الطاعة تنوِّر القلب،وتجلوه وتصقُله، وتقوّيه وتثبته، حتّى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائهافيمتلئ نوراً؛ فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيبُ مُسْتَرِقي السَّمعِ من الشهب الثواقب. فالشيطان يفرَق من هذا القلب أشدَّ من فرَقِ الذئب من الأسد، حتى إنّ صاحبه لَيصرَعُ الشيطان، فيخِرّ صريعاً، فيجتمع عليه الشياطين، فيقول بعضهم لبعض: ما شأنه؟ فيقال: أصابه إنسيّ، وبه نظرة من الأنس!
فيا نظرةً من قلبِ حُرٍ منوَّرٍ...يكاد لها الشيطانُ بالنوريحرَقُ
أفيستوي هذا القلبُ،وقلبٌ مظلمةٌ أرجاؤه، مختلفةٌ أهواؤه، قد أتخذه الشيطان وطنَه، وأعدَّه مسكنَه. إذاتصبّح بطلعته حيّاه، وقال: فديتُ مَن لا يفلح في دنياه ولا في أخراه !
أنا قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها...فانت قرينٌ لي بكلّمكـانِ
فإن كـنتَ في دار الشقـاء فانّـني...وأنت جميعاً في شقاًوهوان
فاخبر سبحانه أنْ من عشا عن ذكره - وهو كتابه الذي أنزله علي رسوله - فأعرض عنه، وعميَ عنه، وعشَتْ بصيرتُه عن فهمه وتدبّره ومعرفةِ مرادالله منه = قيّض الله له شيطاناً عقوبةً له بإعراضه عن كتابه. فهو قرينه الذي لايفارقه لا في الإقامة ولا في المسير، ومولاه وعشيره الذي هو بئس المولى وبئس العشير.
ثم أخبر سبحانه أنالشيطان يصدّ قرينه ووليّه عن سبيله الموصل إليه وإلى جنته، ويحسب هذا الضالُّالمصدودُ أنَّه على طريق هدىً، حتى إذا جاء القرينان يوم القيامة يقول أحدهما للآخر: ياليت بيني وبينك بُعدَ المشرقين، فبئس القرين كنتَ لي في الدنيا! أضللتَني عن الهدى يعد إذ جاءني، وصددتَنى عن الحقّ، وأغوايتني حتى هلكتُ، وبئس القرين أنت لي اليوم!
ولما كان المصابُ إذا شاركه غيرُه في مصيبته حصل بالتأسّي نوع تخفيفٍ وتسليةٍ = أخبر الله سبحانه أنّ هذا غير موجود وغير حاصل في حقّ المشتركين في العذاب، وأنّ القرين لا يجد راحةً ولا أدنى فرحٍ بعذاب قرينه معه، وإن كانت المصائب في الدنيا إذا عمَّتْ صارت مَسْلاةً كما قالت الخنساء في أخيها صخر:
قال الأمام التابعي التقي النقي الخفي مطرف بن الشخير : ( لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا){حلية الأولياء}
جزاكم الله خيرا على المرور ,,,,,,,,,,