يا قلب ... لا تغفل
قال ابن القيم رحمه الله :
إن في القلب شعث : لا يلمه إلا الإقبال على الله
وعليه وحشة : لا يزيلها إلا الأنس به في خلوتك
وفيه حزن : لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته
وفيه قلق : لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه
وفيه نيران حسرات : لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه
ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه
وفيه طلب شديد : لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب
وفيه فاقة : لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له ،
ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا!!
فمثل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة
فانتهوا إلى جزيرة معشبة فخرجوا لقضاء الحاجة
فحذرهم الملاح من التأخر فيها
وأمرهم أن يقيموا بقدر حاجتهم
وحذرهم أن يقلع بالسفينة ويتركهم ،
فبادر بعضهم فرجع سريعا
فصادف أحسن الأمكنة وأوسعها فاستقر فيه ،
وانقسم الباقون فرقا,
الأولى استغرقت في النظر إلى أزهارها المورقة
وأنهارها المطردة وثمارها الطيبة
وجواهرها ومعادنها ،
ثم استيقظ
فبادر إلى السفينة فلقي مكانا دون الأول
فنجا في الجملة ،
الثانية كالأولى
لكنها أكبت على تلك الجواهر والثمار والأزهار
ولم تسمح نفسه لتركها
فحمل منها ما قدر عليه
فتشاغل بجمعه وحمله
فوصل إلى السفينة
فوجد مكانا أضيق من الأول
ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه
فصار مثقلا به ،
ثم لم يلبث أن ذبلت الأزهار
ويبست الثمار
وهاجت الرياح
فلم يجد بدا من إلقاء ما استصحبه
حتى نجا بحشاشة نفسه ،
الثالثة تولجت في الغياض
وغفلت عن وصية الملاح
ثم سمعوا نداءه بالرحيل
فمرت
فوجدت السفينة سارت
فبقيت بما استصحبت في البر حتى هلكت ،
والرابعة اشتدت بها الغفلة عن سماع النداء
وسارت السفينة
فتقسموا فرقا منهم من افترسته السباع
ومنهم من تاه على وجهه حتى هلك
ومنهم من مات جوعا
ومنهم من نهشته الحيات ،
قال :
فهذا مثل أهل الدنيا
في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة
وغفلتهم عن عاقبة أمرهم .
وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل
أن يغتر بالأحجار من الذهب والفضة
والهشيم من الأزهار والثمار
وهو لا يصحبه شيء من ذلك.