تربية الأطفال (7)
ويقطع صلى الله عليه وسلم خطبته ويترك منبره ليرحم عثرتهم:
عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق اللَّه إنما أموالكم وأولادكم فتنة" {التغابن: 15}، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما". صلى اللَّه عليك يا رسول اللَّه.
ويهتم صلى الله عليه وسلم بتهذيب مظهرهم وحلاقتهم:
عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيًا قد حُلق بعض شعر رأسه وتُرك بعضه، فنهاهم عند ذلك وقال: "احلقوه كله أو اتركوه كله". إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يحب تشويه منظر الطفل، ولا تشبيه مظهره بمظهر أبناء الكفار، ولا أن يكون حبنُّا لأطفالنا دافعًا لنا أن نفعل فيهم الأفاعيل، وإنما أراد لأبناء المسلمين أن يكون لهم مظهرٌ مميز وشخصية مستقلة، غير مقلدة ولا محاكية لشخصيات غير مسلمة كما يُرى في واقع كثير من الناس اليوم إلا من عافاه اللَّه.
ويشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم على حلاقتهم:
عن عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم - يعني بعد موته - ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم" يريد إنهاء الحِدَاد عليه، ثم قال: "ادعوا لي بني أخي". فجيء بنا كأنا أفرخ، فقال: "ادعوا لي الحلاق". فأمره فحلق رءوسنا
. وهذا فيه هَدْيٌ وإرشاد للآباء أن يُشرفوا بأنفسهم على حلاقة أبنائهم، ويقرروا متى يحلقونه ومتى يتركونه، ولا يتركوا للأبناء الحرية في ذلك، فربما قلدوا أصحاب "القُصة" وصنعوا مثل أرباب "الشوشة"!! وتركوا هَدْي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ويحملهم صلى الله عليه وسلم على عاتقه وعلى دابته:
عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسين على عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه". وعن عبد اللَّه بن جعفر أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلُقِّيَ بصبيان أهل بيته، قال: وإنه جاء من سفر فسُبِق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم فأردفه خلفه، قال: فأُدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وحمل صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين على عاتقيه (كتفيه)، وقال: "نِعم الراكبان هما، وأبوهما خير منهما". وعن عمر رضي الله عنه قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: نعم الفرس تحتكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ونِعم الفارسان" . وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء الحسن والحسين أو أحدهما، فركب على ظهره، فكان إذا سجد رفع رأسه قال بيده فأمسكه أو أمسكهما وقال: "نِعم المطية مطيتكما"
إنه التواضع من سيد البشر، والاهتمام بالنشء لبناء شخصيتهم وربطهم بمعلِّمهم الأعظم وقُدوتهم الأكرم؛ محمد صلى الله عليه وسلم .
ويبحث عنهم صلى الله عليه وسلم إذا فقدهم:
إن الأطفال نعمة من اللَّه سبحانه وتعالى، والذي يعيش مع هذه النعمة ويحس بها ويرى أثرها يجد نفسه في لهفة لرؤية الأطفال ومداعبتهم، والبحث عنهم عند فقدهم، وهكذا كان سيد ولد آدم؛ محمد صلى الله عليه وسلم . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع متكئًا على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى (أي جلس على مقعدته وهو يشبِّك ذراعيه حول ركبتيه) في المسجد، وقال: "أين لَكَاع؟ ادعوا لي لكاع"، فجاء الحسن عليه السلام فاشتد حتى وثب في حبوته، فأدخل صلى الله عليه وسلم فمه في فمه، ثم قال: "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه (ثلاثًا").
قال أبو هريرة: ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني.
ولَكَاع وَلُكَع هو الصغير قليل الجسم، وتطلق على قليل العلم الغبي الأحمق.