بسم الله الرحمن الرحيم
نحن أمة لم يكلفنا الله بمعرفة شخص المهدي قبل خروجه
مركز الدراسات والبحوث الإسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :-
يظن كثير من الناس أن دولة الإسلام لن تقوم لها قائمة إلا بظهور المهدي ،
فتواكلوا عن العمل ، ورفعوا أيديهم بالدعاء أن يعجل الله ظهوره وتلقفوا كل
حديث ورد فيه ذكر المهدي ليرفعوا به إيمانهم بالنصر فصار مدار دينهم على تلك
الأمنيات وتركوا العمل وانتظروا الخلاص كما ينتظره الرافضة أو النصارى ،
وبعضهم لما رأى تواكل الناس عن العمل أنكر ظهور المهدي ليحث الناس على
العمل من خلال هذا الإنكار ، وآخرون أنكروا عقيدة المهدي لما رأوا أنها
استغلت استغلالاً بشعاً من بعض الجهلة الأدعياء ، فحاولوا طمس هذه العقيدة
وإزالتها من قلوب الناس ، ليردعوا من تسول له نفسه من هؤلاء الأدعياء أن
يدعي أنه المهدي .
وأياً كان الدافع لكل فئة من الفئات السابقة ، فقد انحرفوا عن جادة الصواب
بإنكار عقيدة ثابتة بالأحاديث الصحيحة ، بل نقل تواترها الكثير من أهل العلم ،
والذين لم ينكروا هذه العقيدة وقعوا في تلقف الزيادات والموضوعات في هذا
الباب التي لا تثبت فبنوا دينهم على مالم يصح فأصبح دينهم أوهن من بيت
العنكبوت .
ولعل سبب كثرة افتتان الناس بالمهدي وادعاء كثير منهم بأنه هو ، ناتج عن
أمرين – والعلم عند الله – :
الأمر الأول :
حالة الضعف الشديدة التي يعاني منها المسلمون مع تسلط الأعداء عليهم مما
يجعل كثير منهم ينتظر مخلصاً لهم من هذا البلاء .
والأمر الثاني :
التصديق بالمنامات والتوهمات .
ولعل الذي جر إلى كل ذلك هو ما ابتليت به الأمة من رواج الأحاديث الضعيفة
والموضوعة في باب المهدي ، فلا يكاد أحد يسمع بحديث من هذه الأحاديث إلا
ويبادر بتصديقه والدعوة إليه قبل أن يتحقق من صحته .
والواجب على المسلم أن يعبد الله على بصيرة ، ولا يكون ذلك إلا بتلقي العلم
الصحيح من أهله ومصادره ، وأول ذلك أن لا يعمل بحديث إلا إذا تيقن صحته
وأفرغ جهده في تحري ذلك ، وإن أخطر ما ينتج عن العمل بالأحاديث الضعيفة
هو الابتداع في دين الله ، وتشريع ما لم يأذن به الله أو التحليل والتحريم بباطل
من القول وزورا ، ونقف مع باب خروج المهدي وقفات : -
أولاً : أحاديث خروج المهدي الذي هو من أبناء الحسن بن علي خلافاً لمهدي
الرافضة المزعوم أو مهدي القرامطة الباطنية قد بلغت حد التواتر ، وحتى لا أطيل
بسردها أنقل كلاماً لبعض الأئمة تبين منزلتها .
قال الإمام الشوكاني في كتابه ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي
المنتظر والدجال والمسيح ) ، قال " الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن
الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر ،
وهي متواترة بلا شك ولا شبهة .. ، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها
على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة
بالمهدي فهي كثيرة أيضاً ، لها حكم الرفع ، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل
ذلك " انتهى .
قال السفاريني في كتابه ( لوائح الأنوار ) " وقد كثرت الروايات بخروجه –
يعني المهدي – حتى بلغت حد التواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السنة
حتى عُد من معتقداتهم .. " انتهى .
قال صديق حسن خان في كتابه ( الإذاعة ) " لا شك أن المهدي يخرج في آخر
الزمان لما تواتر من الأخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الأمة خلفاً عن سلف ،
إلا من لا يعتد بخلافه .. إلى أن قال .. لا معنى للريب في أمر الفاطمي الموعود
المنتظر المدلول عليه بالأدلة بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص
المستفضية المشهورة البالغة إلى حد التواتر " انتهى
ثانياً : والحق في كثير من أحاديث المهدي أنها ضعيفة لا تقوم بها حجة وأصح
ما ورد من أوصافه التي تهمنا في هذا البحث ، أنه رجل من بيت النبي وعترته
وهو من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما لحديث علي بن أبي طالب قال (
إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم
نبيكم شبهه في الخُلُق و لا يشبه في الخلق ، يملأ الأرض قسطاً ) ، وأن اسمه
يواطئ اسم الرسول واسم أبيه اسم أبي الرسول ومنها أن خُلقه يشبه خُلق
النبي ، ومنها أنه أشم الأنف أقنى أجلى ، هذا ما صح من أماراته التي يعرف
بها إذا خرج ، واتفق العلماء على أنه إذا خرج لا يختلف عليه اثنان ولا يشتبه
أمره على أحد من الأمة ، بل هو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ولا
يحتاج إثباته إلى دعاة ولا معرفين بل يعرفه كل أحد فمثله يعرفه الناس كما
يعرفون عيسى ابن مريم إذا نزل في آخر الزمان ، فأمره إذا خرج واضح والله
مظهر دينه ولو كره الكافرون .
ثالثاً : إن الذي يثير هذه القضايا ويعيد تكلف البحث فيها بغير مستند شرعي هو
أحد ثلاثة أشخاص لا رابع لهم .
إما أن يكون قليل الديانة ويعبد الله ومستنده الابتداع وليس الاتباع ، إذ لو كان
من أهل الديانة لوسعه ما وسع صحابة رسول الله وسلفنا الصالح ، ولم يتكلف
ما لم يحث رسول الله ولا صحابته ولا سلفنا الصالح من تكلف العلم به والبحث
عنه ، فهذا الذي يدندن حول هذه الأمور ومستنده قيل وقال ليس له من الاتباع
حظ إلا كمدخل أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع .
وإما أن يكون عنده شيء من الديانة ولكنه أصابه اليأس في إصلاح الواقع
العالمي المر الشديد الضنك على المسلمين فلم يجد سبيلاً للخروج من هذا الواقع
إلا الدعوة لخروج المهدي والتعجيل به لإنقاذ الأمة مما هي فيه ، وسلك سبيل
أهل الضلال من متصوفة ورافضة وغيرهم .
وإما أن يكون رجلاً مغرضاً يدس ضد الجهاد والمجاهدين مثل هذه الخرافات التي
ليس له مستند لإثباته ، ليعمل بذلك على تنفير المسلمين إما من أشخاص
المجاهدين أو قضايا الجهاد ليثبت لهم بأنها قائمة على توهمات وخرافات .
رابعاً : وأول الرد على أكثر من ادعى المهدية في هذا الزمن أنهم لا يمتون بصلة
إلى قريش فضلاً عن أبناء الحسن الذي يخرج من نسله مهدي أمة محمد ،
وعندما سمع أحد الجهال أو اليائسين أو المغرضين هذا الرد قال ليس شرطاً أن
يعرف المهدي نسبه فربما يكون هو المهدي ولكنه لا يعرف نسبه ، فأقول له لو
أن الأمارة تمتنع عن الظهور في صاحبها لما سميت أمارة ولأصبح وصف
الرسول بها المهدي نوع من العبث الذي ينزه الشارع عن مثله ، فبالجهل تظهر
العجائب وياسبحان الله !! ، إضافة إلى أن هذا تشكيك بأنساب الناس لا يمكن
أن تقره الشريعة .
خامساً : بين الرسول أن المهدي له أوصاف منها أن يكون أشم الأنف أقنى
أجلى ، ومعنى هذه الأوصاف
قال جوهري ( الأشم ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه ، فإن كان فيها
احديداب فهو القنى ) ، وقال ابن منظور في لسان العرب " الشمم في الأنف :
ارتفاع القصبة وحسنها واستواء أعلاها وانتصاب الأرنبة ، وقيل : إن الشمم أن
يطول الأنف ويدق وتسيل روثته " .
أما الأقنى : فهو المحدودب الأنف ، قال الجوهري القني احديداب في الأنف ،
وقال ابن الأثير : القني في الأنف طوله ورقة أرنبة مع حدب في وسطه ، وقال
ابن منظور في لسان العرب القني : مصدر قنى من الأنوف ، وهو ارتفاع في
أعلاه بين القصبة والمارن من غير قبح " ، قال ابن سيده والقني : ارتفاع في
أعلى الأنف ، واحديداب في وسطه وسبوغ في طرفه ، وقيل : هو نتوء وسط
القصبة وإشارفه وضيق المنخرين " .
وأما الأجلى : فهو الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه ، قال الجوهري " الجلاء :
انحسار الشعر عن مقدم الرأس ، قال الفراء : اشتقاقة من الجلاء وهو ابتداء
الصلع ، إذا ذهب شعر الرأس إلى نصفه ، قال أبو علي القالي : الأنزع الذي قد
انحسر الشعر عن جانبي جبهته ، فإذا زاد قليلاً فهو أجلح ، فإذا بلغ النصف ،
فهو أجلى ، ثم هو أجله .
وكل هذه الأوصاف لا ينطبق منها شيء على كل من ادعى المهدية ، بل إن
بينهم وبينها كما بين المشرق والمغرب .
سادساً : إذا بطل الوصف بالنسب وبطل الوصف بالخَلق ، يبقى الوصف بالاسم
وهذا يشترك فيه عشرات الآلاف من المسلمين ، فهل كلهم مهديون ؟ لا شك أن
هذا باطل عقلاً ومن السفه أن يطلق على كل من شابه وصف الاسم بالمهدي .
سابعاً : ثم لو سلمنا جدلاً تطابق الأوصاف كلها على شخص ما فهل نحن مكلفون
بأن ننزل الأوصاف عليه ونطلق عليه اسم المهدي أو نأخذ له البيعة قبل ظهوره
؟ بالتأكيد أن الرسول لم يبن ذلك لنا من خلال ما ثبت من أحاديث المهدي ، بل
إنه قطع الطريق على بعض الجهلة أو اليائسين أو المغرضين وبين أن المهدي
كما جاء عند أحمد وغيره أنه لا يهديه الله إلا في ليلة ، قال ابن كثير في
النهاية " أي يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك " والصحيح
أنه يُهدى لهذا الأمر وطريقة القيام به ، ومعنى ذلك أنه لا يعلم هو من نفسه أنه
يصلح للخلافة وقيادة الأمة إلا في الليلة التي تسبق مبايعته ، فكيف يعرف ذلك
البعيدون عنه ؟ .
ثامناً : من خلال الحديث السابق وما في معناه يتضح أنه لا فائدة من العبث
بالنصوص والبحث عن المهدي قبل أن يقدر الله له الظهور وذلك قبل مبايعته بليلة
، إذ لو أن هناك أدنى مصلحة دينية أو دنيوية تترتب على معرفته قبل ظهوره
للبيعة لبين الشارع ذلك لنا خير بيان وأوضحه أعظم إيضاح ، وبما أن معرفته
قبل ظهوره أهملت في الأحاديث التي صحت فيه ، نستنتج من ذلك أنه لا فائدة
للأمة من البحث عنه وتكلف ذلك حتى يظهر الله أمره ويقدر له الأقدار ليمكن له
في الأرض .
تاسعاً : إن كثرة الحديث عن بعض أشراط الساعة التي لا تعود على المكلف
بعمل ظاهر ينفعه في الدنيا والآخرة ، من الأفضل بأن نذكرها بشرط أن لا تعدو
أن تكون مغيبات نؤمن بها ونصدق بها جملة وما صح من تفصيلها ، أما الحديث
عنها بتفصيل غير ثابت ومحاولة استعجالها وتطبيق عملي لإنزال النصوص
والتكلف لتطبيقها على الواقع أمر مذموم شرعاً ، لأن فيه نوع من القول على
الله بغير علم ، وفيه التشديد على المسلمين والتضييق عليهم بما وسعه الله ،
وهو لي لأعناق النصوص لتوافق بعض تفصيلات الوقائع بما جاء من أشراط
الساعة ، وهو فوق كل ذلك إحداث لفتن لا شك أن المسلمين في غنى عنها
وخاصة قضية المهدي التي تعد من أكثر الأشراط التي أحدثت في الأمة فرقة
وفتنة رغم أن الشارع لم يكلفنا بها عملياً قبل ظهورها ، فقضية المهدي والبحث
عنه قبل خروجه وقضية سد يأجوج ومأجوج والدير الذي قيد فيه المسيح
الدجال أو الجزيرة التي هو فيها ومعه الجساسة ، أو مكان خروج الدابة أو من
هو ذو السويقتين الذي يهدم الكعبة ، وغيرها من الأمور كل ذلك لا فائدة من
معرفة مكانه الآن أو تفاصيله التي لم تذكر لنا في النصوص ، لأننا سواءً عرفنا
أو لم نعرف مكان هذه الأشراط ، أو أبصرنا أشخاصها أو لم نبصرهم ، كل ذلك
لا يؤخر خروجها ولا يقدمه ، ولا يقلل من آثارها على الأمة ولا يزيد من نفعها
للأمة ، فإذا كان ذلك الحال فلماذا التكلف والبحث عن مثل هذه الأمور وتفريق
الأمة بسببها وإدخال الأمة في مضايق وفرق يكفينا ما نحن فيه الآن ؟ ، ولنا
قول الرسول كما في مسلم لعمر عندما أراد أن يقتل ابن صائد خشية أن
يكون المسيح الدجال فقال له الرسول ( إن يكن هو فلن تسلط عليه ) ، فالبحث
عن الأشراط قبل خروجها وتكلف معرفة أشخاصها لن يؤثر في حصولها ولن
يقدم ولن ينفع المكلف في الدنيا ولا في الآخرة لم يكن من هدي النبي لا
صحابته ولا سلف هذه الأمة البحث عن ذلك ، فلسنا ممن كلف بهذا شرعاً بل علينا
الإيمان بما صح من النصوص فيها جملة وتفصيلاً أما إنزالها على الواقع وتكلف
ذلك فلا حاجة لنا به ، ويسعنا ما وسع سلفنا الصالح .
يتبع