فالمرتبة الأولى :
هي الاستغفار باللسان ، وفيه منافع وفوائد وبركة ، فمن بركته أنه يَحْصِلَ الاستغفار بالقلب ، ويرجى
به حصول الاستجابة من الله الكريم الغفار ، ومن منافعه وفوائده أنه خير من السكوت ، وبه يتعوَّد
قول الخير ويدوامه ، وبالمداومة عليه يتجه العبد إلى فعل الخير ، ويقلع عن الشر ودواعيه ، ويبغضه
ويقليه ، وهكذا ، فالاستغفار باللسان حسن كله على أي حال كان
والمرتبة الثانية :
الاستغفار بالقلب ، وهو قوي الأثر في تصفية القلوب من الأكدار ، وبه تنفرج الهموم والغموم ،
وتزول الكروب ، كما أن به يتم حصول كل أمر مطلوب أو مرغوب ، بل إن به تنزل الرحمات
والبركات ، وتفيض النفحات ، وتندفع الشرور والبليات
أما المرتبة الثالثة :
وهي الاستغفار بالقلب واللسان ، فهي المرتبة الكاملة ، لأن بها تتجمَّع الفضائل للإنسان ، ويصلح
الجسد والجنان ، وفي هذا ينال العبد أفضل المنافع ومجامع البركات ، حيث تنزل له المغفرة
والرحمات ، وتضاعف له الحسنات ، وتكفَّر عنه السيئات ، وترفع له الدرجات ، وتزكو له الأعمال
والطاعات ، بل قد تنصقل مرآة قلبه ، وتحصل له الطهارة الكاملة من العيوب والذنوب ، فيتوصل بذلك إلى كشف حجب الغيوب
على أن هناك أمراً ننبَّه عليه ، وهو أن حقيقة الاستغفار التام الموجب للمغفرة ؛ ما كان معه ندم بالقلب
على الذنب ، ولم يكن معه إصرار ، فإن كان معه إصرار ؛ كان استغفاره بالقلب ناقصاً ، قليل الجدوى ، غير كامل
ولكن لله ساعات لا يحجب فيها الدعاء ، وفي واسع القدرة أمور عظيمة وأسرار عجيبة ، ولذلك فلا
ينبغي لعبد أن يترك الاستغفار ، وينهمك في غمرة الذنوب والأوزار ، ويقول أنَّي لي من الذنوب
فِرار؟ ولا ينفعني نطق اللسان بالاستغفار ، لأن من لا يقدر على ترك الشر كله ، فينبغي أن يتدرج
بترك قليله ، فلعل ترك القليل منه يجرُّ إلى ترك الكثير
وكذا إذا لم يقدر على عمل الطاعات ، وفعل الصالحات ، فلا ينبغي أن يكسل عن قليل الطاعة
ويقول : أنىّ لي بنفيس تلك البضاعة ، بل يتدرج بفعل القليل منها ، فلعل فعل قليلها يجرُّ إلى فعل الكثير منها
تحياتي