المتعلقة بمستقبلهن الاقتصادي.
ورغم تطلعاتهن الكبيرة، إلاّ أنهن يخشين من أن تصبح الأنظمة المتعلقة برخص العمل من المنزل عراقيل تستنفد طاقاتهن، وتشتتهن عن العمل، بل وتعيق حركة نشاطاتهن الاقتصادية، من خلال فرض الرسوم عليهن، الأمر الذي من الممكن أن يساهم في إرهاق ميزانياتهن، وتعيد قصص أصحاب المشروعات الصغيرة في تعثرها قبل تأسيسها.
«الرياض» تطرح الموضوع وتتساءل: إذا ما كان الاتجاه إلى تنظيم وترخيص مشروع «العمل من المنزل» يسهم في تحضير بيئة الأعمال المحلية لتقديم الدعم لمشاركة المرأة في الاقتصاد كما يصرح له المشروع الوطني؟، أم سيكون جداراً صلباً يعيق تقدم المرأة للمشاركة في تنمية وطنها، ونسخة شبيهة ب»بيروقراطية» أنظمة الإجراءات الحكومية في استخراج التراخيص؟، والتي تتعالى حالياً لها الصيحات الوطنية مطالبة بتبسيطها، وإزالة العوائق لتوفير بيئة استثمارية جاذبة.
مواجهة التحديات
تتمتع صاحبات المشروعات الصغيرة بالاعتماد على الذات في إدارة مواردهن المالية بأنفسهن، وبدون وصاية سالبة لحريتهن الشخصية والمالية، يعملن لحساباتهن الشخصية، ويملكن قدرات عالية في إظهار وتطوير هواياتهن ومواهبهن واستغلالها في منتجات ذات جدوى اقتصادية، وهي جميعها محصلة «نضالات» قاسية خاضتها المرأة كي تصل إلى ما وصلت إليه، فعلى خلفية الحقائق التي يؤكدها الواقع المعاش، تواجه المرأة العاملة من المنزل تحديات منها الاحتياجات الاقتصادية للأسرة، والتي قد تعقدت بسبب كثرة متطلبات الحياة الحديثة، ويبدو أن ما يقلقها إضافة جبهة صراع أخرى تتمثل في تعقيدات قطاع الأعمال، وما قد ينجم عن صدور رخص المشروع من مواجهة «بيروقراطية» الأنظمة في استخراج التراخيص ومزاولة النشاط.
عوائد مجزية
في البداية قالت «موزة الشهري» -صاحبة عمل من المنزل-: من إيجابيات التوجه إلى تنظيم أنشطة العمل من المنزل وفق ضوابط وإصدار تراخيص تجارية، هو أن ذلك يسهم في القضاء على خجل الكثير من النساء، ويرسخ عندهن قناعة أن العمل من المنزل لم يعد من نصيب الفئات الهامشية في المجتمع، مضيفةً أنه إذا ما تم وضع اعتبار لمصالح السيدات العاملات، والمتمثلة في تبسيط الإجراءات التي تطور حركة نشاطهن، فإن الفائدة ستعم أكبر شريحة ممكنة من المجتمع، موضحةً أن مشروعات نسائية من داخل المنازل أثبتت نجاحها، بل وحققت عوائد مجزية للمستثمرات، أصبحت الآن بحاجة حقيقية إلى امتيازات وتشريع أنظمة تدعم التطوير، مشيرةً إلى أن بعض الأنشطة تحتاج إلى عاملات مع المستثمرة في المنزل، في إطار الرخص الصادرة عن المشروع الوطني للعمل من المنزل، باستقدام عمالة تكون على كفالة صاحبة المشروع.
تخوفات من تحول «أنظمة الترخيص» إلى عراقيل تستنفد الطاقات وتؤدي إلى الفشل!
رسوم رمزية
وتحدثت «فاطمة مفرح» عن تجربتها وصديقاتها قائلةً: إن عدم وجود مقر لترويج العمل، وكذلك عدم وجود فرصة لهن للتعرف على سيدات الأعمال، إلى جانب نقص البرامج التأهيلية التي تساعد السيدات في إنشاء عمل تجاري يدار من المنزل، أدى إلى عدم استمرارية عملهن، وعن تطلعاتهن حول التوجه إلى إصدار رخص عمل من المنزل، أوضحت أنه ينبغي أن يراعى في حال فرض الرسوم أن تكون رمزية، في مقابل تأسيس «حاضنات أعمال» للإنتاج المنزلي، مع توفير نوافذ تسويق لها، بالإضافة إلى الترويج الجاد الذي لا يقتصر على إعداد دليل تجاري لشباب الأعمال وإنشاء موقع إلكتروني، وإنما تشجيع التعاملات التجارية بين العاملات من المنزل وبين كبار الشركات الوطنية، خاصةً التي ترتكز الكثير من عناصر قوتها واستمرارها على منتجات العمل من المنزل.
تبسيط الإجراءات
وذكرت «رحمة الغامدي» أنه من خلال تجربتها الشخصية، عرفت الكثير من السيدات اللاتي تراجعن عن خوض تجربة العمل التجاري؛ بسبب سلسلة الإجراءات الطويلة التي تعترض عملهن، مطالبةً أن يساهم المشروع الوطني في تسليط الضوء على الإجراءات الحكومية ذات العلاقة، مقترحةً إيجاد «نظام النافذة الواحدة» لكافة متطلبات تأسيس المشروع، حيث تنسق إدارة المشروع مع الجهات المعنية في تمكين صاحبات المشروعات المنزلية من انجاز إجراءاتهن الرسمية عن طريق الشبكة الالكترونية.
عمل يدوي مميز ينتظر التشجيع مستقبلاً
مميزات مهمة
وعن المكتسبات التي ينبغي أن تساهم بها عملية إصدار التراخيص في تقدم استثمار العاملات من المنزل، قالت «نالة الهداف»: ينبغي أن تتلقى الرخص الممنوحة للعاملات من المنزل مميزات مساوية لتلك الممنوحة للرخص الأخرى، مشددةً على أهمية السماح للمرخص لها في إطار المشروع بممارسة الاستيراد والتصدير، والممارسات التجارية الاعتبارية الأخرى، كما هو الحال في الرخص العادية، وأن لا تقل فترة الترخيص عن خمس سنوات، ولصاحبة الترخيص مطلق الحرية في تحديد رأس المال الخاص بمشروعها.
خطوط حمراء
أما عن قائمة المحظورات والخطوط الحمراء التي قد تمثل جدارا صلبا في تقدم المشروع لو فرضتها اشتراطات ترخيص العمل من المنزل، أوضحت «غالية الصالح» أنه لا ينبغي في اشتراطات استخراج الترخيص ان يوضع شرط ملكية المنزل عائقا أمام المستثمرة، مع السماح بتقدم أكثر من فرد من القاطنين في منزل واحد للحصول على ترخيص، كأن تتقدم الأم للحصول على ترخيص، وجميع بناتها طالما أنهن يقفن على إدارة مشروعاتهن بأنفسهن، ولا يحظر عليهن توظيف الراغبات بالعمل من غير أقاربهن لمساعدتهن في تأدية مهامهن، وأن لا يمنع وضع لوحة عند مدخل المنزل تبين الاسم التجاري للترخيص أو لوحات دعائية.
تحسين الدخل
وقالت المعلمة «جميلة عبد الله»: ينبغي ألا تحرم الموظفات الحكوميات من اصدار الرخصة، هن أيضاً يملكن مواهب تؤهلهن إلى استثمارها، بالإضافة إلى حاجتهن إلى تحسين دخلهن استجابة لمعطيات ظروف الحياة الاقتصادية والتي تعقدت كثيراً، مشيرةً إلى أنه في نهاية الأمر هن مواطنات بحصولهن على ترخيص بمزاولة نشاط تجارى منزلي، يتوسع أفاقهن المعرفية والمهارية، وسيتم ضمهن ضمن كوكبة المشاركات في تنمية الاقتصاد الوطني.
جدير بالتشجيع
وتشاركنا الأستاذة «عالية السهلي» -الاستشارية في تنمية الموارد البشرية- برأيها قائلةً: إن تشجيع تحركات السيدات على تصعيد مطالبها الاقتصادية، ينم عن حراك اقتصادي منظم يستحق التشجيع والدعم، من أجل الاستمرارية ومن أجل التراكم المعرفي، حيث تتلاقى الأفكار وتتلاقح الرؤى ويستفاد من تجارب العالم من حولنا في تهيئة بيئة الأعمال المناسبة لامتصاص ابداعاتهن واستثمارها فيما يعود عليهن باستثمار قدراتهن، مضافةً إلى الناتج الوطني، على اعتبار أن العاملين من المنزل قوى عاملة ساهموا في توظيف ذاتهم، إضافةً إلى الاستفادة من قدرات آخرين يعملون إلى جانبهم، موضحةً أن العمل من المنزل في البلاد الغربية يضاف إلى الناتج القومي للبلد؛ لأنه يقام وفق إجراءات وتحكمه لوائح وأنظمة ويتم رصده من خلال الإحصائيات، مؤكدةً على أن هناك قراراً وزارياً من مجلس الوزراء في المملكة طالب بتفعيل العمل عن بعد وترجمته الفعلية سواء في مشروعات تجارية أو وظيفية.
