كنت في بيروت عندما حاصرها جيش العدو الاسرائيلي بكامل أسلحته البرية والبحرية والجوية في عام 82 ، قاومت بيروت الغربية ( في مساحة تقل عن 10 كيلو متر مربع ) لمدة ثلاثة اشهر تحت قصف نيران لم تشهده حتى مدينة (هوشي منه )الفيتنامية ( سايغون سابقا ) كما وصف ذلك ممثل فيتنام الذي كان محاصرا مع المحاصرين في المدينة المحاصرة .
وعادة ما يكرر التاريخ نفسه عندما تتطابق أحداثه وشواهده ، كان مبارك لا يزال في شهر عسل جمهوريته الثالثة بعد اقل من عام على اغتيال السادات ، اما الجامعة العربية المصطافة في موقعها الجديد بتونس ، بعد ان رُحلت من القاهرة ، كانت مجرد ساعي بريد لتمرير مطالب الأمريكيين لياسر عرفات المحاصر بالاستسلام مقابل وقف اسرائيل دك بيروت ، وأبو عمار بدوره كان يتنقل متخفيا بين الأنقاض يقتنص الفرص لبعث رسائل الى اصدقاء أمريكا من العرب من أجل ان يطلبوا من الرئيس ريغان الضغط على اسرائيل لوقف إطلاق نار لعدة ساعات ، لإخلاء القتلى والجرحى وتشغيل محطات ضخ المياه . اما عن الشعوب العربية فكانت انذاك منشغلة بمباريات مونديال روما والانقسام بين من يشجع إيطاليا او غيرها ، عدا عن الانشغال بإعداد مؤائد الإفطار لرمضان .. انها مجرد صدف في الشواهد بين حصار وحصار ، لكنها صدف يكررها التاريخ لأنظمة وأمة لعل وعسى تستخلص الدروس لتدرك ان هذا العدو ليس كأي عدو واجهه اي شعب فهو يريد ان يلغي شعب وينفيه اما بالقتل وشن حروب الإبادة او بالحصار والاعتقال والتهجير .
اسرائيل كيان عدواني استعماري مغتصب لا يفهم غير لغة القوة ، ولا وسيلة لإنهاء الاحتلال غير المقاومة ، لقد ظن العرب في عام 82 انهم اذا ما اجبروا منظمة التحرير على ترحيل مقاتليها من بيروت فان الهدوء والسلام سيعم فور رحيلهم ، وان اسرائيل ستنهي حصارها وتحمل عصاها على كاهلها وترحل . وفي الواقع سارع الجيش الاسرائيلي الى دخول بيروت ، وأول ما أقدم عليه ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا ، كان شارون ( وزير الحرب انذاك ) يراقب بمنظاره من احدى البنايات رجاله وعملائه وهم يبقرون بطون النساء ويذبحون الأطفال ويقتلون كل من يجدوه بدم بارد وامام أعين الوسطاء العرب والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره .
بعد ذلك لم تنسحب اسرائيل من بيروت الى أقصى نقطة في الجنوب لان العرب والأمريكيين أنجزوا اتفاقا لوقف الحرب ، انسحبت بل هرولت مهزومة تحت ضربات المقاومة اللبنانية الشجاعة ، اما المقاتلين الفلسطينيين الذين اجبروا على ركوب السفن الى الموانئ البعيدة عن فلسطين لم يفعلوا ذلك إلا " لأن بيروت ليست مدينة فلسطينية ولو كانت كذلك لما انسحبت ُ أبدا "كما قال ابو عمار. كانت بيروت وأهل بيروت استثناء في عالم عربي استمرئ الذل ، لهم المجد لأنهم انتصروا بالمقاومة على جيش عدو ارتعدت منه الانظمة وتقاعست وتخادلت فلم تنجز بهذا تحرير القدس ولا أنهت احتلالا انما منحت العدو رخصة شن حروبه وقتما وحيثما شاء .
اذكر كل ذلك لأقول لأصحاب مبادرة وقف إطلاق النار في غزة من العرب بان غزة مدينة فلسطينية وأنها تقاوم ليس من اجل وقف النار انما من اجل رفع حصار خانق مستمر منذ 7 سنوات ،تحول فيه القطاع الى سجن كبير . مقاومة القطاع هي من اجل الخروج من ( اوشوفيتز ) اكبر حجما من ذلك الذي أقامه النازيون ، الاحتلال هو المحرقة ، الحصار هو الذي يقتل يوميا .
أعداد الشهداء المتزايد في غزة يجب ان لا يكون وسيلة ضغط عربية على الفلسطينيين لمكافأة اسرائيل على جرائمها بل يجب ان تكون الدماء الزكية عامل تضامن عربي قوي مع المقاومة البطولية بوجه اسرائيل وحليفها الامريكي من اجل حل يسمح لأهل قطاع غزة ان يتنفسوا وان يعيشوا كباقي البشر بلا أنفاق وبلا حصار وإنما ببحر مفتوح ومعبر وميناء ومطار .
الذين يتباكون اليوم على دماء الفلسطينيين تحت زعم حقن الدماء انما يذرفون دموع التماسيح لأنهم في واقع الامر يريدون منح نتنياهو النصر الذي لم يستطع تحقيقه بفعل بطولات المقاومة وصمود شعب القطاع ، وعلى الهامش استغرب لماذا تربط المبادرة المصرية موضوع فتح معبر رفح بقبول حماس لوقف النار ؟ ما دخل نتنياهو بمعبر مصري !.
المصدر صحيفة المقر:http://www.maqar.com/?id=61498&&head...AE%D8%B1%D9%89