بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أما بعد:
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك حيث برر البدعة في مقالته المنشورة في جريدة (الندوة) (عدد 1112) الصادر في 7/4/ 1383 هـ بأمور:
أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة [ ] الخمسة.
الثالث: قول عمر بن الخطاب [ ] في قضية التراويح: (نعمت البدعة).
الرابع: قول عمر بن عبدالعزيز: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور).
الخامس: دعوى الكاتب: أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي [ ] صلى الله عليه وسلم الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتي بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد ثانياً.
فنقول وبالله التوفيق:
أما دعوى الشنقيطي: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي [ ] وإن كان بدعة ـ فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته لأمور:
أحدها: أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي : أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة.
الثاني: أن الاحتجاج على تحسين البدع [ ] بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم، كما بينه الشاطبي في (الاعتصام) نقلاً عن بعض مشايخه ، ثم قال:
( ولما كانت البدع [ ] والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول :لو كان هذا منكراً لما فعله الناس )
ثم قال:( وما أشبه هذه المسألة بما حُكي عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبدالله ابن إسحاق الجعفري قال: كان عبدالله بن الحسن ـ يعني: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم يكثر الجلوس إلى ربيعة ، فتذاكروا يوماً ، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا ، فقال عبدالله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [ ] في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" :
( من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد ، فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة)
قال:(ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم !) قال:(وإذا كان أكثر أهل العلم [ ] لم يعتمدوا على عمل أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أٌتوه من العلم [ ] والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة، أو من قيدته العامة ،أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم [ ] ، ولا يعدون من أولي الأمر، ولا يصلحون للشورى ،ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة، أحسن أحوالهم [ ] فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين ).
ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة وهي دعوى الإجماع على العادات المخالفة للسنة ليس طريقة أهل العلم [ ] لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم [ ] والدين، وذكر أن الاستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم [ ] والإيمان، ثم قال: ( والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق [ ] في العلم [ ] والجدل والكلام والعمل ).
لمتابعة المقال أضغط على الصورة