بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما نتصفح تاريخ اللاعبين العرب الذين تركوا بصمتهم واضحة في الملاعب الرياضية بأوروبا نجد حرجا كبيرا في استعراض العدد الضئيل جدا من هؤلاء. فعلى مر ما لا يقل عن سبعين سنة لم يبرز سوى لاعبين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
ويبقى الجزائري رابح ماجر أبرزهم بالنظر الى انجازاته مع فريق بورتو البرتغالي في نهاية فترة الثمانينات التي توجها بالحصول على كأس الأندية الأوروبية البطلة سنة 1987 بتسجيله لهدف يعد الى اليوم من أفضل الأهداف العالمية على مر الزمن.
لكن في المقابل فشل عدد كبير جدا من اللاعبين في نحت مسيرة موفقة غداة احترافهم في أوروبا وبقي النجاح محدودا، إن كان هناك نجاح أصلا.
والى يومنا هذا ما نزال كعرب ننتظر بزوع نجم عربي جديد يغنينا عن الوقوف على أطلال الماضي ويؤكد أن البلاد العربية قادرة على انجاب ابطال بارزين.
هذا التاريخ يجعلنا نقف عند مقارفة ولئن يعرفها الجميع إلا أنها تظل عجيبة وغريبة. فالملاعب الأوروبية تعج بالنجوم الافريقية والأندية العالمية الكبرى لا يكاد يخلو فريق منها من لاعبين أفارقة ويمكن الاستدلال في ذلك بأندية برشلونة وريال مدريد وتشيلسي وأرسنال وبايرن ميونيخ التي تضم لاعبين من افريقيا السوداء صنعوا لها المجد وخاصة خلال السنوات الماضية. لكن أين العرب من كل هذا (وثلثاهم على الأقل أفارقة أيضا)؟ ما الذي يصنع الفارق بين لاعب عربي وآخر افريقي ينتميان الى بيئة متشابهة كثيرا؟
تشير بعض الاحصائيات التي قامت بها مؤسسات رياضية مختصة أن الحضور الأميركي اللاتيني في البلدان الأوروبية (بين لاعبي كرة القدم على سبيل المثال) يعد الأبرز يأتي بعد ذلك الحضور الافريقي وفي المركز الأخير يأتي لاعبو الشرق الأوسط وشمال افريقيا ثم بلدان الخليج التي لا تصدر سوى عدد قليل جدا من اللاعبين الىِ أوروبا.
ويمكن القول أن تجربة احتراف لاعبينا في أوروبا تظل فاشلة نسبيا رغم وفرة عدد اللاعبين الذين ينشطون في غالب الأحيان ضمن أندية من الصف الثالث أو الرابع.
وكثير من لاعبينا لا يحسنون استغلال الفرص الذهبية التي تتاح اليهم عندما يتم انتدابهم من قبل أندية لها سمعة جيدة في أوروبا فيكون مصيرهم الفشل في نهاية المطاف.
من المعروف أن كرة القدم الحديثة تعتمد في مجملها على الجمع بين المهارات الفردية العالية والمهارات الفنية وكذلك اللياقة البدنية. ولعل الأندية الأوروبية تفطنت خلال العقود الثلاث الأخيرة أن اللاعب الافريقي أصبح يتمتع به بهذه المواصفات مجتمعة.
فهذا اللاعب تمكن بفضل التدريب الجيد والاجتهاد المتواصل والانفتاح على كرة القدم الأوروبية من صقل موهبته التي كانت ترتكز في السابق على القوة البدنية فحسب مما أتاح له كل الامكانات من أجل البروز وانتزاع مكان ضمن أعتى الأندية العالمية.
وعلى العكس فان البنية الجسدية للاعبي كرة القدم في وطننا العربي والرياضيين ككل تشبه الى حد ما بنية رياضيي أوروبا لكن مهارة اللاعب الأوروبي تفوق بكثير ما هو متوفر في لاعبينا.
ورغم ذلك لم يقدر اللاعب العربي رغم مواكبته لتطور كرة القدم من الاستفادة من اطلاعه على ما يحصل في أوروبا ولم يكلف نفسه عناء البذل والاجتهاد واستغلال الفرص التي تتاح له كلما وقع ضمه لأندية صغيرة تكون بوابة التألق، وبالتالي الالتحاق بفرق أقوى وأقوى.
إذن فلاعبنا العربي يرفض التطور والتضحية بل هاجسه الأول هو جمع الأموال عند ابرام عقود احترافية والاتجاه الى التمتع بملذات أوروبا دون التفكير في مشواره الراياضي قصير وأن الفرصة التي تتاح له أمامه مرة لن تتكرر مرة ثانية، وكم من لاعب عربي تنبأ له العديد بنحت مسيرة باهرة لكنه فشل وانتهت مغامرته الاحترافية بسرعة كبيرة نتيجة غياب الوعي وقلة الانضباط ومما لا شك فيه أن عيوب كرة القدم العربية وما تخلف لدى لاعبينا من رواسب سلبية تظل أيضا من العوائق التي تحرم هؤلاء اللاعبين من التألق الخارجي عكس اللاعب الافريقي الذي يسافر نحو أوروبا وكأنه في مهمة وطنية واجبه أن يمنح الشرف لبلاده.
لعل القيام بهذه المقارنة البسيطة أريد به في المقام الأول البحث عن أسباب هذا الاخفاق المتواصل الذي يرافق لاعبينا كلما توجهوا للاحتراف بأوروبا مقارنة باللاعبين الأفارقة. لكن بالمقابل يظل هاجسنا فتح الطريق السوي أمام رياضيينا من اجل اثبات جدارتهم وتثبيت أقدامهم في تجاربهم الاحترافية.
ولعل من القواعد الأساسية الأولى هي تغيير عقلية الكسل والانعتاق من بؤرة "الحنين الى الوطن".
النجاح في الرياضة هو الوطن الأول. ومن دون هذا النجاح (الفردي)، فان الوطن الأم يظل فقيرا بالمواهب والقدرات ولا يستطيع أن يفخر بانجازات أبنائه.
اللاعب الافريقي لا يفوق لاعبينا في شيء ولكن الأول حدد هدفه قبل تحوله الى أوروبا ووضع لنفسه برنامجا قاسيا يخول له نحت مسيرة احترافية، من اجل أن ينجح، فيثري نفسه ويثري وطنه.
م/