بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الموضوع : هل نشارك في المظاهرات القادمة أم لا ؟ــــــــــــــــــــــــ
أولا :
منذ أن جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله تعالى انفجرت في مكة مشاعر الغضب والكراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين من قبل عامة المشركين وزعماء الكفر بصفة خاصة .
عشرة أعوام مرة على المسلمين في مكة وهم يعذبون ويضطهدون حتى زلزلت الأرض من تحت أقدامهم واستبيحت في الحرم الآمن دمائهم وأموالهم وأعراضهم عشرة أعوام رؤوا فيها ألوان من العذاب الجسدي والنفسي .
وممن عذب من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين :
1 ) عمار بن ياسر رضي الله عنه كان المشركون يخرجون به وبوالديه إلى الصحراء في شدة الحر فيعذبونهم أشد أنواع العذاب .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهم فيقول لهم : (( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
2 ) وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه كان أمية بن خلف أحد زعماء الكفر في قريش يعذبه عذاباً شديداً في صحراء مكة حتى أنه كان يضع الصخرة العظيمة على صدره .
ما كانت ردة فعل بلال تجاه هذا التعذيب والاضطهاد سواء قوله : أحد أحد ...
3 ) وهذا خباب بن الأرت رضي الله عنه كان الكفار يعذبونه عذاباً شديداً لدرجة أنهم كانوا يضعون الأحجار على النار حتى تحمر ثم يفردونها على الأرض ثم يأمر بخباب ويسحب على ظهره فوق الجمر والأحجار الساخنة .
ــــــــــــــــــــــــ
وعندما أشتد العذاب والاضطهاد :
جاء بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردته في ظل الكعبة فقالوا : يا رسول الله : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط من الحديد دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى ييسر الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون )) .
ــــــــــــــــــــــــ
تأمل أخي القارئ حرم الله وجهك على النار :
لم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقيام بالمظاهرات أو الاعتصام بالمسجد الحرام احتجاجاً على هذه السياسة المستخدمة تجاههم من قبل كفار قريش وزعمائهم ولم يقم الصحابة بأي مظاهرة احتجاجية .
لماذا ؟
لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
ــــــــــــــــــــــــ
ثانيا :
وهنا وقفة مهمة لنعرف حكم المظاهرات في هذا العصر :
1- هل نحن نعيش في مجتمع كافر كذاك المجتمع المكي الذي كان يعيش فيه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لاشك ولا ريب لا .
2- هل نحن نواجه عنف واضطهاد كذاك الاضطهاد الذي كان يعيشه الصحابة في مكة لاشك ولا ريب لا .
3- هل نحن نعيش في ظل دولة كافرة كتلك التي كان يعيش تحت ظلها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لاشك ولا ريب لا .
فدولتنا دولة مسلمة تحكم الشريعة الإسلامية وهي الوحيدة التي تدعوا إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدع مع وجود أخطاء وتقصير من قبلها عفا الله عنا وعنها .
ــــــــــــــــــــــــ
ليزداد وضوح حكم المظاهرات لك تأمل في آثار المظاهرات التي قام بها بعض المسلمين في العالم الإسلامي :
خرج المسلمون في الكثير من الدول الإسلامية بمظاهرات بالملايين كخروجهم في حرب أمريكا على أفغانستان والعراق وغير ذلك .
يصرخون بأعلى أصواتهم فلتسقط أمريكا لا للحرب فلتسقط أمريكا لا للحرب وغير ذلك من العبارات وحرقوا الأعلام وكسروا وفعلوا وفعلوا .
ماذا حصل :
أ – لم تسقط أمريكا أو تتراجع عن اعتداءها على الإسلام والمسلمين .
ب – لم تغير الحكومات من سياساتها رغم هذه المظاهرات .
ت- تعرضت أموال المسلمين العامة والخاصة لضرر والإتلاف أثناء المظاهرات .
ج – في كثير من الأحيان يتم الاعتداء على المتظاهرين من قبل رجال الأمن بالضرب أو السجن .
د- تعطيل مصالح الناس .
هل نشارك في المظاهرات القادمة أم لا ؟
إن من له أدنى بصيرة بمقاصد الشريعة كقاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "
أو له معرفة بالقواعد الفقهية كقاعدة " الأخذ بأخف الضررين " وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار "
أو يعرف مواقف العلماء في زمان الفتن كما وقع في زمان الخليفة العباسي المأمون :
الذي قتل بعض العلماء وسجن الذين لم يقولوا بقوله وهو أن القرآن مخلوق وليس كلام الله وأمر بوضع المتاريس في طرقات الناس وامتحانهم واجبرهم على أن يقولوا بهذا القول الباطل ( الذي اعتبره بعض العلماء كفر مخرجا من الملة )
لم نسمع أو نقرأ بأن العلماء كالإمام الشافعي أو أحمد بن حنبل أو غيرهما من الأئمة الذين عاصروا هذه الفتنة رحمة الله عليهم أجمعين أن أحد منهم اعتصم في مسجد ما أو خرجوا في مظاهرة احتجاجية
و لم نسمع أو نقرأ أنهم كانوا ينشرون عيوب الخليفة المأمون ويحرضون الناس عليه كما تفعل قناة الإصلاح عفواً أقصد قناة الإفساد . ( هذا هو اسمها الحقيقي الذي ينبغي أن يطلق عليها ) .
أخي القارئ أحسن الله إليك :
أن من له معرفة بالاتجاهات الفكرية الموجودة في الساحة من رافضة وقبورين وعلمانيين ودعاة تحرير المرأة ومنافقين وغيرهم فإنه لن يرضى أن يكون السبب في فتح الباب لهم ليحتجوا بفعل أهل السنة فيفعلون مثلهم و يخرجون في مظاهرات يطالبون بتحقيق رغباتهم الباطلة .
ــــــــــــــــــــــــ
إخواني غفر الله لي ولكم :
من كان له معرفة بهذه الأمور يعرف تماماً أن المظاهرات والاعتصامات أنه حرام ولا تجوز شرعا وهي من التشبه بالكفار وتخالف مبدأ ديننا الحنيف .
فديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة .
ــــــــــــــــــــــــ
ولا يعني هذا :
السكوت على أخطاء وتقصير ولاة الأمور بل حثت الشريعة بمعالجة هذه الأخطاء والتقصير عن طريقة مجموعة وسائل منها :
1 ) المكاتبة بكتب رسالة نصيحة لهم تحتوي الأخطاء والتقصير الموجود .
2 ) النصيحة بالمشافهة مع الأمير أو الوزير أو السلطان .
3 ) الدعاء لهم بالهداية سراً وعلانية .
( قال بعض السلف الصالح : إذا رأيت الرجل يدعو للإمام فأعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيته يدعو عليه فأعلم أنه صاحب بدعة )
4 ) كما تكون يولى عليكم .
أي الاهتمام بإصلاح المجتمع بتصفيته من شوائب الشرك والبدع وأسباب التخلف الإنساني والعقلي وتربيته على التوحيد والسنة والتعليم الذي يؤثر في الباطن والظاهر و السمو بالمجتمع في جميع مجالات الحياة اليومية والفكرية والتربوية .
هكذا تعالج الأخطاء التي تقع من ولي الأمر ليس بالمظاهرات والاعتصامات وليس بالتشهير على المنابر ووسائل الإعلام بذكر العيوب والأخطاء وتحريض الناس .
ــــــــــــــــــــــــ
ثالثا :
إخواني حرم الله وجوهكم على النار :
لو سلمنا جدلا أن المظاهرات مشروعة على قول من يقول بمشروعيتها .
السؤال الأول : ما حكم طاعة ولي الأمر في غير معصية الله ؟
السؤال الثاني : إذا تعارض الواجب و المشروع فأيهما يقدم ؟
من له أدنى بصيرة بالسنة النبوية الصحيحة وقواعد الفقه الإسلامي يعلم أن طاعة ولي الأمر في غير معصية الله واجبة ومما يدل على ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يأمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) رواه مسلم .
و كما هو معروف في علم أصول الفقه أن ( على ) من صيغ الوجوب .
عليه إذا أمر ولي الأمر بعدم إقامة هذه المظاهرات فأيهما يقدم أيها المسلم الواجب وهو طاعة ولي الأمر في غير معصية الله أم المشروع ( جدلا ) وطاعة من فارق جماعة المسلمين داعي الفتنة الفقيه هداه الله .
أترك الجواب لك ولتعلم أن هذا دين لا مجال فيه لهوى النفس .
ــــــــــــــــــــــــ
إخواني أحسن الله إليكم في الدنيا والآخرة :
لقد أفتى العديد من العلماء الراسخين في العلم بعدم جواز المظاهرات ومنهم كما يلي :
1 ) العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله .
2 ) العلامة الشيخ محمد بن عثيمين يرحمه الله .
3 ) العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله .
4 ) العلامة الشيخ صالح بن غصون يرحمه الله .
5 ) فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله .
6 ) فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله .
وغيرهم من العلماء رحمة الله عليهم أجمعين
أنظر كتاب الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية لمحمد الحصين من صفحة 137 إلى صفحة 144 .
أخي القارئ بارك الله فيك :
لا شك أن من لا يستطيع تحقيق المسائل الشرعية واستخراج أحكامها من أدلتها التفصيلية فالسعادة كل السعادة له والفوز كل الفوز أن يكون في مركب ومظلة كبار العلماء الراسخين في العلم كمن ذكرنا أعلاه وذلك خير له من السير في مركب و مظلة المتعالمين والعامة من الناس .
ــــــــــــــــــــــــ
و أما ما يروى من خروج عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد إسلامه مع المسلمين في صفين صف فيه عمر وصف فيه حمزة رضي الله عنهما فهي رواية ضعيفة في إسنادها إسحاق بن أبي فروة .
ــــــــــــــــــــــــ
والله أعلم والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المسلمين .
اللهم اغفر لي ولإخواني فإننا نحب الحق
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته