. لاتخلو بعض القصص من عبر لمن إعتبر . خصوصآ إذا كانت هذه القصص في سياقها
ومضمونها تصدر عن ذوى حنكة وتجربة . والقصة التالية فيها عبرة ذات دلالة ومغزي
كبيرين . لنقرأ القصة أولآ ثم نعلق عليها .
يروى أن قبيلة صغيرة نزحت من موطنها الأصلي في جزيرة العرب وجاورت قبيلة أخرى
أكثر منها عددآ وسارت الأمور عادية حتى جاء يوم قتل فيه أحد أفراد القبيلة الأكبر كلبآ
للقبيلة الأصغر جاء أفراد القبيلة الأصغر لشيخ مقرب لقبيلتهم وأعلموه بالخبر وطلبوا
نصيحته . قال الشيخ ( إذبحوا ذباح الكلب ) أي اقتلوه عجب شباب القبيلة الأصغر من هذه
النصيحة وقالوا . لقد شاب وخرف شيخنا كيف يريدنا أن نقتل إنسانآ ( في كلب )؟ تركوا الأمر
ولم يفعلوا شيئآ .
ذهبت الأيام وقام بعض أفراد القبيلة الأكبر بالاستيلاء على بعض حلال القبيلة الأصغر .
( الحلال هو إصطلاح بدوي يطلق على الإبل والغنم ) وذهب أفراد القبيلة الأصغر إلى
نفس شيخهم لإبلاغه بالخبر لعلهم يجدون لديه النصح . قال الشيخ ( إذبحوا ذباح الكلب )
مرة أخرى عجب شباب القبيلة الأصغر من نصيحة شيخهم .. قالوا يبدو أن الشيخ قد هرم
وخرف تمامآ : نقول له الحلال يقول إذبحوا ذباح الكلب . ؟ وذهبوا من عنده ولم يفعلوا شيئآ
ذهبت الأيام وفوجيء الشيخ يومآ بأفراد القبيلة الصغرى وهم يهرعون إلية والغضب يلملأ
فؤاد كل منهم وقالوا له : لقد إستباح أفراد القبيلة الأخرى نساءنا وفعلوا بهن ( الشين )
والحقوا بنا العار .. قال الشيخ بحده : ( إذبحوا ذباح الكلب ) هنا فهم الشباب مغزى نصيحة
الشيخ .. وامتشق كل منهم سلاحه وانطلقوا كالأسود الكاسرة وبدأوا بذبح ذباح الكلب .
ثم كروا على من إستلبوا الحلال فاستأصلوا شافتهم وعادوا إلى من إستباحوا النساء فوجدوهم في
هلع مما حل بغيرهم فلم يمهلوهم حتى ألحقوهم بالأموات . وساد القبيلة الكبيرة رعب وخوف لامثيل
لهما فأعادوا جميع الحلال المسروق اضعااف أضعاف وأدوا غرامات إستباحة الحمى ونزلوا لأفراد
القبيلة الصغيرة عن حقوق السيادة على الأرض والماء والمرعى .
. _ ترى ماالحكمة في كل هذا كان الشيخ مجربآ داهية _ كانت نصيحتة الأولى تحمل مفهوم الردع
لو ذلك . إن معالجة الخطأ في حينه وبحزم وشدة كفيلة برفع الظلم , لقد تهاون أفراد القبيلة
الصغرى في طلب حقهم ورضوا بالذل واستكانوا فطمع فيهم الاخرون , ثم إعتدى على أموالهم
فلم يفعلوا شيئآ سوى الاحتجاج وربما الشجب . فعتبر الاخرون أن حمى هذه القبيلة مستباح
فلا رادع ولا مانع .
من يهن يسهل الهوان علية ....... فما لجرح بميت إيلام
كذلك من العبر التي يمكن أن نستلهمها من هذه القصة أن القبيلة الصغيرة لم يكن بها
مشاكسون أو مشاغبون أو ( فتون) يحسب حسابهم لانهم صناديد يصمدون كل مناويء
وكل قبيلة لا يوجد فيها مثل هؤلاء . . تضيع حقوقهم . فالعقلاء والمسالمون يصلحون لأوقات
السلم أما عند النفير فلا يعيد الحق إلى نصابه إلا القوة أو ( خشم البندق )
كذلك لو حظ أن أفراد القبيلة الصغرى في كل مرة يذهبون للاستشارة وطلب الرأي ولم يكن
المقام لعمري حينذاك مقام .. رأي أو شورى . بل فعل وذود عن الحمى فالأمر كما يقال ...
( شوره فيه ) وكما يقول الشاعر .
. من لا يقدم شذرة السيف والكيس .
تلفي عليه من الليالي ثلومي
أي من يستخدم السيف في وقته والكرم في وقته فإنه حرى بأن يخذله الزمان .
ويقول الشاعر أيضآ ...
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تتردا
في حياتنا الحاضرة يمكن أن نستفيد من الحكمة التي وردت في قصة إذبحوا ذباح الكلب
ففي المنزل وعلى مستوى الاسرة يجب أن نعلم أبناءنا الإباء ودفع الظلم مهما كان صغيرآ
وأن لا يغتم أحدنا إذا وجد من أحد أبناءه ميلآ للمشاكسة والعناد وظهرت عليه سيما وميول
العنف نوعآما . فلربما إحتاجت الأسرة لخدماته يومآما .
القصة من مجلة عسكرية
سعد العتيبي