اقامة الحجج والبراهين على أن الجماعة شرط صحة في صلاة المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد : فان سبب تأليفي لهذه الرسالة التي أرجوا من الله قبولها هو أني نظرت في حال المسلمين اليوم فوجدت أن الكثير منهم لا يعلم بحكم صلاة الجماعة فمنهم من يقول بالاستحباب ومنهم من يقول أنها فرض على الكفاية ومنهم من يقول بالوجوب وقليل منهم من يقول أنها شرط لصحة الصلاة واني عندما قرأت أقوال هؤلاء جميعاَ رأيت أن الحق مع من قال هي شرط في صحة الصلاة وسيعلم القارئ لماذا اخترنا ذلك
ولكني أوصي من سيقرأ هذه الرسالة بأشياء:-
أولها: التجرد للحق فان كنت تحب أحداَ ممن خالفنا قوله في هذه الرسالة فإياك ثم إياك أن تقدم قوله على قولنا بسبب علمه أو مكانته أوغير ذلك , وانما أوصيك بالتجرد والبحث في قولنا وقوله ومن ثم فسيكون ترجيحك لأحد القولين مبني على حق كما في الحديث عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألت عنه فقال لي (ادن يا وابصة فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال لي يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه قلت يا رسول الله أخبرني قال جئت تسأل عن البر والإثم قلت نعم فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ) رواه أحمد بإسناد حسن.
ثانياَ: التنبيه على الاخطاء التي في الرسالة فلا بد لكل عمل من نقد حتى يحسن ويكمل.
ثالثا: اذا ترجح لك ما ترجح لي فاعلم أنها مسؤليتك فغالبا لن تجد في مكانكم الذي تسكن فيه داعيا الى هذا القول فتصير الدعوة هنا واجب عيني لا على الكفاية فقم وادع الى الحق الذي علمت به وذلك بعد حفظك الأدلة.
وأخيرا أقول لا تنسونا من صالح دعائكم لنا بالتوفيق والقبول والنجاة ان ربنا خير مسئول وبالاجابة جدير.
الباب الأول: في ذكرالأدلة على أن الجماعة شرط في صحة الصلاة:-
الفصل الأول
بيان الأثار التي ثبت رفعها الى النبي صلى الله عليه وسلم بتصحيح الألباني رحمه الله:-
1- روى الحاكم والدينوري والمنذري : عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا (من سمع النداء فارغاَ صحيحاَ فلم يجب فلا صلاة له).
2- روى ابن حبان والحاكم وابن ماجه:عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر).
3- روى البيهقي والخطيب البغدادي وعبد الحق الاشبيلي(في الاحكام الكبرى): عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له الا من عذر).
الفصل الثاني
بيان لبقية الآثار:-
1- روى ابوداود والبيهقي كليهما عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاَ (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر قالو وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى).
2- روى ابو نعيم :عن ابن عمر مرفوعاَ(من سمع الفلاح فلم يجبه فلا هو معنا ولا هو وحده).
3- روى ابن ابي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت (من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيراَ ولم يرد به).
4- وروى ابن ابي شيبة كذلك: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له.
5- وروى ابن ابي شيبة: عن مجاهد عن ابن عباس قال : اختلف إليه رجل شهرا يسأله عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة قال في النار.
الباب الثاني في بيان وايضاح لبعض هذه الأدلة:-
الحديث الأول: روى الحاكم والدينوري والمنذري : عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا (من سمع النداء فارغاَ صحيحاَ فلم يجب فلا صلاة له):-
-قوله صلى الله عليه وسلم من سمع النداء: فيه أن الذي لا يسمع النداء لا يدخل في هذا الحكم .
- قوله فارغاَ: خرج به صاحب الشغل المقيد بالنص الشرعي كما سيأتي ان شاء الله في الأعذار.
-قوله صحيحاَ: خرج به المريض فهو ضد الصحيح.
-قوله فلم يجب : وذلك بحضوره الجماعة في المسجد .
