مفهوم التطور
...................................
بقلم : ناجى السنباطى
........................
في معجم لاروس أن التطور " يعني الانتقال من مرحلة إلي أخـرى ، كما أنه يعني التعديل والإضافة ، بغرض التحسين ، كما أنه يعني النمو والتقدم ، كما يضيف المعجم العربي الحديث (لاروس) ، أن التطور " يعني تحول الكائنات الحية تحولا تدريجيا ، نتيجة لتغيرات تحدث في مورثاتها ، ولكننا لسنا مع الرأي من نظريات التطور ( النشؤ والارتقاء ) التي نادى بها ( دارون ) ، ليس لمخالفتها ، لديننا الإسلامي فقط ، بل إلي عيب في تكوينها ، ذلك أنها تأخذ بتسلسل وتطور الكائنات الحية ، من الخلايا البسيطة ( الأميبا ) ، إلي الخلايا دقيقة التكوين (الإنسان) والعيب الذي وجـه إليها وجود حلقة مفقودة بين ( القـرد ) ، والإنسان ولكن العيب الأساسي من وجهة نظرنا ، أنها تلغى قاعدة أساسية ، في هذا الوجود وهو أن الله جلت قدرته يقول " للشىء كن فيكون " ، ومن هذا فهو يستطيع بقدرته خلق الكثير من الأصناف والحيوان والإنسان ، في نفس الوقت فنجد الكثير من الخلايا البسيطة تعيش في ظروف خلقت من أجلها ونجـد الخلايا المركبة ، في أشكال مختلفة ، ومن ثم فنحن مع النظرية الطبيعية ، وهي تعـدد الخلق ، لأن الخالق واحـد وهو القادر وهو المنشىء بل يؤكد ذلك أن دورة الحياة العلمية ، تعتمد علي الخلق بأنواعه المختلفة من نبات وحيوان وإنسان ومن الشمس وغير ذلك من المخلوقات فيما يسمى " بدورة لازوت ، وكذلك التمثيل الضوئي ، و التي تسير بها الحياة في الأرض وفي البحر وفي الجـو ، وليس الخطا في عدم الفهم أو قصور العلم ، عن الوصول ، إلي كل حقائق الكون كما يقول ( الشيخ الشعراوي ) ، فكم من المستحدثات ، موجودة أصلا ، ولكن عدم معرفة قانونها ، تجعلها مجهولة لنا.
وعلي هذا الأساس ، نشأ التطور ، بتفاعل عناصر الحياة ، منذ بدء الخليقة وحتى اليوم ، وآيات القرآن جميعا ، تعطي للعقل دورا كبيرا في إجراء هذا التطور فيبدأ بسيطا ، مع حياة بسيطة ويظل متدرجا ، لمقابلة احتياجات يومية ومحاولة حل مشاكل قائمة ، وكلما زادت الحاجة ، زادت الحاجة إلي وجـود الحل لها ، وطرحت البديلات المختلفة ، ليختار البديل الملائم ، الذي يسعى إلي التطور ولنقص الموارد جاءت الحاجة إلي محاولة استغلالها ، استغلال أمثل ، من حيث الوقت والتكلفة والجهد ، وأدى ذلك ، إلي تحسين الوسائل لمقابلة هذا ، ولقد أعطى الله للناس ، فرصا واحـدة متساوية ، ولكن هناك من يشغل هذا العقل ، ومنهم من يتكاسل في ذلك ومن ثم يظهر أثر ذلك ، في نتاج العقل المختلفة ، كما ان الطبيعة البشرية والحاجة خلقت المنافسة والأخيرة أدت إلي محاولة التفنن والتجدد والابتكار ، ثم أدت أيضا إلي الاحتكار ، ماديا وعقليا ، وابتكارا ، فتقدمت مجتمعات ، وتخلفت مجتمعات وليس المهم في مقدار الموارد ، التي تحتفظ بها دولة وإنما المهم في كيفية استغلال هذه الموارد بطريقة سليمة واقتصادية ، ومن قبل كيفية اكتشافها وقد أدى هذا إلي محاولة تطوير في الأساليب ، وفي الأجهزة والمعدات وكافة الوسائل ، وأصبح من يملك أدوات الاستغلال والاكتشاف ، هو المسيطر علي هذه الموارد ، وازداد تبعا لذلك معدل التطور ، حتى وصل في القرن الحالي إلي مرحلة متقدمة جدا ، عبر طفرات سريعة وقصيرة زمنيا ، وانعكس هذا التطور ، علي كل شىء في الحياة من وسائل المعيشة ( غذاء – مسكن – ملبس – عمل – صناعة – زراعة – تجارة – اقتصاد ) إلي وسائل الربط بين المجتمع وهذه المجتمعات ( مواصلات – أجهزة ومعدات – تربية وتعليم وثقافة ) وجمع بين كل هذا عملية التنمية للاستفادة بكل هذه العناصر وتتطلب كل هذه الجهود إدارة تخطط وتنظم وتدير كل هذه العناصر.
