.
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفـــراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامــتٌ فيه خشــوع الزاهدين
لكنما عـيناك باهتتان في الأفق البعيــــــد
سلمى ...بماذا تفكرين؟
سلمى ...بماذا تحلمين؟
أرأيت أحلام الطفــــولة تختفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشـــباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما أظلالها في ناظريك
تنم، ياسلمى، عليــك
إني أراك كســــائحٍ في القفر ضل عن الطريق
يرجو صديقاً في الفـلاة، وأين في القفـر الصديق
يهوى البروق وضوءها، ويـخاف تـخدعهُ البروق
بلْ أنت أعـظم حيرة من فــــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتــــصار
ولا يطيق الانــــكسار
هذي الهواجـس لم تكن مرســـومة في مقلتيك
فلقـد رأيـتـك في الضحى ورأيته في وجـنتيك
لكن وجدتُك في المساء وضـعت رأسك في يديك
وجلست في عينيك ألغازٌ، وفي النفــس اكتئاب
مــثل اكتئاب العاشقين
سـلمى ...بماذا تفكرين
بالأرض كيف هوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمروج الخُضرِ ســاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعصافـير التي تعـــــدو إلى وكناتها؟
أم بالمـــــــسا؟
إن المســــــــا يخـفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكينْ
الشـوكُ مــــــــــــثلُ الياسمين
لا فـرق عـند الليل بين النهـــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطــــــــروب كأدمع المتوجع
المتوجعِ إن الجــــــمالَ يغــــــيبُ مــــــثل القبح تحت البرقعِ
لـكن لماذا تجـــــــزعـــين على النهار وللدجى
أحــــــــلامه ورغائبه
وســـــــماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ستر البلاد سهـــولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج ولا المياة خـــريرها
كلا، ولا منعَ النســـائم في الفضاءِ مسيرُهَا
ما زال في الوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفاسُها
والعـــــــندليب صداحُه
لا ظفــــــــرُهُ وجناحهُ
فاصغي إلى صوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واسـتنشـقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشهـب في الأفلاك مادامتْ تلوح
من قـبل أن يأتي زمان كالضباب أو الدخان
لا تبصرين به الغـدير
ولا يلـــذُّ لك الخريرْ
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إن التأمل في الحـــياة يزيد أوجاع الحياة
فدعي الكآبة والأسى واسـترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهللاً
فيه البشـــاشة والبهاءْ
ليكن كــذلك في المساءْ