برزت في الآونة الأخيرة ظواهر اجتماعية تُعَدُّ مؤشراً خطيراً ومهدِّداً لقيم المجتمع؛ فمع ارتفاع معدل البطالة، وعجز الشباب عن الزواج وتكوين أسرة سليمة اجتماعياً، قد تستغل بعض السيدات الثريات احتياج هؤلاء الشباب المادي والجسدي، ويعرضن عليهم المال مقابل "اسم الزواج"؛ فمنهن من تعرض زواج المسيار، وأخريات يلجأن لـ"زواج المحلل"؛ لتنقذ نفسها من مأزق أسري!
"سبق" التقت شباباً وقعوا في براثن سيدات أعمال، وتنازلوا برغبتهم عن حلمهم في الزواج من فتيات يشاركنهم الحب والسكينة، وارتموا في أحضان المال، حتى أصبحوا دمى في أيدي زوجاتهم.
احتياجات عاطفية
في البداية تحدث أحد الشباب - تحتفظ "سبق" باسمه - قائلاً: منذ فترة عرضت عليّ إحدى السيدات إضافتها بوصفها صديقة على الفيس بوك. وفي إحدى المرات تحدثت معي عن كل تفاصيل حياتها، وعلمت أنني ما زلت أبحث عن عمل عقب تخرجي منذ خمس سنوات". وأضاف "بعد فترة وجدتها تطاردني، وتبدي إعجابها بصوري على الفيس مع أصدقائي، واشتكت لي من وحدتها عقب طلاقها من زوجها الذي كان يعاملها بجفاء".
وتابع: "في إحدى المرات طلبت مني هذه السيدة الزواج، وقالت: أنت شاب في مقتبل العمر، فما رأيك أن أعطيك مليون ريال وتتزوجني مسياراً؟ فأنا سوف أوفر لك أي متطلبات مادية حتى تشعر بالسعادة معي".
وعبَّر عن دهشته من طلبها ذلك، وقال: "فكرتُ طويلاً في أحوالي المالية، وقررت الموافقة على هذا الزواج"، مشيداً بجود زوجته معه بمالها، بيد أنه بعد عام على زواجه شعر بأنه يحتاج إلى شابة في مثل عمره.
عاشق المال
فهد عبدالرحمن حكى لـ"سبق" قصة أحد أصدقائه قائلاً: "تعرَّف صديقي على إحدى سيدات الأعمال عبر الواتس أب، ورغم بلوغها الخمسين إلا أنها مهتمة بنفسها"، لافتاً إلى أن صديقه يعشق المال.
وتابع: أخبرته هذه السيدة بأنها طُلِّقت من زوجها ثلاث مرات، وتريده زوجاً محللاً لمدة أسبوع مقابل سيارة؛ فوافق صديقي على هذا الزواج وفرح به.
وأضاف: "للأسف الشديد، استغل صديقي حب زوجته له، وأصبح لاهثا في طلب المال منها، وبعد طلاق صديقه زوجته باع السيارة التي أهدتها إليه طليقته، وتزوج بفتاة شابة".
لن أبيع شبابي
أحمد الغامدي رفض هذا الزواج، واعتبره نخاسة العصر الحديث متسائلاً: "كيف يقبل شاب هذا العرض حتى ولو كان تحت اسم الزواج؟". رافضاً ما عرضته عليه إحدى السيدات ومطاردتها له رغبة في الزواج منه، وقال: "تجاهلت طلب هذه المرأة ورغبتها في الزواج مني، بالرغم من أني ما زلت أبحث عن عمل، بيد أني لا أستطيع بيع رجولتي لامرأة تتمتع بشبابي مقابل المال".
ووافقه الرأي محمد عبدالله قائلاً: "لا أتخيل أي نوع من الشباب هذا الذي يقبل بيع شبابه ورجولته؛ ليصبح صفقة من صفقات سيدة أعمال، لا تهتم سوى بإثبات أنوثتها ولو على أنقاض أحلام الشباب؟!". واصفاً هذه المرأة ومثيلاتها بأنهن يعانين خللاً نفسياً؛ ويحاولن إثبات أنهن مرغوبات، ويتحدين الزمن بأموالهن.
خلل المفاهيم الاجتماعية
أرجع أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود، الدكتور سعود الضحيان، انتشار هذه الزيجات للتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي في الآونة الأخيرة؛ ما أفرز كثيراً من المشكلات الاجتماعية، كارتفاع معدل العنوسة، وعجز الشباب عن تدبير نفقات الزواج، وارتفاع معدل سن زواج الفتيات. لافتاً إلى أن هذا دفع بعض النساء لاستغلال معاناة الشباب، واستخدام سلاح المال مقابل الزواج، ضارباً مثلاً بزواج المسيار و"المحلل".
واعتبر الضحيان هذا خللاً في المفاهيم الاجتماعية، ومرفوضاً من قِبل المجتمع، محذراً من طغيان المادة على القيم الاجتماعية وانتشارها مستقبلاً، ولافتاً إلى أن المجتمع يحتقر الشاب الذي يعتبر زوجته معبراً مؤقتاً في حياته، يحقق من خلالها طموحه المادي اللاهث، ثم يتركها بعد استغلالها مادياً، مؤكداً فساد الحياة الزوجية إذا اقتحمتها المادة.
طموحات مهدرة
ورأى المستشار الأسري والنفسي دكتور عبدالإله جدع أن الشباب لديه احتياجات جسدية ومادية، عجز عن إشباعها في ظل غلاء المعيشة، وشبح البطالة الذي يهدد مستقبله. لافتاً إلى أن هذا يجعل الشباب ضحية للعروض المادية من قِبل بعض سيدات الأعمال، وقبوله لهذه الزيجة تحقيقاً لطموحاته المهدرة، معتبراً هذا ضد عادات المجتمع.
وحلل جدع زواج المرأة من شاب صغير قائلاً: إن المجتمع يتجاهل المرأة عند بلوغها مرحلة عمرية معينة؛ وبالتالي هي تحاول لا شعورياً إثبات أنوثتها بالزواج من شاب يصغرها؛ حتى تشعر بالرضا النفسي. واعتبر هذا استغلالاً للشاب تحت اسم "الزواج"، وسلوكاً غير سوي؛ يجب إخضاعه للعلاج النفسي والدراسة المجتمعية.
وأبان أن المجتمع يقبل مضطراً زواج المسيار، بيد أن الأمر مختلف في زواج "المحلل" المحرَّم شرعاً. لافتاً إلى أن وجود زواج "المحلل" يُعَدّ مؤشراً خطيراً على تفشي ظاهرة الطلاق ثلاث مرات، ومشدداً على ضرورة دراسة حالات الطلاق، التي تفرز هذه الأخطاء الشرعية، مؤكداً أن هذا يمنع تكرار هذه الأخطاء مستقبلاً.
نخاسة الشباب
أما سيدة الأعمال مضاوي الحسون فرفضت المعيار المادي للمرأة في اختيار الزوج قائلة: إن المرأة تتميز بعاطفتها الجياشة منذ صغرها؛ فهي تضحي في سبيل إسعاد أسرتها، وتحسين صورتها الإيجابية في المجتمع. مؤكدة أن هؤلاء النساء يمثلن حالات نادرة، لا تتعدى أصابع اليد.
وتابعت الحسون: إن المرأة أرقى من أن تنزلق إلى صفقات البيع والشراء في الحياة الزوجية. رافضة أن يصبح الزواج عقداً للعمل، وقالت: إن الهدف من الحياة الزوجية هو التواصل الإنساني، وإنشاء أجيال مستقبلاً، وفقاً لرؤية الشرع والمجتمع لهذه العلاقة الراقية بين الرجل والمرأة.
ورأت أن المجتمع أفرز أنواعاً مختلفة من الزواج كالمسيار، لافتة إلى التأثير السيئ لهذه الزيجات على مستقبل الأسرة. ورفضت الحسون نخاسة الشباب قائلة: إن الشاب الذي يبيع رجولته مقابل المال مثل الفتاة التي تبيع جسدها مقابل المال عن طريق زواج شرعي. داعية الشباب إلى إثبات ذاته بالعمل والطموح، بدلاً من الاتكاء على أموال النساء.
استغلال شرعي
شدَّد أستاذ الفقه، الدكتور سعود الفنيسان، على عدم جواز المحلل شرعاً، وقال: إن اتفاق المرأة بعد طلاقها مع رجل يتزوجها لفترة مؤقتة؛ حتى تعود لزوجها الأول، يُعَدّ حراماً شرعاً. مسترشداً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟" قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ". وأكد أن عقد هذا الزواج باطل شرعاً، وما ينتج منه من أبناء يُعَدّون أولاد زنا.
وتابع الفنيسان: أما بالنسبة لزواج المسيار فإنه شرعي إذا توافرت فيه شروط الإيجاب والقبول، والشهود، وحضور الوليّ، وتسجيل العقد قانونياً. لافتاً إلى أن المرأة هي من تنازلت باختيارها عن حقوقها في هذا الزواج، ومؤكداً أن هذا الزواج نادرٌ ما ينجح، قائلاً: إن الزواج الذي يعتمد في أركانه على الجانب المادي، ويخلو من المودة والرحمة، تكون دعائمه واهية، ويتعرض للانهيار في أي لحظة.
واعتبر عرض المرأة المال مقابل الزواج من شاب استغلالاً شرعيا لمفهوم الزواج، مشدداً على عدم جواز إعطاء المرأة مالاً للرجل كي يتزوجها، ومؤكداً أن الأصل في الشرع أن يدفع الرجل المهر، وليس المرأة.
* سبق ..