ولكن هل كل تطور مطلوب ؟ وهل كل تطور يلائم كل مجتمع ؟ وهل التطور في الدول المتقدمة يلائم التطور في الدول النامية أو المتخلفة ، وهل مستحدثات التطور في مجتمع مثلا غربي بما فيه من أجهزة ومعدات وتطور في الأساليب ، وفي العادات والأنماط الإنسانية ، يلائم طبائع الإنسان العربي المسلم ، فقد يكومن التطور عاكسا لأنماط وعادات إنسانية تختلف مع معتقدات وعادات وأنماط مسلم.
ليس هذا فقط ، بل قد نتساءل ، عن مستحدثات لا تلائم الإنسان العربي المسلم فقط بل لا تلائم إنسان هذا المجتمع ، علاوة علي أنها لا تفيد هذا الإنسان بشىء حقيقي أو تضيف إلي المجتمع إضافة جديدة ، مثل زيادة الإنتاجية ، أو ترشيد التكاليف أو تسهيل وسيولة الأعمال والخدمات.
في الحقيقة ، أن التطور يجب أن يكون متلائما مع المجتمع ومع العادات والتقاليد ولا يخالف بل نزيد علي ذلك أن يكون مفيدا ، للمجتمع اقتصاديا وإنسانيا وقبل كل ذلك الاستعداد له ، بوجود الكوادر الفنية المؤهلة ، تدريبيا له ، والمؤهلة نفسيا له ووجود دراسة الجدوى الاقتصادية ، لاتخاذ قرار ، بإدخال مستحدثات في ضوء المقارنة بين بدائل الانفاق المختلفة ، مثلا هل من الأفضل إدخال آلة جديدة ، تنتج الآيس كريم ، علي مستوى واسع أم إنشاء وحدة أو مستشفى صحية ، أو إنشاء مدرسة جديدة أن اختيار الشكل الملائم لإحداث التطور ، يجب أن يكون عائدا بالخير ، علي المجتمع وأفراده وان يؤدي إلي استمرار هذا الخير ، وكمثال آخر اخترعا شركة ناشيونال العالمية " شيشة كهربائية ، تشعل النار بالكهرباء " ماذا يضيفه هذا الاختراع ، للمجتمع بالعكس أنه يؤدي إلي زيادة المدخنين بالإضافة إلي زيادة استهلاك كمية أكبر من الدخان والفحم ، وتوجيه جزء أكبر من دخل الأسرة لبند التدخين.
إننا نضرب هذا المثل مع غرابته لموضوع دراستنا.
ويرى د. عبد المنعم تليمة أن الفن " يوصف بالتطور ، لأنه يعكس حركة واقع جديد متغير أبدا ، ولذا فإن نموذج هذا الواقع ، متغير يفيد ويقول ، أن التغير معناه التغير إلي الأفضل ".
أما أرنست فيشر ، فيرى أن تطور الفن محكوم بتطور المجتمع ويربط بين التاريخ المنهجي للفن ، باستخلاص قانون تطوره ، وبكيفية عمل هذا القانون وفق قوانين أعمل واشمل أي أن تاريخ الفن ، يعتبر بجمالياته ، انعكاس للواقع ، وتساعد هذه المنهجية علي الدرس العلمي للفن من حيث مراحل تطور وازدهاره ومن حيث اتجاهاته ونظرياته وأساليبه ومناهجه ومدارسه وأنواعه ، ومن حيث قيمة موضوعاته ونماذجه الإنسانية ، ويحتاج كل من هذه الجوانب ، في فن واحد ، ومجتمع يعيش فيه إلي درس منهجي منظم ، يوضح هذه العلاقة بين المبدأ الجمالي ، والمجتمع الذي ينشأ فيه الفن.
ويضيف بأن " الفن عمل خاص ، وينتج الفنان آثاره ، في ظل ظروف محددة ، من حيث تطور الوسائل المختلفة ، من أدوات وخامات وعادات الفنان وعلاقاته ، ومن حيث تقسيم العمل الفني والتخصص فيه.
إن الفنان يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه وينعكس ذلك علي الفن وهذه العلاقة يستطيع أن يجعل الفنان قادرات علي الإحساس بها ، مستلهما ذلك من تجاربه وخبراته السابقة ، ومتطلعا إلي المستقبل.
والتطور ذلك ، له قوانين العلمية ، التي تحكمه " ويقف هيجل وجورج فلهيم فردريك ( 1770 – 1831 ) علي رأس النظريين المثاليين ، الذين جعلوا التطور حركة عامة للظواهر والأحـداث في الطبيعة والتاريخ والمجتمع والإنسان ، ولكنه يرى في هيجل أنه مثالي المذهب موضوعي المنهج ، ونحن كما قلنا ، مع مفهوم التطور ( الذي يكتشفه الإنسان ويدفع به ، بما أعطاه الله من ملكة التفكير والعمل ولسنا مع النظرة إلي التطور كحتمية تاريخية ) ولقد أسس هيجل مذهب المثالي ، علي أن الفكرة أو الروح المطلق جوهر للعالم ، وعلي أن الواقع بظواهره ، ونشاطاته وأشيائه تجسيدا لهذا الجوهر وتعبير عنه.
لهذا فإن تطور الفن ، من جهة أشكاله وأنواعه ، يتجه إلي الانتقال من ( الحجوم ) إلي الجسوم إلي الرسوم ، وكل انتقاله ، من هذه الانتقالات الثلاث ، هي المفسر للاتجاه الفني الغالب ، في كل نمط من أنماط الفن الثلاثة ، وهي المفسر للنوع الفني ، الذي ساد في كل مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني الثلاث ( من العمارة) الحجم ، في مثل النمط الرمزي ، في تاريخ الفن ، وهو فن الحضارة الشرقية القديمة ، وفن النحت ( جسم ) ، هو مثال للنمط الكلاسيكي في تاريخ الفن ، هو في الحضارة اليونانية القديمة ، وفن التصوير ( رسم ) هو مع الموسيقى والشعر مثل النمط الرومانسي ، في تاريخ الفن ، وهو واحد من الفنون الأساسية في الحضارة الحديثة.
خلاصة :
تعرضنا لمفهوم التطور وتاريخه والفن وتطوره وعلاقته ، بالمجتمع وذلك كتمهيد ، لبحث تطور الفن الصحفي ، ونخلص إلا أن التطور المنشود ، لأي مجتمع يجب أن يتسم بالصفات التالية :
1- أن يتناسب مع طبيعة المجتمع ودينه وعاداته وتقاليده وأخلاقياته.
2- أن يكون مفيدا لهذا المجتمع ، ومساهما في التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
3- أن تكون الوسيلة المستخدمة لاحداث التطور ، في أي ميدان ، غير متناقضة مع الدين الإسلامي وأخلاقيات المجتمع.
4- أن الدعـوة إلي قيم وتقاليد وعادات وأنماط جديدة ن فيما يسمى بالمودرن أو العصرية ، لا يعد تطورا ، أو وصف من يتخلف عن الأخذ بها ، أنه غير متطور وغير عصري وقديم و تقليدي ، إذ أن الثابت أن التمسك بالدين والقيم والأخلاقيات والعادات الفاضلة ، ترفع من مستوى المجتمع أي تطوره إذن هي المقياس الذي يقاس علي أساسه وليس العكس.
5- التطور يحدث في الوسائل والآليات والأجهزة والمعدات والآلات ويحدث أيضا علي مستوى البشر ، فكر وسلوك وممارسة في ضوء ما تقدم.
ومن كل هذا نستطيع أن نقول ، أن مفهوم التطور هو " مقدار ما يضاف إلي المجتمع من تحسينات وإضافات وبما يعود علي ، ويبسط ويسهل حركة الحياة ، ويرتقى بها ويعود بالرفاهية والخير ، علي أفراد المجتمع جميعا ، دون تمييز إلا بالمساهمة والتعاون في هذا التقدم ويدعم من قيم وأخلاقيات وتقاليد المجتمع ولا يتناقض مع دين أو عقيدة أو عادات أصلية.