زرع الثقة
وأضافت أن مشاركة المواطنات أنفسهن في صياغة الأنظمة والسياسات المتعلقة بمستقبلهن الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، يعد من العوامل الإيجابية المهمة في زرع الثقة في قدراتهن على المساهمة الفاعلة، إلى جانب توسيع نطاقهن لتشكل بدورها الأرضية المناسبة لتقليص العوائق، مع تعزيز التعاون فيما بينهن وبين صناع القرار، مشددةً على ضرورة تبني تبسيط إجراءات إصدار تراخيص العمل من المنزل، معتبرةً أن التعقيدات الحكومية هي أكثر ما يعوق أصحاب المشروعات البسيطة والمتوسطة بالوضع الراهن، وهي السبب الرئيس في إغلاق الكثير منها قبل أن تكمل عاماً واحداً، ذاكرةً أن المسألة تتطلب ثقافة قانونية صارمة لمساعدة المرأة في تطوير التجارة من المنزل أو المتجر أو غيرهما مع حفظ حقوقها.
بيئة أعمال مناسبة
وعن متطلبات توفير البيئة المناسبة التي من شأنها تعزيز انخراط المرأة في دورة الإنتاج من خلال العمل من المنزل، قالت: تتمثل في تكامل المنظمات النسائية التي تزيل من أمامها العقبات التي تحول دون قيامها بالعمل، وكذلك تحضير بيئة الأعمال التسويقية، بتوفير قنوات التسويق المناسبة الدعم ذات الحاجة لمخرجات العمل من المنازل، بالإضافة إلى توفير فرص العمل والمشاركة لأعلى نسبة ممكنة من النساء ممن يرغبن في أداء مثل تلك الأعمال أو إدارتها، إلى جانب التنسيق مع سيدات ورجال الأعمال لاحتضان المشروعات الصغيرة ضمن أنشطتهم، مع تسويق منتجات المشروعات داخل المملكة وخارجها، وتنظيم مسابقات لأفضل المشروعات الصغيرة وعرض التجارب الناجحة.
استحواذ ودمج
وأوضحت أنه من المتطلبات أيضاً تشجيع وتحفيز بناء مؤسسات الرأسمال المخاطر التي تقوم على تشجيع سياسات الاستحواذ والدمج، وهما أكثر الأدوات التي تحتاجها مؤسسات العمل من المنزل، نظراً إلى صغر حجمها، وصغر رأس مالها، وضعف قدراتها التسويقية، وحاجتها إلى تخفيض التكاليف التي يقوم عليها تأسيس المشروعات البسيطة، داعيةً إلى تحسين صياغة الأهداف التي تعمل بها المؤسسات النسائية وتضمينها بالاستفادة من ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات، لقدرتها على خلق ظروف إيجابية، تعالج محدودية مساهمة المرأة في الإنتاج الاقتصادي.
ضعف الأهداف
وأكدت على أن ضعف الأهداف التي تناضل من أجل تحقيقها المؤسسات النسائية، تؤدي إلى استمرارية المرأة في مواقع إنتاجية هامشية لا تفي بالتطلعات التي من شأنها أن ترسخ المكانة العالية التي تستحق أن تتبوأها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو وضعها في خانة اقتصادية وإنتاجية صحيحة، مبينةً أن هناك إغفالا شديدا لتلك الأهداف ذات الطابع الاستراتيجي التي تدعم ذلك النوع من العمل غير التقليدي والقائم أساساً على إسهامات ثورة الاتصالات وتقنيات المعلومات، مثل الأعمال ذات العلاقة بصناعة الخدمات المعرفية وصناعة البرمجيات، والتي تعد من منتجات العمل المنزلي ذات الملكية الفكرية الباهظة الثمن، والمولدة لقيمة مضافة عالية حسب قوانين الاقتصاد المعرفي والتي تشكل بعداً مصيرياً لواقع المرأة.
http://www.alriyadh.com/2011/08/09/article657533.html