للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 200
" نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 341
رواه أبو داود ( 1 / 200 ) والنسائي ( 1 / 97 ) وعنه ابن حزم في " المحلى " ( 3 / 31 ) وأبو يعلى في " مسنده " ( 1 / 119 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 621 , 622 ) وابن الجارود في " المنتقى " ( 281 ) والبيهقي ( 2 / 458 ) والطيالسي ( 1 / 75 - من ترتيبه ) وأحمد ( 1 / 129 , 141 ) والمحاملي في " الأمالي " ( 3 / 95 / 1 ) والضياء في " الأحاديث المختارة , ( 1 / 258 , 259 ) عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن # علي # رضي الله عنه مرفوعاً .
وقال ابن حزم : " وهب بن الأجدع تابع ثقة مشهور , وسائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم , وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها " .
وصرح ابن حزم في مكان آخر ( 2 / 271 ) بصحة هذا عن علي رضي الله عنه ولا شك في ذلك , ولهذا قال الحافظ العراقي في " طرح التثريب " ( 2 / 187 ) وتبعه الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 2 / 50 ) : " وإسناده صحيح " . وأما البيهقي فقد حاد عن الجادة حين قال : " ووهب بن الأجدع ليس من شرطهما " .
قلت : وهل من شرط صحة الحديث أن يكون على شرط الشيخين ? أو ليس قد صححا أحاديث كثيرة خارج كتابيهما وليست على شرطهما ? ! ثم قال : " وهذا حديث واحد , وما مضى في النهي عنهما ممتد إلى غروب الشمس حديث عدد , فهو أولي أن يكون محفوظاً " .
قلت : كلاهما محفوظ , وإن كان ما رواه العدد أقوى , ولكن ليس من أصول أهل العلم , رد الحديث القوي لمجرد مخالفة ظاهرة لما هو أقوى منه مع إمكان الجمع بينهما ! وهو كذلك هنا , فإن هذا الحديث مقيد للأحاديث التي أشار إليها البيهقي كقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " متفق عليه . فهذا مطلق , يقيده حديث علي رضي الله عنه , وإلى هذا أشار ابن حزم رحمه الله بقوله المتقدم : " وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها " .
ثم قال البيهقي : " وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا . وروي ما يوافقه " ، ثم ساق هو والضياء في " المختارة " ( 1 / 185 ) من طريق سفيان قال : أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين في دبر كل صلاة مكتوبة , إلا الفجر والعصر " .
قلت : وهذا لا يخالف الحديث الأول إطلاقاً , لأنه إنما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر , والحديث الأول لا يثبت ذلك حتى يعارض بهذا , وغاية ما فيه أنه يدل على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس , وليس يلزم أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر .
نعم قد ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر , وقالت عائشة : إنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك , فهذا يعارض حديث علي الثاني , والجمع بينهما سهل , فكل حدث بما علم , ومن علم حجة على من لم يعلم , ويظهر أن عليا رضي الله عنه علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث , فقد ثبت عنه صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر وذلك قول البيهقي : " وأما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... " ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال : " كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر , فصلى ركعتين " .
ففي هذا أن عليا رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز .
وروى ابن حزم ( 3 / 4 ) عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس " .
قلت : وإسناده صحيح , وهو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنهم .
وأما الركعتان بعد العصر , فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من الصحابة , فمن شاء فليرجع إليه .
وما دل عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلاً بعد صلاة العصر وقبل اصفرار الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها , وهو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعاً لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ العراقي وغيره , فلا تكن ممن تغره الكثرة , إذا كانت على خلاف السنة .
ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ : ( لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ) .
أخرجه الإمام أحمد ( 1 / 130 ) : حدثنا إسحاق بن يوسف : أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فذكره :
قلت : وهذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم وهو ابن ضمرة السلولي وهو صدوق . كما في " التقريب " .
قلت : فهذه الطريق مما يعطي الحديث قوة على قوة , لاسيما وهي من طريق عاصم الذي روى عن علي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد العصر , فادعى البيهقي من أجل هذه الرواية إعلال الحديث , وأجبنا عن ذلك بما تقدم , ثم تأكدنا من صحة الجواب حين وقفنا على الحديث من طريق عاصم أيضاً . فالحمد لله على توفيقه .
ثم وجدت له شاهداً حسناً من حديث أنس , سيأتي برقم ( 308 ) .