قال تعالى
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )الأعراف200
قيل إن هذه الآية هي جامعة لمكارم الأخلاق
فالعفو عمن ظلمك ولا عمن قلل من شأنك وأساء لك مع قدرتك على الرد شجاعة عظيمة ومقاومة لايستشعرها إلا من خاض غمارها واستشعر أغوارها فكم من الناس لا يجدون في أنفسهم تلك الشجاعة ولا يستطيعوا ربط جأشهم وكبح جماح غضبهم على الدفع والرد على الإساءة خاصة ممن تعطيه وجهك ويعطيك قفاه ويذكرك بقولك الشاعر:
نسي الطين ساعة ً أنه طين .. حقير فصال تيها وعربد
وكسا الخز جسمه فتباهى .. وحوى المال كيسه فتمرد
يا أخي لاتمل بوجهك عني .. ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
فقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ( رسالة من رب العزة جامعة لكل مكارم الأخلاق وضبط النفس وبناء الشخصية القيادية والواثق بذاته وتربيته 0
قال الإمام أحمد : عن عقبة بن عامر ، رضي الله عنه ، قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك " .
نعم نحن بحاجة جميعا لهذا الدرس ومقاومة النفس والرقي بالذات في مقاومة بعض الأفات من أناس فنونهم التحبيط والإساءة بالألفاظ والتحطيم فهم كالسم الزعاف يقتلك شربه ويمرضك شمه وقربه 0فالترفق به رحمة لك وله 0
يذكر إن رجل خرج من قريته مهما من زوجته التي لاتألوا جهدا في تحطيمه وتقليل شأنه وتنكيد عيشه 0 فمر بشابين فجاع فطلبهم الطعام فقالوا كل منا يدعوالله فدعا أولهم في سره فرزقهم بالطعام فجاء اليوم الثاني فدعا الشاب الثاني فرزقوا بالطعام ، فلما حان دور الرجل قالوا له أدعي فتردد فألحوا عليه : فدعا في نفسه بقوله يارب أنت أعلم بحالي وما أخرجني من القرية إلا وصبري على زوجتي وتحملي لإذاها فارزقنا فرزقنا فجائهم طعام أفضل ما يكون0 فأقسموا عليه أن يخبرهم بما دعا فأبى حتي يخبروه بما دعوا فقالوا : إن في تلك القرية رجل ابتلي بامرأة سوء وهو صابر عليها فدعونا الله بما أعطى هذا الرجل من القوة على الصبر عليها أن يرزقنا فرزقنا 0
فقام الرجل ويمم وجهه لقريته ليعودا وقال : والله إن دعوتي ما برحت عن دعائكما وإني والله عائد إليها صابر ومحسن لها حتى لايُبتلى غيري بها 0
ومن الناس من يجيد فن وغر القلوب وتنكيد الضمائر فلا يهش ولا يبش إلا إذا شعر أنه أوغر صدرك وضايق نفسك 0وهو زعيم في التأويل أستاذ في سوء الظن والتحوير وأخذ الكلام العابر والمزاح البريء بمفهومه المعلول وقلبه الغلول 0فيقع الآخرين فريسة لأهوائه ومزاجاته في فهم ما صدر منهم أو من غيرهم 0فينقل لأصحابه ما يكدر عيشهم ويوغر صدورهم على الغير دون مراعاة حق الصحبة ،ويأخذ معه سوء الظن مأخذه
0لذا الحاذق الأرب يكن على حذر من التعامل معه 0ولقد حذر الداعية المربي صلى الله عليه وسلم أصحابه من مثل هذا فقال : ( لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) رواه أبو داود وضعفه الألباني
إلهي يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره