بسم الله الرحمن الرحيم
قد يقول البعض: أصبحنا في حيرة من كثرة الآراء ومن كثرة المـُفتين ومن كثرة الكاتبين في الصحف والمتحدثين في الفضائيات وبعضهم يهاجم بعضاً وبعضهم قد يتعالى على البعض بل بعضهم ربما لا يستطيع أن يمسك لسانه فيسبُّ أخيه ويقول فيه ما لا ينبغي أن يقوله مَن نتبع؟
علينا جميعاً جماعة المؤمنين أن نأخذ هذا الميزان لنمشي عليه: لو نظرنا إلى الفُرقة بين التيارات الإسلامية الموجودة الآن لا نجدها تعصباً لكتاب الله ولا عصبية لسُنَّة رسوله صلي الله عليه وسلم ولكن عصبية لآراء رجال قالوها في كتاب الله أو آراء علماء قالوها في سُنَّة رسول الله فتجد العصبية في الحقيقة لرجال من السابقين الذين انتقلوا إلى جوار الله هذا يتعصب للإمام فلان ويتمسك برأيه على أنه الصواب وهذا يتمسك ويتعصب لرأى الإمام فلان ويزعم أنه وحده على الحق وما سواه على الباطل
وهذه ناشئة جدت في هذا العصر لم تكن لدى سلفنا الصالح فكانت العصبية عندهم فقط لكتاب الله ولسُنَّة رسول الله إذا كان الأمر في كتاب الله كانوا يقولون: على العين والرأس وإذا كان الأمر في سُنَّة رسول الله الصحيحة كانوا يقولون: على العين والرأس وإذا كان الرأي لفلان كانوا يقولون: هم رجال ونحن رجال ويقولون كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ( وعزاه الغزالي لإبن عباس) {كلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب الشريعة صلي الله عليه وسلم}
أي عالم من علماء الأُمَّة نأخذ من كلامه ما يوافق حياتنا وما يوافق عصرنا وما لا يوافق حياتنا وعصرنا لا نأخذ به ما دام هذا الكلام ليس مؤيداً بكتاب الله أو بسُنة رسول الله بل قولاً قاله من عنده في تفسير آية أو في تأويل حديث فآخذ برأي آخر في تفسير الآية وتأويل الحديث يكون مناسباً لنفسي وأهلي وعصري
وإذا كان هذا الرأي رأياً وحيداً فريداً وأجمع كم كبير من علماء المسلمين على رأى آخر ما الذي ينبغي أن أصنعه؟ ينبغي أن أتبع ما أجمع عليه المؤمنون لقوله صلي الله عليه وسلم {يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ}[1] الذي اتفق عليه الجماعة من صحابة رسول الله والتابعين وتابعي التابعين والأئمة أصحاب المذاهب المعتبرة في الدين وغيرهم من العلماء إلى يومنا هذا هو الأولى بالصواب وهو الأظهر لنا والذي ينبغي لنا أن نتبعه لأن يد الله مع الجماعة وقوله صلي الله عليه وسلم {لا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلالَةِ أَبَدًا}[2]
إذ اجتمع رأى علماء الأمة على رأى فهو الصواب لا مراء فلا أترك رأى الجماعة وأذهب إلى رأى منفرد وأستمسك به وأقول هذا الصواب وأهجر رأى الجماعة كانت الأُمة في عزة عندما كان رأى الجماعة هو المـُقدم وهو المـُتحكم في تشريعاتنا فيما بيننا وهو الحاكم لتصرفاتنا وسلوكياتنا نحو بعضنا ونحو ربنا فلما ذهبت الآراء الفردية واعتز بها أقوام ونصرها فئات وتعصب لها جماعات تشتتت الأُمة وأصبحنا جماعات بعد أن كنا جماعة واحدة لماذا جماعات؟ هؤلاء يتعصبون لرأى فلان وهؤلاء يتعصبون لرأى فلان لو تركنا فلان وفلان ورجعنا مباشرة إلى القرآن وسُنَّة النبي العدنان هل يكون هناك خلاف بين المسلمين؟
لماذا نتعصب لآراء العلماء وهي آراء؟وعندنا كتاب الله وسُنَّة رسول الله واضحة جلية ومن حكمة الله أنه جعل القرآن ميسراً لجميع المؤمنين حتى الأُميين يستطيع كل مؤمن يقرأ كتاب الله أن يفهم مراد الله وأن يستخرج الذي يريده من تشريعات من كتاب الله لا يحتاج بعد ذلك إلا إلى توجيه من العلماء العاملين وأهل الفقه الناجين ليوجهوه إلى الوجهة الصواب فهلموا جميعاً إلى القرآن نجعل القرآن هو الحجة البالغة للخلق أجمعين وإلى سُنة النبي العدنان نجعلها وحدها هي المذكرة التفسيرية لكلام رب العالمين وأقوال العلماء أجمعين ما كان منها يلاءم عصرنا واتفق عليه أئمة الأُمة في الدين فنحن مع إجماع المسلمين أما الآراء الشاذة فيجب أن نضرب عنها صفحاً أجمعين
[1] سنن الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
[2] المستدرك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وفى رواية أخرى عن أبي بَصْرة الغِفاري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال {سَألْتُ رَبِّي أَرْبَعاً اعْطَانِي ثَلاثاً وَمَنَعَنِي وَاحِدَةٍ سألْتُ الله أَنْ لاَ تَجْتِمَعَ أُمَّتِي عَلى ضَلاَلَةٍ اعْطَانِيْهَا و سألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها وَسألْتُ الله أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً أعْطَانِيْهَا وسألْتُ الله أَنْ لاَ يَلْبِسْهُمْ شِيَعاً وَيُذِيْقَ بَعْضَهُمْ بٌّاسَ بَعْضٍ فَمَنَعْنِيْهَا} رواه أحمد والطبراني
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]