!!* وخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ *!!!
إِنَّ الإِسْلامَ دِينُ الأَخْلاقِ، ومِنْ أَهَمِّ هذِهِ الأَخْلاقِ خُلُقُ الحَياءِ، فَهُوَ خُلُقٌ شَرِيفٌ يَمْنَعُ المَرْءَ مِنْ فِعْلِ المُحَرَّماتِ، وإِتْيانِ المُنْكَراتِ، وَيَصُونُهُ عَنِ الوُقُوعِ فِي الأَوْزَارِ والآثامِ، قالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم :» إِنَّ لِكُلِّ دِيْنٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ«.
وَقَدْ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخاهُ فِي الحَيَاءِ ، فَقَالَ :» دَعْهُ ؛ فإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمانِ« وقالَ صلى الله عليه وسلم :» الحَياءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ« ذلكَ لأنَّهُ يكفُّ عَنِ ارتكابِ القبائحِ ، ويَحثُّ علَى مكارِمِ الأخلاقِ ومعالِيهَا . وَقَدْ سألَ الصحابةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحياءِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :» بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ «.
فإذَا كانَ الحياءُ خُلُقَ الإسلامِ وهوَ مِنَ الإيمانِ وهُوَ الدينُ كلُّهُ ، وهُوَ المانعُ مِنْ أنْ يرَى الناسُ عيبَ صاحبِ الحياءِ فإنَّ حياةَ الوَجْهِ بِحيَائِهِ، كَمَا أَنَّ حياةَ الغَرْسِ بِمَائِهِ، ومَنْ كَسَاهُ الحياءُ ثَوْبَهُ لَمْ يرَ النَّاسُ عيْبَهُ، فَمَا أَعْظَمَ خُلُقَ الحَيَاءِ، ومَا أَحْسَنَهُ للأَحْيَاءِ، ليعيشَ النَّاسُ فِي هَناءٍ .
واعْلَمُوا عبادَ اللهِ أَنَّ الحَياءَ عَلَى ثلاثَةِ مَرَاتِبَ، وأَوَّلُ هَذِهِ المَرَاتبِ الحَيَاءُ مِنَ النَّفْسِ بحيثُ لاَ يُوقعُ نفسَهُ فِي مَنقصَةٍ ، أَوْ يأتِي مَا يُعْتَذَرُ منْهُ ، وقدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَذَرُ مِنْ خَيْرٍ. وقالَ أَحَدُهم : لِيَكُنِ اسْتحياؤُكَ مِنْ نَفْسِكَ أَكثرَ مِن اسْتَحيائِكَ مِنْ غَيْرِكَ .
فصاحبُ الحياءِ يتحلَّى بالمروءةِ والكرمِ والخلقِ الرفيعِ ، فلاَ تَجدُهُ يلبسُ لباسًا يعيبُهُ الناسُ ، ولاَ تَجِدُهُ يفعلُ مَا لاَ يليقُ فِي الشارِعِ ، بَلْ تَجِدُهُ مُتَّزِنًا فِي كُلِّ أمرِهِ ، فتعامُلُهُ معَ الناسِ إحسانٌ ، ومعَ النفسِ تأديبٌ وتَهْذِيبٌ ، ومعَ الكونِ رحمةٌ وجمالٌ .
وَثَانِي هَذِهِ المَرَاتِبِ هِيَ الحَيَاءُ مِنَ الناسِ؛ لأَنَّهُ دَليلُ الْحَيَاءِ مِنَ اللهِ تعالَى ، والحياءُ مِنَ الناسِ يَمنعُ مِنَ التقصيرِ فِي حقوقِهِمْ أَوِ الوقوعِ فِي أعراضِهِمْ ، أَوْ ذكرِهِمْ بِمَا يكرهُونَ ، فهُوَ يعطِي ويأخذُ مِنْ غيرِ سبٍّ ولاَ تَفَحُّشٍ ، بَلْ تَجدُهُ يحترمُ الصغيرَ ويوقِّرُ الكبيرَ ، وينصحُ لهذَا ويعطفُ علَى هذَا ، وينصحُ ذاكَ ، ومِنَ الحياءِ أنَّهُ إذَا دُعِيَ إلَى طعامٍ عندَ أحدِ الناسِ أنْ يأكلَ ويشربَ بأدبٍ ، ولاَ يطيلَ الجلوسَ عندَ المضيفِ ، وقدْ علَّمَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالَى هذَا الخلقَ الرفيعَ فِي قولِهِ سبحانَهُ :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ[
وثَالِثُ هَذِهِ المَرَاتبِ، وهيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الحَياءِ : الحَياءُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فلاَ ينتهكُ المتخلقُ بالحياءِ حرماتِ اللهِ تعالَى، ولاَ يعتدِي علَى مقدسَاتِهِ ، ولاَ يصدُّ عَنْ سبيلِهِ ، بلْ يُعينُ مَنْ يعبدُ اللهَ سبحانَهُ ، ويساعدُ مَنْ يلجأُ إليهِ ، ويُقْبِلُ علَى عبادِ اللهِ فيكونُ مُعينًا لهمْ ، وميسرًا لهمْ أسبابَ عيشِهِمْ ، قاضيًا لَهُمْ حوائجَهُمْ، حافظًا لحرمتِهِمْ ، خائفًا عليهِمْ .
ومِمَّا يعينُ علَى الحياءِ مِنَ اللهِ تعالَى تذَكُّرُ نِعَمِهِ علينَا ، قالَ أَحدُهُمْ : إِذَا اسْتَحْيَا العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الخَيْرَ كُلَّهُ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». قَالَ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ . قَالَ :« لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ».
هذِهِ هِيَ حقيقةُ الحياءِ مِنَ اللهِ تعالَى أنْ تَحفظَ جميعَ جوارِحِكَ عمَّا حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ويدخلُ فيهِ استحياءُ الناسِ بعضِهِمْ مِنْ بعضٍ، كحياءِ الولدِ مِنْ والدَيْهِ، والمرأةِ فِي تعاملِهَا معَ زوجِهَا، والزوجِ فِي تعامُلِهِ معَ زوجتِهِ ، والمتعلمِ مِنَ العالِمِ، والصغيرِ مِنَ الكبيرِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ نَزْعَ الحَيَاءِ أَكْبَرُ عُقُوبَةٍ للإِنسَانِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وذلكَ لأَنَّ الإيمانَ يَتَأَثَّرُ بالحَياءِ، وهُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ، فقدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :» إِنَّ الحَيَاءَ والإِيمانَ قُرِنَا جَميعًا ، فإِذَا رُفِعَ أَحدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ«.
نَسْأَلُ اللهَ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُجَمِّلَنَا بالحياءِ، وأَنْ نَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .