اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات الإبداعية > منتدى القصص والروايات
 

إضافة رد
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-2006, 08:33 PM   رقم المشاركة : 1
عاصفة نجد
رائدي رائع
 
الصورة الرمزية عاصفة نجد
الملف الشخصي






 
الحالة
عاصفة نجد غير متواجد حالياً

 


 

"زهور سوداء في عيد الحب".

"حديقة عامة، علبة هاتف عمومي، عامل الحديقة يكنس الحديقة باستمرار، كمن هو حريص على نظافة منـزله، على مقعد جلس رجلٌ في الستين من عمره، يحمل وردة سوداء، عامل الحديقة وهو يكنّس الحديقة".‏

العامل : أتسمع أيها السيد أن تبعد قدمك.‏

الرجل : قدمي؟‏

العامل : اليسرى أو اليمنى، سأنظف تحتهما، لابدّ أن بعض الكآبة قد تساقطت منك على الأرض، فأصبح لون الأرض أسود، كما أرى الآن، آه، ووردتك سوداء أيضاً، لم؟‏

الرجل : إنه عيد الحب.‏

العامل : الحب؟‏

الرجل : أعني عيد العشاق، كم الساعة معك؟‏

العامل : السابعة مساءً.‏

الرجل : آه، في الساعة السابعة والربع سيرن جرس التلفون، وسأتحدث إليها.‏

العامل : يرن جرس التلفون؟ أين؟‏

الرجل : هنا، في هذه الحديقة، هذا التلفون "يشير إلى الهاتف قرب المقعد".‏

العامل : ألا يوجد عندك تلفون؟‏

الرجل : ولا حطب.‏

العامل : ولا حطب؟!‏

الرجل : عندي مدفأة، لكن لا يوجد عندي حطب، لذلك أشعر بحاجة للحب.‏

العامل : أنت توفر ثمن الطاقة بالحب.‏

الرجل : شيء من هذا القبيل، الحب يدفئ القلب والمشاعر، عندئذٍ يدفأ الجسد، ولا تحتاج إلى مدفأة تدفئك. أجربته؟‏

العامل : من؟‏

الرجل : الحب.‏

العامل : جربته ذات مرةً، لذلك كما ترى، أعمل عامل تنظيفات، مقروناً إلى هذه الحديقة، آه، ليست حديقة، إنها منزلي، منزلي الواسع والفسيح.‏

الرجل : ومن كانت؟‏

العامل : إنني أ مزح يا صديقي، ألست متزوجاً.‏

الرجل : متزوج.‏

العامل : ممن؟‏

الرجل : من هذه الوردة السوداء.‏

العامل : ألك أولاد؟‏

الرجل : ما يكفي لأن يملأ هذه الحديقة بضجيج مدمر.‏

العامل : إذن مالك وللحب..؟‏

الرجل : ذهب الجميع خلف طموحهم، وبقيت وحيداً.‏

العامل : وزوجتك؟‏

الرجل : الأخرى ذهبت خلف طموحها، أهناك طموح أبعد من حدود القلب؟‏

العامل : إنني أؤمن بالنظافة، نظافة الحديقة، نظافة ألسن الناس، ونظافة القلوب من الآلام، أما الجيوب، فهي والحمد لله، في حالة نظافة تامة، اعذرني، يجب أن أذهب لنهاية الحديقة وأعود، هل ستبقى هنا كثيراً؟‏

الرجل : إلى أن يرنّ هاتفها، أو تأتي هي.‏

العامل : تأتي؟!‏

الرجل : تعلم أنني أنتظرها في هذا المكان.‏

العامل : هل هي الأخرى وحيدة؟‏

الرجل : كالقمر في سمائه، وكالبحر على ريشة القلم.‏

العامل : كان الله في عون العاشقين، وخصوصاً العجائز منهم، منظرهم يقطّع القلب.‏

الرجل : لا يوجد عاشق عجوز، أيها الصديق.‏

العامل : ربما، ربما "يبتعد وهو يدمدم بأغنية".‏

الرجل : أتأتي أم لا تأتي؟ لا يهم، المهم أن أسمع صوتها، عندئذٍ أتأكد أنّ العالم لا يزال موجوداً، وأنَّ قلبي لا يزال في مكانه، وأن الحقيقة لا يمكن أن تنتهي أو تزول.‏

"يدخل شاب، ليحمل وردة سوداء أيضاً، يقترب الشاب من علبة الهاتف، ويقرأ رقم الهاتف، يتأكد من أنّه الرقم المقصود، يلاحظ وجود الرجل جالساً على المقعد قرب الهاتف، الشاب في الخامسة والعشرين من عمره".‏

الشاب : مساء الخير أيها السيد، أعني أيها الرجل المحترم.‏

الرجل : مساء الخير.‏

الشاب : أعندك مكان لزهرتي هذه؟‏

الرجل : زهرتك؟‏

الشاب : السوداء، فاليوم كما تعلم هو 14 شباط، أيّ هو عيد العشاق. هل أنت منهم؟‏

الرجل : ممن؟.‏

الشاب : العشاق.‏

الرجل : لا.‏

الشاب : لكنك تحمل وردة سوداء.‏

الرجل : عن طريق المصادفة.‏

الشاب : وتجلس وحيداً في هذا الجوّ الضبابي البارد، ولا أقول الشاعري فالبرد لا يمكن احتماله، كأن الثلج سيتساقط بعد حين.‏

الرجل : عندئذٍ تعمّ فرحة العيد.‏

الشاب : آ.. عيد أيُّ عيد؟‏

الرجل : عيد ميلادي، إنه يصادف هذا اليوم.‏

الشاب : إذن عيد ميلاد سعيد "يقبله" أتحتسي بعض الكونياك بهذه المناسبة؟ الجو بارد، وعندي زجاجة صغيرة، قدّمها لي صديقي هدية، ما رأيك؟‏

الرجل : هل اخترت أن تجلس على مقعدي هذا؟!‏

الشاب : إن لم يكن عندك مانع.‏

الرجل : لا يوجد، لكن ألديك مبرر أو دافع، للجلوس على هذا المقعد. دون مقاعد الحديقة قاطبةً.؟!‏

الشاب : "يقدم لـه زجاجة كونياك صغيرة"، اشرب أيها الرجل المحترم.‏

الرجل : "ممانعاً، ورافضاً" شكراً، لا أشرب.‏

الشاب : كما تريد "يحتسي جرعة" القصة يا صديقي، إنني في تمام الساعة السابعة والربع سأتلقّى مكالمة هاتفية، عبر هذا الهاتف من الفتاة التي أحبّها، وبالأحرى المرأة التي تحبني.‏

الرجل : في تمام السابعة والربع؟!‏

الشاب : على وجه التحديد، أي بعد سبع دقائق من الآن.‏

الرجل : أتسمح بقليل من هذا الكونياك، لم أذقه من عشرة أعوام.‏

الشاب : اشرب يا صديقي، فلا شيء كالمشروبات الروحية، يغذي الروح، ويصنع الصداقات اللا معقولة في الأزمنة اللا معقولة. اثنان يجلسان وحيدين، في هذا الصّقيع الدامي، ماذا تسمي هذا؟‏

الرجل : جنوناً خلاّقاً.‏

الشاب : في صحة الجنون الخلاّق.‏

"يرن جرس الهاتف، يقفز الاثنان معاً".‏

هل هناك شيء.؟‏

الرجل : كنت أظن أن التلفون لي.‏

الشاب : إنه لي، إنها السابعة والربع، وهو ممن أحبها، وتحبني..‏

الرجل : وكذلك سأتلقى تلفوناً من ابني المسافر، وفي هذا الوقت، يتمنى لي عيد سعيداً، بمناسبة عيد ميلادي.‏

الشاب : إن كان من ابنك فأنت أولى.‏

الرجل : بل العشاق أولاً، هيا، إن تلفن لي ابني ولم يجدني اتصل ثانية، أمّا إن اتصلت بك حبيبتك ولم تجدك، فقد تهجرك، أنت تعلم عقل النساء "ينفجران في الضحك، ثم يتمالكان نفسيهما، وبثقة تامة، يتمختر الشاب كالطاووس متجهاً نحو الهاتف، يرفع السّماعة بثقة".‏

الشاب : هالو، آه، عيد حب سعيد حبيبتي، كنت أعلم أنك أنت، لكن هذا لا يجوز عبر الهاتف، لابدّ أن تحضري، أجل إنها الحديقة ذاتها، والمقعد ذاته، أتأتين، حسناً، سأنتظر قدومك، لا تتأخري، البرد يكاد يقتلني، "يغلق الهاتف" إنها قادمة، حبيبتي قادمة، آه، ما أجمل عيد الحب، إيه تبدو مهموماً.‏

الرجل : أتسمح لي بزجاجة الكونياك هذه؟‏

الشاب : إنها لك، معي زجاجة فودكا صغيرة أيضاً، هيأتها لهذا الجو "يخرج زجاجة فودكا صغيرة من جيب جاكيته الداخلي". أتحب الفودكا؟‏

الرجل : الكونياك يكفي، "إنه ساهمٌ، يحدّقُ إلى البعيد كمن يحدِّثُ نفسه". بحيرة سوداء، يسري فوقها زورق من وهم. الزنابق البيضاء تنغرس في قلب الزورق، بجعة ترفع راية الحداد، روائح هذا العالم النتنة، تغلّف نوافذ الروح، كيف صار الحلم نعشاً من إسمنت.‏

الشاب : حين أضمُّها بين يدي، سأجيد العزف على أوتار رغبتها، وأنا عازف جيد، متخرج من معهد الكونسرفتوار من روما، وبتفوق، والعزف على أوتار قلب المرأة، كالعزف على الكمان، والعازف الماهر من يجيد لغة الخلق، والإبداع، والمراوغة.‏

الرجل : أعندك مزيد من هذا الكونياك.‏

الشاب : تمهلْ أيها الرجل الطيب، ستسكر.‏

الرجل : أحمل رأساً لا يعرف السكر، لذلك سأحطمه، أو سأخمرّه في دنّ خمرة، سأخمرُّه حتى يصبح ذاته شراباً صافياً.‏

الشاب : يمكن أن أسكب لك قليلاً من الفودكا في زجاجتك.‏

الرجل : قليلٌ من شراب الروح ينعش الروح.‏

"يسكب الشاب قليلاً من الفودكا في زجاجة الرجل الفارغة، الرجل شارداً".‏

أنَّة الحزن تتزحلق في الفراغ، تعبر سماء الحديقة، وتزين أغصان الأشجار، بعناقيد من أسى، الحزن يلهو بنا، مهما سار زورقنا بعيداً، في نهر الفرح والحلم، بجذبةٍ واحدة، يعيدنا لحضنه، ليقرأ لنا، أنَّ الألم هو لغة العالم الحقيقية، وما عداه محض سراب، عبثاً تحاول التغلب على الحزن والألم، فهو صائدنا، ومستهلكنا في نهاية الأمر، نحن الطرائد الحسنة النية.‏

الشاب : ابتسم يا صديقي، فحبيبتي قادمة، سأعرّفك عليها، وستعجب بها، سنسعد معاً، أنا وأنت، أنا بلقاء حبيبتي، وأنت برؤية عاشقين.‏

الرجل : ما اسمها؟‏

الشاب : مَنْ؟.‏

الرجل : حبيبتك.‏

الشاب : وهل هذا ضروري؟‏

الرجل : نعم.‏

الشاب : لا أدري؟.‏

الرجل : لا تدري، ما اسم حبيبتك.‏

الشاب : في الحب الحديث يا صديقي، لا تهمُّ الأسماء، بل المشاعر والعواطف أعني، الميول والاستجابات الخفية، أعتقد أننا تجاوزنا العصور الكلاسيكية، وقيود العالم المرهقة.‏

الرجل : كم عمرها.‏

الشاب : أيهمك ذلك؟‏

الرجل : أجل.‏

الشاب : أمّا أنا فلا يهمني، ربما كان عمرها ثلاثين أو أربعين، أو أكثر من ذلك أو أقلّ، لا أدري، في العشق الحديث لم يعد الزمن وارداً، ما هو الزمن؟ إنه عمق الإحساس، تملك إحساساً عميقاً إذن أنت في ريعان الشباب، وتملك إحساساً سطحياً فأنت هرم، ولو كنت شاباً مراهقاً، أليس كذلك؟‏

الرجل : أجل.‏

الشاب : هذا العصر الغريب، أتصدق أعرف صديقاً لي في الأربعين من عمره يهوى فتاة في السادسة عشرة من عمرها ماذا تسمّي ذلك، شذوذاً أم قمة الحب والعطاء. أم خداعاً.‏

الرجل : لا أدري. لكنني أحترم مثل هذا الحب.‏

الشاب : إذن في صحتك، لأول مرة أصادف عجوزاً ناضجاً.‏

"يضحكان سوية".‏

الرجل : لستُ عجوزاً، أعني لم أصبح بعد.‏

الشاب : لم تصبح، لكنك على بعد خطوات قليلة من الهرم والعجز، وزمنك سيسألك، كيف أمضيت أيامك، أفي الحب والسعادة، أم في الهم والغم والبلاهة.‏

الرجل : لعلّ زماني سيدينني لأني عرفت الحب متأخراً.‏

الشاب : عرفت الحب متأخراً!!‏

الرجل : أجل.‏

الشاب : تعني أنّك!‏

الرجل : أجل.‏

الشاب : "ينفجر ضاحكاً بصخب". ومن ستحبك يا صديقي، المرأة أيها الرجل الصالح تحلم بالجواد، الجواد الأصيل والحصان الجامح، أمَّا الخيول الخاوية أو الواهية، فمصيرها أن يطلق عليها الرصاص في الحقول، بعيداً عن الأكواخ. آه، هاهي قادمة رائحة عطرها تسبقها.‏

"صوت حذاء نسائي".‏

إنني قادم يا حبيبتي، المعذرة أيها الصديق، صحبتك دافئة ووديّة، لكن أتى من يعكر جوّ جلستنا الدافئة هذه، أنت المرأة اللعوب، التي لا تنتهي رغباتها، لكن هذه مهنتي، إن حضر الكمان، فأنا العازف الأول "يغادر الشاب الحديقة".‏

الرجل : كفّنيني يا أحلام، بستارٍ من الظلمة والهجران، ولفّيني يا أحزان برداءٍ من برودة ونسيان، الموت برودة ونسيان، إيه، ماذا تفعل هنا، وماذا تنتظر، والعقاب قد اصطاد حمامتك "يرنُّ الهاتف، ينتفض فجأة، يقفز باتجاه الهاتف، يرفع السماعة"، آلو، حنان، أجل أنا سامي، أنا سامي أحبك، أحبك في عيد العشاق، وخارج عيد العشاق، هذا هو العيد. أنّك لي، كنت أعلم أن العملة الحقيقية لا يمحوها عبث الريح، أما العملة الزائفة، فتذوب في الماء، أو في أي سائل، وتأخذ شكل الإناء الذي تستقر فيه، كنت متأكداً أنها ليست أنت، وأنها امرأة أخرى لأنّ قلبي كان صادقاً في حبك. فكنتِ كما هو قلبي، القضية بسيطة، حدث سوء تفاهم، والآن زال الالتباس، إنه مجرد التباس، سأنتظر مجيئك، لقد أحضرت لك زهرةً سوداء، لمَ هي سوداء؟ لأنها نهاية الزمن الأسود، قبل أن أراك، وفي العيد القادم، سأحضر لك زهرةً حمراء، سأبقى على المقعد، وإن لم تأتِ حتى شروق الشمس، أعلم أنَّ ظروفك قاسية، لكن سأبقى، إلى اللقاء يا حبيبتي.‏

"يضع سماعة الهاتف في مكانها، يتنهد فرحاً".‏

آه، حبيبتي قادمة، إنّها الولادة، وإنّه الموت، إنه الفرح وإنه الحزن، ضمّني إليك أيها الأسى الخالق.‏

"يجلس على المقعد ضاماً الوردة السوداء بقوة وحنان، وثقةً واطمئنان، يدخل عامل التنظيفات".‏

العامل : ألا تزال هنا؟‏

الرجل : أجل.‏

العامل : ألم يحن وقت النوم بعد؟‏

الرجل : لقد حان، لكن للأطفال فقط.‏

العامل : الساعة قاربت الثامنة.‏

الرجل : الثامنة؟!‏

العامل : أجل.‏

الرجل : مضى نصف ساعة على مكالمتها لي.‏

العامل : هل تحدثت إليك؟‏

الرجل : أجل.‏

العامل : حورية الليل؟‏

الرجل : نعم.‏

العامل : إنها تحدثني أحياناً، حين تخلو الشوارع من السيارات، والطرقات من السائرين، أنفرد وحوريتي في غرفتي، المحكمة الإغلاق تلك، ونمضي ليالي ساحرة، ألن تعود لمنزلك؟.‏

الرجل : كلا.‏

العامل : لمَ؟‏

الرجل : ستأتي.‏

العامل : من؟‏

الرجل : حورية الليل.‏

العامل : حوريتي لا تأتي قبل منتصف الليل.‏

الرجل : إذن، سأنتظر.‏

العامل : وهذا يروق لي، أن أجد من يشاركني اعتقادي، حين أتحدث عن حوريتي ينعتني بعضهم بالسذاجة، أو الجنون.‏

الرجل : دعنا من الناس يا صديقي.‏

العامل : ما رأيك بكأس شاي، نحتسيه معاً في غرفتي.‏

الرجل : لا، لقد وعدتها هنا، على هذا المقعد، ويجب أن أبقى محافظاً على وعدي.‏

العامل : حتى لو أشرقت الشمس؟‏

الرجل : حتى لو أشرقت الشمس.‏

العامل : يعجبني سمّار الليل أمثالك، المتشبثون بالنهار هم المرضى والمعلولون، أمّا أهل الليل، فهم أهل الأنس، والفهم، والخاطر.‏

الرجل : من أنت؟‏

العامل : أنا عامل تنظيفات، أنظف بقايا أفكار البشر، وبقايا خواطرهم السيئة، وكم نظفت من طرقات هذه الحديقة، أكواماً وأكواماً من الخواطر السوداء، لكن البلدية لا تعترف على نفاياتي، وتقول إنها غير صالحة لأن تصبح سماداً، كيف تكون الأفكار السوداء تربة تنبت بها زهور الخير البيضاء.‏

الرجل : لا أدري، لعبة الحياة أعقد من أن نعيها، إننا نحياها وحسب.‏

العامل : الأرض تحت قدميك نظيفة بيضاء، هذا يعني أنّك في حالة انسجام الآن، بل في حالة صفاء، وأنس خارق، والأنس الخارق قد يحرق، فتنبّه يا صديقي، وانتبه لمقصلة الفرح والحبور، فإن نصلها أشدُّ النصال وأعتاها. "يغادر الحديقة متجهاً نحو غرفته".‏

الرجل : مَنْ هذا الرجل، وماذا يريد؟! وماذا يعمل في الحديقة، هل هذه حديقة؟!! أين أنا؟ لأتدثر بزهرتي السوداء، فهي موقد قلبي المتجمد.‏

"يضم الزهرة إلى صدره، إنه مستغرق مع نفسه، صوت السيارات من الشارع العام يتلاشى كليّة، صوت خطوات قاسية تتقدم ، يدخل رجل أمن، شرطي بيده عصا سوداء، يلكز الرجل بالعصا".‏

الشرطي : استيقظ أيها المواطن‏

الرجل : آه، مساء الخير يا سيدي.‏

الشرطي : ماذا تفعل هنا، أيها الرجل المسنُّ، ألا يوجد بيتٌ يؤويك؟‏

الرجل : لي بيتٌٌ يؤويني يا بني.‏

الشرطي : ماذا تفعل هنا إذن؟‏

الرجل : لا شي، أتأمل ضوء القمر‏

الشرطي : لكن السماء ملبّدةٌ بالغيوم، ومن الأفضل أن تعود لمنزلك. فقد يأتي أحد اللصوص ويسطو عليك.‏

الرجل : وماذا أملك يا سيدي؟ هذه الزهرة السوداء!‏

الشرطي : أيها الرجل، من مصلحتك أن تعود لمنزلك، جسمك الواهي لا يتحمل مثل هذه البرودة الشديدة.‏

الرجل : إنني أتحمل يا بنيّ، إلمس يدي، إنها دافئة.‏

الشرطي : ((يلمس يده)) حقاً إنها دافئة، أيها السيد، حرصاً على سلامتك، أنبّهك وللمرة الأخيرة، إن كان لك منزل فعد إليه، وإن لم يكن، فيمكن أن نؤويك هذه الليلة في المخفر، ريثما نجد لك حلاً.‏

الرجل : لي مأوىً يا بني، وغرفة صديقي على بعد أمتار من هنا.‏

الشرطي : صديقك.‏

الرجل : عامل التنظيفات في الحديقة.‏

الشرطي : عامل التنظيفات أيها السيد لا يعمل في الليل، وغرفته كما ترى مغلقة، لم يطأها رجلٌ منذ أسابيع، يومياً أقوم بدورية في هذه الحديقة.‏

الرجل : أتعني..؟‏

الشرطي : يمكن أن تتأكد، أنه لا يوجد هنا، أيّ عامل تنظيفات.‏

الرجل : والتلفون؟!‏

الشرطي : أيّ تلفون؟‏

الرجل : الموجود في علبة الهاتف. هذه ((يشير إلى علبة الهاتف قربه)).‏

الشرطي : ((يبتسم)) يا سيدي، لقد عبث الأطفال بأسلاك الهاتف وقطعوها، هذا الهاتف مقطوع منذ عدة أشهر.‏

الرجل : غير معقول.‏

الشرطي : غير معقول، لمَ؟!‏

الرجل : لا شي، لا شي.‏

الشرطي : ماذا ستعمل؟‏

الرجل : سأبقى هنا.‏

الشرطي : لقد حذرتك، وهذا واجبي، وإن بقي عندي وقت، فسأعود ثانية لتفقدك.‏

((يغادر الشرطي الحديقة، يرن جرس الهاتف قرب المقعد، ينهض سامي باتجاه علبة التلفون، يتقدم مسرعاً، لكن من الواضح أن حركته صارت أكثر بطئاً وثقلاً.‏

يرفع سماعة الهاتف، وبصوتٍ واهْ يتحدث)).‏

الرجل : ألو حبيبتي، أجل، أنا سامي، لم تأتِ إلى الآن؟! أنت قادمة، لكن كم الساعة، آه، الواحدة ليلاً، إنني في انتظارك يا حبيبتي، اليوم عيد العشاق، ويجب أن يشهد هذا اليوم ولادة حبنا، حبنا سيكون أقوى من النجوم والشموس، والفراغات والعوالم كلها، هل ستأتين أم لا؟ حسناً، سأنتظرك، أعلم أنّ ظروفك قاسية، فلا تهتمّي، إلى اللقاء يا حبيبتي، لا تتأخري، أنا في انتظارك.‏

((يضع السمّاعة وهو في قمة السعادة)).‏

آه، ما أجمل الحب بعد منتصف الليل، هكذا هي إرادة العشّاق يتحدّون الصعاب، ويركبون زورق المحال، آه، صديقي قادم.‏

((يدخل عامل التنظيفات)).‏

العامل : لقد هيَّأت لك كأس شايٍ كبير، سيدفئ جسدك، دعني ألمس يديك، آه، بدأ الصقيع يتسرب إليها، ما رأيك يا صديقي، لوعدت إلى دارك.‏

الرجل : هنا داري.‏

العامل : هنا دارك؟!‏

الرجل : هنا مكان من سألاقيها، من أحبها، إذن هنا موطني، وبيتي.‏

العامل : ما رأيك بقليل من الدفء، مع كأس شاي كبير، قرب مدفأة الحطب، داخل غرفتي؟‏

الرجل : قد تأتي حبيبتي، وتنظر إلى مقعدي، وتراه فارغاً، عندئذ تعود حزينةً كئيبة، لا، يجب أن أنتظرها هنا، في ضوء القمر الساطع، في هذه الليلة الحارة، البرد في الخارج، لكن قلبي يومض باللهب.‏