-قوله فلا صلاة له : أي أن صلاته باطلة غير مقبولة وليس المراد هنا نفي الكمال وانما هو نفي الصحة كما سيأتي في موضعه ان شاء الله.
الحديث الثاني: روى ابن حبان والحاكم وابن ماجه:عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر).
-قوله فلم يأته: فيه رد على من قال بأن المنفرد اذا صلى بغيرعذر فقد أجاب النداء فقد صرح النبي بالاتيان ويكون الإتيان الى المسجد لأنه موضع الأذان.
- قوله الا من عذر: فيه أن صاحب العذر صلاته صحيحة ولا حرج عليه ولكن هل أجره مثل الذي صلى جماعة أم أن المصلي جماعة يفضله بسبع أو خمس وعشرين درجة, سنذكر ذلك في موضعه باذن الله.
الحديث الثالث: روى ابوداود والبيهقي كليهما عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاَ (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر قالو وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى).
- صحح الألباني رحمه الله هذا الحديث بطرقه في كتابه (ارواء الغليل) ثم وجدته ضعفه في صحيح أبي داود وقال بأنه صحيح دون السؤال عن العذر وبلفظ فلا صلاة له أي أنه صحيح بأن نقول (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر فلا صلاة له).
- ولكن نقول نحن في غنىَ عن الإستدلال بحديث ضعيف فالحديث بهذا اللفظ كاف في دلالته كما بينا في ما سبق من أحاديث.
الحديث الرابع: روى ابو نعيم :عن ابن عمر مرفوعاَ(من سمع الفلاح فلم يجبه فلا هو معنا ولا هو وحده).
وهذا الحديث وضعه الألباني شاهدا لحديث ابي بردة عن ابيه أبوموسى الأشعري الذي ذكرناه آنفاَ , فلم يتعرض علامة الشام له بالتصحيح ولا بالتضعيف وانما اكتفى بنقله لحكم ابي نعيم أنه حديث غريب ثم قال الألباني (فيه من لم أعرف) ففي هذه الحالة نأخذ بحكم صاحب الحلية(ابو نعيم) عليه وقد حكم بغرابته والغريب من قبيل المقبول , اذا فالحديث صحيح عند أبونعيم وبالتالي فما علينا الا التسليم والتقليد لأهل الأثر.
فنقول: هذا الحديث هو أقوى برهان على قولنا, فإن قوله فلا هو معنا معلوم فهو لم يكن مع الجماعة وتخلف ولكن الطامة الكبرى والمصيبة العظمى عليه هي عدم صحة صلاته فقد نفى النبي صلاته الفردية ايضا,وهذا نفي صحة لا نفي حقيقة فهو في الحقيقة قد يصلى ولكن صلاته باطلة لمخالفته للهدي النبوي الذي فيه أن الجماعة شرط لصحة الصلاة في حق الرجل الصحيح الفارغ كما تقدم,فكيف يجيب من يقول بصحة صلاة المنفرد من غير عذر على هذا الحديث؟ .
الحديث الخامس: أورد ابن حزم في المحلى عن سفيان الثوري باسناده الى عائشة رضي الله عنها موقوفاَ قالت (من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيراَ ولم يرد به)رواه ابن ابي شيبة.
ولعل الأثر واضح فوجه دلالتنا منه أن الجماعة لولم تكن شرطاَ في صحة الصلاة لما قالت ام عبدالله رضي الله عنها ولم يرد به فالذي لم يرد الله به خيراَ لا يثيبه, فانه لا يشك أحد أن الثواب خيربل وهو أفضل الخير, ثم إنه على قول من قال بصحة صلاته كان يجب أن تفصل أم المؤمنين بين حكم تاركها ومن صلى منفرداَ ولكنها لم تفعل ,وعليه فان المصلي منفرداَ بغير عذر كمن لم يصلي في الأجر وأما من ناحية اسلامه وكفره فقد أدى الصلاة التي فيها عصمت الدم والمال فلا نكفره وحسابه على الله تعالى .
*ولعل ما ذكرنا في هذا الباب كاف لمن كان له قلب أو ألق السمع وهو شهيد وهذا الباب هو مربط الفرس وسبب تأليف الرسالة.
الباب الثالث في بيان الأعذار المتسببة في صحةصلاة المنفرد:-
أولاَ جميع الضرورات قال تعالى (فمن اضطرغير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ان الله غفور رحيم) فمن هذه الأية أخذ العلماء القاعدة المشهورة الضرورات تبيح المحظورات فإن عدم اجابة المؤذن من أكبر المحاذير ولكن يباح المحذور عند وجود الضرورة.
ثانياَ: المرض كما صرح بذلك الحديث من رواية ابي موسى رضي الله عنه وفيه (فارغاَ صحيحاَ) فإشتراطه للصحة يخرج به المريض وكما في حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه وهو مشهور لا يحتاج أن نذكره, ولم نستدل بحديث ابن عباس الذي فيه قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن العذر (خوف أو مرض) لضعفه كما بينا من قبل.
ثالثا:حوجة الانسان لدخول الخلاء كما روى أبوداود باسناده الى عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه أنه خرج حاجا أو معتمرا ومعه الناس وهو يؤمهم فلما كان ذات يوم أقام الصلاة صلاة الصبح ثم قال ليتقدم أحدكم وذهب إلى الخلاء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء) صححه الألباني.
رابعاَ: المطر وهذا أصلاَ ما كان يحتاج منا الى ذكر لولا هجران الناس للسنن لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم المطير أن يقول المؤذن (صلوا في رحالكم)أو(صلوا في بيوتكم) وكلا الروايتين صح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن لجهل المؤذنين في زماننا هذا صاروا ينادون في اليوم المطير أن حي على الصلاة حي الفلاح فهنا لا يجب عليك اجابتهم بل ويستحب أن تصلي في البيت موافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري ومسلم:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ (إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ تَقُلْ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ قُلْ صَلُّوا فِى بُيُوتِكُمْ - قَالَ - فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِى الطِّينِ وَالدَّحْضِ ).
خامساَ: الذي أكل الثوم أو البصل, روى الامام مسلم : عن جابررضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال : من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يأذى منه الإنس ). وأعلم أخي القارئ أنه لم يحرم الله أكلهما فقد روى مسلم : عن أبي سعيد قال لم تغد أن فتحت خيبر وقعنا في تلك البقلة الثوم فأكلنا منها أكلا شديدا قال والناس جياع فرجعنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح فقال ( من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربنا في المسجد ) فقال الناس حرمت فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها ).
-ويستثنى عن هذا الحكم من أكلهما علاجاَ فيجوز له حضور الجماعة :عن المغيرةِ بنِ شعبةَ قال : أكلتُ الثومَ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُ المسجدَ وقد سُبِقْتُ بركعةٍ فدخلتُ معهم في الصلاةِ ، فوجَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ريحَه فقال : " من أكلَ من هذه الشجرةِ الخبيثةِ فلا يقربَنَّ مصلاّنا حتى يذهب ريحها ، فأتممتُ صلاتي ثم سلَّمتُ ، قلت : يا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، أقسمتُ عليك إلا أعطيتَني يدَكَ ، فناولني يدَه فأدخلتُها في كُمّي حتى انتهيتُ بها إلى صدري فوجده معصوباً ، فقال : " إنَّ لك عذراً ، أو أرى لك عذراً ". رواه البيهقي وأحمد وابن حبان.
- هذا ما تيسر ذكره من الأعذار ولعل غيرها الكثير ولكن هذا بحث متواضع فمن أراد المزيد فليراجع الكتب المطولة ذات العلم الغزيرعلماً أن هذه أهم الأعذار.
الباب الرابع: ذكر شبهات من خالف القول بأن الجماعة شرط في صحة الصلاة والرد عليها:-
جاء هذا الباب لأهميته فكل من خالف هذا القول له من البراهين والأدلة الشئ العظيم يرد به على هذا القول ونحن سنذكر أقواها ان شاء الله :-
الشبهة الأولى:عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )متفق عليه.
هذا الحديث احتج به من قال بالاستحباب على من قال بالوجوب فردو عليهم ثم احتج به من قال بالوجوب علينا فقالوا: لولا أن صلاة المنفرد صحيحة لما قال النبي (صلاة الفذ) فهنا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له صلاتاَ صحيحة أنتم تبطلونها, فنرد عليهم بأن نقول :-
نعم أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمنفرد صلاة وهذا في حال عذره كما في الحديث (فلا صلاة له الا من عذر) فيفهم منه أن له صلاة حال كونه معذوراَ, فان قالوا من أين لكم هذا التخصيص فالنص عام قلنا جاء التخصيص جمعاَ بين الأدلة حتى لا يستلزم ذلك تعارضاَ بين النصوص فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عن المنفرد في أحاديث كثيرة وأكثرها بيانا قوله (فلا هو معنا ولا هو وحده) فكما أنه لم يصلي جماعة فهو لم يصلي وحده وذلك كما بينا أي صلاته باطلة كأن لم يصلى والا فقد يصلي حقيقة.
الشبهة الثانية:أن النفي في قوله (فلا صلاة له) نفي كمال لا نفي صحة نقول لهم يلزمكم أن تقولوا بأن قوله صلى الله عليه وسلم (من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له) هذا كذلك نفي كمال ولن تقولوا ذلك أبدا فأنتم مجمعون أن هذا نفي صحة فكما قلتم هناك فقولوا هنا , ثم ان الحديث : عن ابن عمر مرفوعاَ(من سمع الفلاح فلم يجبه فلا هو معنا ولا هو وحده) نفى فيه النبي الصلاة جماعة ثم نفاها عنه لوحده دل هذا على اشتراكهما في شئ ألا وهو العدم فكلاهما لم يصلي أما الذي صلى منفرداَ من غير عذر فهذا كمن صلى بدون فاتحة الكتاب فلا صلاة له.
الشبهة الثالثة:أن الجمع بين الحديث ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) وحديث (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر) هو أن نقول صلاة المنفرد بغيرعذر صحيحة مع اثمه فنقول :-
فما قولكم في حديث (فلاهو معنا ولا هو وحده) وحينئذ لاحجة لكم وعليكم بالتسليم بأن صلاته باطلة الا منله عذر , ثم ان هذه الأحاديث صريحة الدلالة بأن لا صلاة له فلماذا تلون أعناق النصوص حتى توافق قولكم, وهل عجز النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقول بمثل قولكم هذا فيكون الحديث (من سمع النداء فلم يأته فهو آثم) هل تظنون أن هذه الجملة عجز عنها أفصح الخلق صلى الله عليه وسلم؟.
الشبهة الرابعة: أن الفذ المعني في الحديث هو غير المعذور لأن المعذور ينال الأجر كاملاَ:-
نقول نعم ينال المعذور الأجر كاملا بنيتهَ وهذا لا يدل على أنه مثل الذي صلى جماعة فالمعذور بصلاته ينال درجة واحدة فقط فتكمل له سبعاَ وعشرين فضلاَ من الله تعالى فعن أبي بردة قال سمعت أبا موسى مرارا يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) رواه البخاري في الصحيح فيكتب له أجر ذلك العمل فضلاَ من ربنا جل وعلا بنيته ولمداومته على ذلك العمل حال كونه صحيحاَ وليس ذلك بعمله الذي يعمل (كصلاته منفرداَ بعذر كما جزم بذلك ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى).
- ثم نقول انه من المجمع عليه أن الذي حج ليس كمن لم يحج وحبسه العذر وأن الذي جاهد ليس كمن لم يجاهد قاعداَ بالعذر والذي تصدق ليس كمن لم يتصدق وحبسه العذر وهكذا في كل أمور الشرع, وأقوى مايستدل به على ذلك الحديث الذي رواه كثير من أهل الأثر ونأخذ منهم رواية الإمام مسلم :عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك ؟ قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم قالوا بلى يا رسول الله قال تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).
- وكذلك الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ »وهذه رواية مسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الذي هم بالحسنة معذوراً أو غير معذورفله حسنة والذي عملها فله أضعاف كثيرة تصل الى سبعمائة ضعف لهذا لا يستوي من أجر بنيته مع من أجر بعمله.
*بهذه الشبهات الأربع نكون قد رددنا على أقوى حجج المخالفين والحمد لله أولاَ وآخرا .
الباب الخامس : في ذكر من تبعناه من السلف في هذا القول:-
اعلم أخي القارئ وفقك الله لطاعته أن هذا القول الذي قلنا به لنا فيه سلف فلا خير ولا حق في منهج شاذ لم يكن للمرء فيه سلف صالح يتبعهم فممن قال بذلك الامام أحمد رواية عنه(وروي عنه القول بالوجوب دون اشتراط الصحة) والامام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى وكذلك الامام ابن حزم الأندلسي رحمه الله في كتابه النفيس المحلى والامام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه الصلاة وأحكام تاركها.
*وقد اطلعت على كلام كل منهم عدا الإمام أحمد مع أن قول كل منهم مفحم وقوي الدلالة الا أني ما وجدت أفضل وأقوى حجة من كلام ابن القيم رحمه الله فقد أبهرني بحججه وقوة استدلاله لذا أحببت أن أنقل لكم في الباب السادس كلامه كاملاَ من كتابه(الصلاة وأحكام تاركها) فاقرأ وتأمل ما يقول هذا الهزبرذو القدم الراسخة في العلم .
الباب السادس : نقل لكلام ابن القيم كاملا من كتابه(الصلاة وأحكام تاركها) يقول ابن القيم رحمه الله:-
المسالة السابعة وهي: هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا؟
فصل
وأما المسالة السابعة وهي: هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا؟ فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين: أحدهما: أنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده, وهذا قول أكثر المتأخرين من أصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض, ولو أن رجلا قال: هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة, وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده, وحكاه القاضي عن بعض الأصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه. قال ابن حزم: وهو قول جميع أصحابنا. ونحن نذكر حجج الفريقين:-
قال المشترطون: كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على أنها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ما أمر به فبقي في عهدة الأمر. قالوا: ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا صلاة له, ولو صحت لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى". فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها, كما أنه لما وقف القبول على الوضوء من الحدث دل على اشتراطه.
قالوا: ونفي القبول إما أن يكون لفوات ركن أو شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما؛ لأن امتناع القبول هناك لارتكاب أمر محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها.
قالوا: ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار, قالوا: لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة, وأنه إنما يصح عبادة من أدى ما أمر به, وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية. قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها, وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم, وقسم يقول: هي فرض على الأعيان وتصح بدونها:قد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا, وذلك أنه إذا توضأفأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه, ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة". قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل.
قالوا: وفي صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". قالوا: فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب, والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد.
قالوا: وقد روى يزيد بن الأسود قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال: "علي بهما" -فجيء بهما ترعد فرائصهما- قال: "ما منعكما أن تصليا معنا", فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة". رواه أهل السنن. وعند أبي داود: "إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة". قالوا: ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة.
وعن محجن بن الأذرع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي: "ألا صليت" قلت: يا رسول الله قد صليت في الرحل ثم أتيتك. قال: "فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة". رواه الإمام أحمد
وفي الباب عن أبي هريرة وعن أبي ذر وعبادة وعبدالله بن عمر ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال: أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت: ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين".رواه أبو داود والنسائي.
فصل
قال الموجبون(انتبه :هذا رد الموجبون لا المشترطون للصحة): التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}, وقوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ}, وهو كثير فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة, ولزوم كونها ابنة بوجه من الوجوه, وغايتها أن يتأدى الواجب بها, وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض.
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليصلي الصلاة ولم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها" حتى بلغ عشرها فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة أحدهما أفضل من صلاة الآخر بعشرة أجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة.
وأبلغ من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها". فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الأجر بقدر ذلك الجزء, وإن برأت ذمته من الصلاة, فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة, ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما ترب عليه أثره وحصل به مقصوده وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي أبعد شيء من الصحة, وأحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة.
وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه: إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر, وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم, وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره, فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا, وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته أن يصلي جماعة فمرض أو حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة أفضل من صلاته من حيث العملين.
قالوا: ويتعين هذا ولا بد فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده, فدل على أن من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة, قالوا: والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء.
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد". فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا, وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير, ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب". وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل
وأما استدلالكم بحديث عثمان بن عفان: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل". فمن أفسد الاستدلال وأظهر ما في نقضه عليكم قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر". وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب. بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير.
فصل
وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما أقره على ذلك وأنكرعليه. وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا أقدر على الجماعة.
ونحن نقول: إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها ونقول كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا صلاة له, فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من أحد الأمرين: أن يكونوا صلوا جماعة مع غير هذه الجماعة أويكونوا معذورين وقت الصلاة, ومن صلى وحده لعذر ثم زال عذره في الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة, كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت أو صلى قاعدا لمرض ثم بريء في الوقت أو صلى عريانا ثم وجد السترة في الوقت.
قالوا: وقد دلت أحكام الشريعة على أن صلاة الجماعة فرض على كل واحد وذلك من وجوه أحدها أن الجمع لأجل المطر جائز وليس جوازه إلا محافظة على الجماعة, وإلا فمن الممكن أن يصلي كل واحد في بيته منفردا, ولو كانت الجماعة ندبا لما جاز ترك الواجب, وتقديم الصلاةعن وقتها ندب محض.
الثاني: أن المريض إذا لم يستطع القيام في الجماعة وأطاق القيام إذا صلى وحده صلى جماعة وترك القيام ومحال أن يترك ركنا من أركان الصلاة لمندوب محض.
الثالث: أن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام ويعملون العمل الكثير في الصلاة ويجعلون الإمام منفردا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة, وكان من الممكن أن يصلوا وحدانا بدون هذه الأمور ومحال أن يرتكب ذلك وغيره لأجل أمر مندوب إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله, وبالله التوفيق.
*انتهى كلام ابن القيم رحمه الله كاملاَ من غير زيادة ولا نقصان ومن أراد المزيد من العلم في هذه المسألة فليراجع المحلى لابن حزم ومجموع الفتاوى لابن تيمية رحمهما الله وغفر لهما قل امين.
الخاتمة
ختاماَ: أوصي نفسي وإياكم بتوحيد الله تعالى فكل ما سوى التوحيد من أحكام فقد إختلف فيه الناس سواء كان الاختلاف في أصله أو في فرع منه,أما توحيد الله تعالى فلم يختلف فيه أهل الإسلام الا مع المشركين فالتوحيد حد فاصل بين الكفر والاسلام , فأوصيك أخي بدعاء الله تعالى رخاءاَ وشدة ولا تكن كالمشركين الذين يلجأون الى الله في الشدة فقط ومنهم من لا يدع الله أبداَ رخاءاَ وشدة وهؤلاء موجودون بكثرة في زماننا هذا والله المستعان.
*ثم اعلم اخي بارك الله فيك: أن وصيتي لك بالتوحيد تكون بأمرين : والأول هوتطبيقك للتوحيد والثاني : دعوتك له, وهذا هو ديدن الموحدين في كل زمان فهم كما نالوا هذا الفضل من الله يريدونه أن ينتشر بين الناس قال تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فهم كالغيث حيثما حل نفع فأعظم به من فضل أن تكون من هؤلاء الذين يهدي الله بهم الناس قال صلى الله عليه وسلم (لأن يهدي الله بك رجلاَ واحداَ خير لك من حمر النعم) وما قال رسول الله هذا القول الا أن الناس يشتغلون عن الدعوة الى الله بسبب هذه الدنيا الفانية فقد عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأفضل ما كانوا يتمنون امتلاكه فيها,فتجد الانسان ممن كان له قدم في الدعوة الى الله فيأتيه شغل من أشغال هذه الدنيا فلا تكاد تسمع له صوتاَ , لذا أوصيك أخي القارئ بعدم الأنقطاع عن الدعوة الى الله والدخول في هذا الشرف العظيم قال تعالى (ومن أحسن قولاَ ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين) والدخول في هذا الفضل يكون على درجات أعلاها وأقواها هو الجمع بين الدعوة الفردية والدعوة العامة لأن هذا هو منهاج النبوة , ثم أوصيك أخي ثبتك الله بربط جميع أحكام الشريعة بالتوحيد فكن داعياَ الى التوحيد فما خلقت الا للتوحيد , فوالله وبالله وتالله لا أحد أفضل من رجل دعا قومه الى التوحيد ثم صبر على أذاهم حتى يقبضه الله تعالى اليه , وإياك أن تأمن على نفسك الشرك فإنه لم يأمنه الخليل ابراهيم امام الموحدين عليه الصلاة والسلام فعليك بما يثبتك على التوحيد وأفضل ما يثبت على التوحيد هو الدعوة اليه والصبر على الأذى فيه.
وأخيراَ أقول : أشكر الله تعالى بأن اصطفاك من بين الآلاف الذين لا يؤمنون بالله ثم اشكر الله أن اصطفاك من بين الملايين الذين زعموا الايمان بالله وخالطوا ذلك بالشرك , وأفضل الشكر هو نصبك وتعبك في نفع الغير وإخراجهم من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن الذلة في الدنيا والآخرة الى العزة فيهما فهيا قم واعمل لله ولا تعجزن قم وادع الى الله ولو بآية واحدة.
*وأحذرك أخي وفقك الله لما يحب من مداخل الشيطان على كثير من المشائخ فلا تتبع المشائخ في كل شئ وإن كانوا على منهج السلف فإن منهم من دخل عليه الشيطان فصار ممن يصد عن الدعوة الى الله من حيث لا يشعر وذلك بمنهج التثبيط فيقول لطالب العلم لا تقف أمام الناس لتنصحهم حتى تبلغ الدرجة كذا من العلم وهذا الشيخ نلزمه أن يقول كذلك لهذا التلميذ لا تنصح أحداَ في دعوة فردية ولا في جريدة حائطية ولا أي نوع من أنواع الدعوة لأن ذلك كله يحتاج الى علم .
* ثم أنظر أخي في حال المسلمين اليوم الغالب منهم لا يعلم شيئاً عن توحيد الله تعالى فإن قمت أنت وبينت التوحيد للخلق فقد أستفدت وأفدت غيرك ولك من الله الأجر العظيم ان احتسبت وأخلصت النية لله فكم من قليل علم أخلص لله فهدى الله به الخلق الكثير وفي المقابل كم من كثير علم لم يخلص نيته لربه وتكلم الساعات الطوال فلم يؤثر في الناس بشئ فإذا علم العاقل أن الفرق في الدعوة الى الله فرق في الإخلاص لا في كثرة العلم عاهد الله عهداًَ جازماً حازماً أن لا يهدأ له بال حتى يصل الحق لهذه الأمة الصوفية فيوحدوا الله تعالى , فيكون بذلك سبباً لنجاة هؤلاء من النار , ألا تريد أخي القارئ أن تكون ممن يهتدى بهم من ظلمات الشرك الى نور التوحيد ؟ لا أشك أن إجابتك هي بلى أريد وهل يأبى أحد مثل هذا الفضل؟ أقول لك إذاً قم من لحظتك هذه ولا تسوف قم داعياً الى الله قم واصدع بتوحيد الله قم هيا واستعن بالله ولأن صدقت الله في نيتك فلن يخزيك الله أبدا.
*وختاماً: هذا ما أعان الله على كتابته ووفق لرسمه فالفضل له تعالى أولاً وآخراً وأوسطاً لا نحصي ثناءاً على ربنا هو كما أثنى على نفسه ثم الصلاة والسلام على سيد الخلق نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى كل من أقتفى أثره وسار على نهجه الى يوم الدين.
كتبه (ابو المغيرة):عمرعوض الله أحمد عمر
الخميس:الثاني عشر من رمضان1432