[align=center]حثت الشريعة الإسلامية على أخذ المواثيق والعهود بين الناس وعدًها صورة من صور الإسلام النقية , وركيزة أساسية في استقرار الحياة لهم . بل من أخلاق الإسلام الوفاء بالعهود.
إن أول ما يبعث في النفس للميثاق والعهود هو الإخلاص لله تعالى وتجريد النفس من أهواءها, حتى تسير على مبدئ القيم والأخلاق الإسلامية , وإلا سوف تنعكس الموازين ولن يشعر المرء بذلك , بيد أن كامن الإصلاح والفساد والخير والشر تبقى تصول وتجول في النفس والهوى , والموفق من عرف كيف يصلح نفسه ويرسم طريق صلاح للآخرين.
إن البشرية أجمع بُنيت على علاقات مختلفة النواحي بشتى مجالاتها و علاقاتها ومعاملاتها في حياتهم وقضاياهم الدينية والدنيوية , للوصول إلى نقطة معينة أو لهدف ما , ولذا جاء الاسلام لينظم للناس علاقاتهم ومعاملاتهم وكيف يتعاملون فيما بينهم وبما يحفظ لهم الحياة الكريمة البعيدة عن الظلم والعدوان والبغي والفساد.
كثيرٌ من التخبطات والمشاكل التي تدار في أي منشئة ربما من دواعيها ما يكون بين البشر بعدم الالتزام من أحد الأطراف بالعهد والميثاق والتي ينتج عنها بلا ريب أقل الأحوال عدم استقرار.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا من نقض العهود وعد ذلك من صفات المنافقين قال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا , من كانت فيه خصله منهن كان فيه خصله من النفاق حتى يدعهن إذا أؤتمن خان , وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر" رواه الشيخان
فإذا كانت هذه الخصال فاعلها مسلم يعد نفاقه نفاق أصغر ليس فيه شك وأجمع العلماء على من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بالكفر ولا هو منافق يخلد بالنار , وعلى المسلم أن يحذر على نفسه هذه الخصال التي تفضي به إلى حقيقة النفاق.
ولو تأملنا هذا الحديث لوجدنا أن من يتصف بهذه الصفات فإنها ربما تكون سبب في إشعال الفتنة وزج الناس بدهاليز تؤدي بهلاكم وتشتيتهم . ومن جانب آخر فالواجب على المسلم في عباداته ومعاملاته مع الآخرين أن تكون بإخلاص وصدق ويرجي ثواب ذلك ما عند الله , فإن كان بينه وبين الناس عهود ومواثيق وأمانه وعقد عليه الالتزام بها بشتى صورها تحقيقا لقول الله تعالى: ( وأفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) الاسراء
عزيزي القارئ إن من صور الفساد في الأرض نقض العهود والمواثيق بين الخلق , والتي قد تكون سببا في فساد الحياة بين الناس وفقد الثقة بينهم وفي ألفتهم وتوادهم وتراحمهم , وتتحول إلى فساد عارم من فوضى وفتن.
فإذا غلبت المصالح على طابع والمسلم والسعي لها بأي طريقةٍ كانت ونسى أو تغافل ما يجب أن يكون عليه كونه مسلما , فيقع رويداً رويدا بالظلم والكذب والغدر بزعمه أن تصرفاته صحيحة والحقيقة أعمى الله قلبه وبصيرته عن اتباع الحق الذي به صلاحه وصلاح من معه .
قال تعالى: ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) البقرة
فيرى الانسان نفسه من سوء تصرفه وفساد نيته أنه مصلح . فيقع بالفساد الشامل في معاملاته مع الآخرين.
قال الله تعالى: ( وزنوا بالقسطاس المستقيم*ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) الشعراء
كان قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحا في شخصيته وضوح الشمس في رابعة النهار قبل أن يبعثه الله معلما للبشرية وبعدها, بل في جميع أحواله سواء كان في حالة الحرب أو السلم. فلم تتلبس أعماله أو تصرفاته صلى الله عليه وسلم بشيء من الغموض والتورية والتأويل الذي يلجأ إليه أهل الأهواء والباطل فكان يعرف عنه بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم أصح عقلا, وأسد رأيا , وأنقى فكرا , وأطهر قلبا , وأزكى روحا , وأعلا نقاء وصفاء اختاره الله جل جلاله لرسالته على علم منه سبحانه بشخص هذا الرسول الكريم. ولقد أعترف أعداؤه في ذلك وهم في حال عداوتهم له .
وهذا جانب من سيرته صلى الله عليه وسلم كما جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل حين سأله قائلاً : (كيف نسبه فيكم ؟ فقال :هو فينا ذو نسب، إلى أن قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول :ما قال ؟ أبو سفيان : لا ... فقال: فكيف كان قتالكم إياه ؟ فقال أبو سفيان :الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.. ثم قال هرقل لآبي سفيان :سألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ،فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر..).
فالالتزام والوفاء بالعهود شرف للمخلصين ومن صفات الصالحين وخصال المتقين ومنهج الأنبياء المرسلين والدعاة المخلصين والساعين لفضل رب العلمين ,قال تعالى مثنيا على الذين يوفون بعهودهم: (إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الرعد
[/align]