العامل : لقد حللتَ مشكلة نفاد الطاقة، يبدو أن خلاص الإنسانية هو في الحب وليس في البترول، إن احتجت لشيءٍ، فاهمس لي بفكرك، فآتي في الحال.‏

الرجل : ترى ستأتي حبيبتي.‏

العامل : ستأتي، حوريات الليل صادقات الوعد، بعكس النساء، من البشر.‏

الرجل : إذن سأنتظرها حتى شروق الشمس، ظروفها صعبة، وسأنتظر.‏

((يغادر عامل التنظيفات المسرح. يضم سامي الوردة إلى صدره بقوة، الظلام يهبط على المسرح رويداً رويداً. الظلام تام، لحظة، إضاءة خفيفة تزداد بالتدريج، يعلو صوت السيارات، يدخل شخصان عابران، ثيابهما رثّة. سامي نائمٌ على المقعد، والزهرة السوداء على صدره)).‏

الشخص1 : إيه ما هذا؟‏

الشخص2 : رجلٌ نائم.‏

الشخص1 : نائم أم ميت؟‏

الشخص2 : وما الفرق؟‏

الشخص1 : هيا، قد تكون معه صَيْدَة.‏

((يقتربان من سامي)).‏

إنه ميت.‏

الشخص2 : هكذا يبدو، فهو يبتسم بسرورٍ، ورضىً.‏

الشخص1 : لنفتشه، وأسرعْ، فقد يمر أحدٌ من الناس.‏

((يفتشانه بسرعة، يُخرج كل واحدٍ منهما بطاقة)).‏

ما بيدك؟‏

الشخص2 : بطاقته الشخصية، وأنت ماذا وجدت؟‏

الشخص1 : بطاقة مكتوب عليها، إلى من أحبها.‏

الشخص2 : ماذا يعني هذا؟!‏

الشخص1 : رجلٌ مجنون، أو من أهل البلاء.‏

الشخص2 : أجارنا الله من البلاء، ألن نأخذ منه شيئاً.‏

الشخص1 : لا.‏

الشخص2 : ما رأيك بهذه الوردة السوداء، نأخذها منه تذكاراً.‏

الشخص1 : دعها، إنّها تليق به، لعله كان يحلم بالضياء، فاحتضن زهرة سوداء، إنّه يضمها كأنها ابنته، أو حبيبته.‏







التوقيع :
الحب لك وحدك والشوق لك وحدك ..لاتفتكر أنساك ولاأحب بعدك
.
.
.
.................. أخوكم عاصفة نجد...........................

رد مع اقتباس
قديم 24-06-2006, 06:31 AM   رقم المشاركة : 2
نجم
-( مشرف سابق )-
 
الصورة الرمزية نجم
الملف الشخصي







 
الحالة
نجم غير متواجد حالياً

 


 

هلا وغلا

الف شكر على الموضوع

دعها، إنّها تليق به، لعله كان يحلم بالضياء، فاحتضن زهرة سوداء، إنّه يضمها كأنها ابنته، أو حبيبته.‏

ابداع في جميع الزوايا لك كل الغلا والاحترام







التوقيع :
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي

رد مع اقتباس
 
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"""" فريق برازيل الخفجي يحقق بطولتين في يوم واحد """" مجنون التايب منتدى الوسط الرياضي بالخفجي 12 24-06-2008 12:01 AM
""" أجمــــــل 100 بيت شعر يعبر عن الحب """ عاشق العلمين منتدى الأدب العربي الفصيح 12 12-04-2007 04:52 AM
..""..""...""" أيــالا يتهــــم فالنسيــــــا بخداعـــــه "..""."..."" دخــــٌيل :: الأخبار الرياضية والمواضيع المنقولة:: 5 13-08-2006 03:18 AM
مطلقة ظلمها أهل زوجها لأنها "سوداء" fowzy منتدى القصص والروايات 2 11-09-2004 01:30 PM
رياض الحب تزخر بالهوى وتعذب العشاق """"" راضـــي منتدى الشعر المنقول والصوتيات 3 04-08-2004 05:43 AM



الساعة الآن 07:00 AM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت